النساء في "مملكة" مجدي أحمد علي

تاريخ النشر: الأربعاء، 8 يونيو، 2022 | آخر تحديث: الأربعاء، 8 يونيو، 2022
المخرج مجدي أحمد علي

في بداية فيلم "يا دنيا يا غرامي"، تدخل البطلات الثلاث الرئيسيات بطة ونوال وسكينة مقهى في وسط البلد، ويظهر على بطة السعادة الغامرة وهي أمام كوب كابوتشينو،
"سيبوني، محدش يكلمني لحد ما أخلص"

وهي الرغبة الوحيدة التي ستتملكها بعد دخولها المستشفى إثر محاولة اعتداء من أخيها المتطرف.

من هنا تتجلى ملامح سينما مجدي محمد علي والتي بحسب أقواله تهتم بموضوعين رئيسيين؛ مواجهة التطرف الديني وقضايا المرأة. وفي هذا المقال سنبحث في عمق أنماط الشخصيات النسائية التي يعبر عنها مجدي محمد علي في سينماه. لا نستطيع أن نقول أن سينماه تنتمي للواقعية السحرية، لكنه واقع مُجمّل لا يفرط في إظهار المعاناة على قسوة حياة معظم أبطاله -أو بطلاته والتي يوليهن مجدي اهتماماً فائقاً- لكنه أيضاً لا يقلل من صعوبة صراعهم وإخفاقهم في معظم الأحيان من الفوز.

إلهام شاهين وهالة صدقي في مشهد من فيلم "يا دنيا يا غرامي"

بنت كويسة

عادةً ما تتعامل سينما المرأة في العالم العربي مع النساء من خلال منظورين، إما الاحتفاء المبالغ فيه بالتفاصيل النسائية، أو السرد الكئيب للمعاناة والقهر. سينما مجدي محمد علي وإن كانت تنحاز للمقهورات والمسحوقات مجتمعياً ودينياً، إلا إنها تظهر شخصياتها النسائية من خلال عدسة رحيمة، متعاطفة، لا تؤطرهن كعاهرات أو طاهرات، تتركهن يسرن على الحبل ما بين هاته وتلك، فسكينة في "يا دنيا يا غرامي" فتاة مارست الحب مع حبيبها الذي تخلى عنها وأصبح متطرفاً، وترفض أن تحيا معه في نمط الحياة الجديد الذي انتهجه، وفي مشهد ترفض سكينة أن تخضع لتقييمه ونظرته -ومن وراءه المجتمع- لها، "أنا بنت كويسة،".

تخبر صديقاتها بين دموعها، وهو المنظور الذي يرى به مجدي جميع بطلات أفلامه تقريباً. فياسمين في "أسرار البنات" بنت كويسة أيضاً، ضحية لإنغلاق عائلتها وتدينهم الزائد عن حده والذي يمنعها من نزول حمام السباحة مثل ابنة خالتها أو مشاهدة البرامج على الدِش -وسيلة الانفتاح في ذلك الوقت- أو الحديث مع أمها عندما بدأت لديها الدورة الشهرية. وفوزية في "خلطة فوزية" التي تتزوج خمس رجال يعيشون معها في تناغم تام حتى بعد الطلاق بنت كويسة، على الرغم من أسلوب حياتها الغريب وغير المألوف على المجتمع الذي هي فيه، فهي تتعامل مع جميع الرجال في حياتها بأريحية تامة وانفتاح فطري لا ينبع من ثقافة أو إطلاع على ثقافة غربية، وبسيمة الموضة في "عصافير النيل" التي كان يراها الجميع امرأة منحرفة فقط لجمالها الزائد والغنج الذي تمتعت به على طريقة مالينا جيوسيبي تورناتوري هي بنت كويسة كانت تحلم كأي امرأة بحنان رجل والستر، حتى الراقصة المعتزلة وداد تعتد بماضيها وتهتم بتفاصيلها الأنثوية البسيطة التي تمنحها لحظات من السعادة تسرقها من الزمن كألوان طلاء الأظافر التي تحبها ومكالماتها مع البقال.

إلهام شاهين ومجدي أحمد علي في العرض الخاص لفيلم "خلطة فوزية"

امرأة قوية

نساء مجدي أحمد علي لسن مطيعات ساكنات يخشين الرجال ويستسلمن لقهرهم، في "يا دنيا يا غرامي" لا تخجل سكينة من مواجهة عبده حبيبها القديم لها بعلاقتهما الجنسية وتدافع عما فعلاه باسم الحب، تقف بطة أخته له بالمرصاد وترفض الاستسلام لأوامره وسلطته الذكورية التي يدعمها بسلطة دينية، وفي "عصافير النيل" تشتبك بسيمة الموضة برجل دين يحاول فرض وصايته الذكورية عليها خوفاً من أنوثتها الفائقة، وفي "خلطة فوزية" تناطح فوزية جميع أزواجها نظراً لأنها تعيل نفسها من بيع المربات وتنفق من مالها الحر على أطفالها كما تدعم أبناء المنطقة التي تعيش فيها بطيبتها وعشريتها واندماجها مع المجتمع الذي تعيش فيه. كل امرأة من هاته النسوة لا تحاول الاختباء بأنوثتها واستقلاليتها، تفخر بطة بحبها لابن خالتها وعلاقة المحبة المتبادلة بينهما على مرأى ومسمع الجميع، تفخر بسيمة الموضة بأنوثتها وحبها لعبد الرحيم، كما تختار فوزية أزواجها بنفسها وتطلب هي منهم الزواج ثم تطلقهم بنفسها دون الاستسلام لسطوتهم الذكورية عليها. وفي حالة مواجهة هاته النسوة لسلطة ذكورية أياً كانت فهي تقاومها وترفض المهادنة. حرية المرأة في أفلام مجدي أحمد علي ثمينة، وهو يمنح نساءه الجميلات وسام الشجاعة على طول الخط.

الموت والحياة

في جميع أفلام مجدي أحمد علي تظهر الطبيعة كامرأة معطاءة وآخذة، تأخذ بقسوة وتمنح بكرم، وهي من صفات الطبيعة الأنثوية الخالدة. في "أسرار البنات" تموت طفلة ياسمين وتولد هي من جديد كامرأة بعد جريمة ختانها وولادتها المبكرة، وفي "خلطة فوزية" تموت الراقصة وداد وفي مشهد بديع تتساءل فوزية عن جدوى إزالة طلاء الأظافر لها قبل غُسلها، أما المشهد الأيقوني الذي خلدته السوشيال ميديا في فيلم "عصافير النيل" فكان لنرجس أخت عبد الرحيم -والتي أدت دورها باقتدار الراحلة دلال عبد العزيز- وهي تطلب من زوجها البهي أن يضع لها لمبة لإنارة قبرها حتى تعتاد الظلام. في جميع المشاهد تتفاعل كل امرأة مع الموت بطريقة تختلف عن الأخرى، وبطلته المفضلة فوزية هي التي تتعامل مع الموت أكثر من مرة سواء بالتعاطف أو بالرفض في حالة موت ابنها صاحب الإعاقة الجسدية.

دلال عبد العزيز في مشهد من فيلم "عصافير النيل"

الانتصار للنساء كبيرات السن

في كثير من الأفلام تظهر المرأة التي تعدت مرحلة عمرية معينة بصورة لا تخرج من إطار واحد يقيدها فيه صناع العمل، لكن هذا ليس الحال في أفلام مجدي أحمد علي، فزهيرة في "يا دنيا يا غرامي" ووداد في "خلطة فوزية" ونرجس في "عصافير النيل" تختلفن عن بعضهن كلياً، ولا تحاول عدسة المخرج السخرية منهن أو إظهارهن بصورة مهينة، بل تتعاطف معهن على اختلاف شخصياتهن.

حميمية النساء

في أفلام المرأة مثل باكورة إخراج نادين لبكي "كراميل" و"هلأ لوين؟" تتبدى معالم حميمية لعالم نسائي تتلصص عليه الكاميرا بعين واعية للتفاصيل ومدققة في خبايا عالم النساء، وفي أفلام مجدي أحمد علي، تتلصص الكاميرا أيضاً على النساء في أكثر لحظاتهن حميمية، فنجد مشهد لهو البنات واستحمامهن في "يا دنيا يا غرامي"، وعبث طالبات المدرسة في "أسرار البنات"، وتفاصيل غرفة بسيمة ومقتنياتها البسيطة في "عصافير النيل" ورائحة منزل فوزية ولحظات قربها من أمها وليلى وحتى ابنتها الحنونة في "خلطة فوزية".

المرأة والجسد

يحاول دائماً مجدي أحمد علي الاقتراب من علاقة المرأة بجسدها، لا يقتحم خصوصيتها الجسمانية، وإن يظهر دائماً من خلال كاميرا محايدة أحياناً ومتلصصة في أوقات أخرى تفاصيل الاهتمام بالجسد أو الخوف والنفور منه من أول فوزية التي تعشق الاستحمام وتكره اللون البنفسجي، وعلاقة ياسمين الملتبسة بجسمها بعد بلوغها ووقت الحمل، وأدوات زينة بسيمة ورائحتها الزكية التي يتحاكى بها الجميع، وحتى رفض سكينة للتحايل على حقيقة جسدها التي تغيرت بفعل الحب الذي رأته هي مشروعاً وحقيقياً. حتى النساء المتقدمات في العمر؛ وداد وهوسها بطلاء الأظافر ورفض جسدها لموت طفلها متمثلاً في فقدانها جزءاً منه، تغير جسد بسيمة بعد الإصابة بالسرطان، وسِنة زهيرة الذهبية التي تبيعها خوفاً من فقد لحظة وَنَس مع رجل هي تعرف تماماً أنه لا يحبها.

دلال عبد العزيز وعزت أبو عوف في مشهد من فيلم "فيلم أسرار البنات"

كل هذه التفاصيل الصغيرة تصنع نسيجاً واحداً متماسكاً على اختلاف أركانه لعالم شديد الخصوصية ومخرج شديد التمكن من أدواته، واعي للقضية التي تشغله وللهَم المجتمعي والإنساني الذي يؤرقه كفنان وليس مجرد صنايعي، في عالمه الصغير شديد الخصوصية يحتفي مجدي أحمد علي بالمرأة وبقدرتها على المقاومة دون لغة زاعقة تثير السخرية أكثر من التعاطف.


اقرأ أيضا:

رسميا.. انتاج جزء ثان من فيلم Joker وعودة واكين فينيكس

داود عبد السيد : بحثت عن إنتاج لفيلم "الكيت كات" 5 سنوات و"رسائل البحر" لم يظهر للنور إلا بدعم الدولة

#شرطة_الموضة: تعديلات منى زكي على فستانها في حفل إطلاق مجموعة بولجاري الجديدة ... أغلقت الفتحة الجانبية

وفاة 30 فنانا صعبت المهمة .. لماذا لا يقدم محمد صبحي الجزء التاسع من "ونيس"؟

لا يفوتك-نجوم أجانب بس سميعة للطرب الأصيل ... بيسمعوا أم كلثوم وفيروز ونانسي

حمل آبلكيشن FilFan ... و(عيش وسط النجوم)

جوجل بلاي| https://bit.ly/36husBt

آب ستور|https://apple.co/3sZI7oJ

هواوي آب جاليري| https://bit.ly/3LRWFz5