محمد كمال

ريفو .. حكاية باند والبحث عن الذات داخل دائرة

تاريخ النشر: الأحد، 5 يونيو، 2022 | آخر تحديث:

بوستر حفل لفريق ريفو

الانطباعات الأولى تدوم لكن مع مسلسل "ريفو" يبدو أنه العكس، لوهلة سريعة نعتقد أنه مسلسل غنائي بحكم أن قصته تدور حول فريق موسيقي "باند" ظهروا في فترة واختفوا كحال معظم الفرق الموسيقية في تاريخ مصر، والانطباع الثاني نجد أن البعض يشير إلى أن المسلسل عبارة عن نوستالجيا لفترة التسعينيات وهو أيضا انطباع حقيقي مرتبط بتفاصيل العمل لكنه ليس هذا فقط، المؤلف محمد ناير جعلنا أمام مسلسل يأخذ من الانطباعين مجرد إطارين أو بروازين لتقديم عمل إنساني يسير بالتوازي في أحداثه مثل قضبان القطار على فترتين الأولى في فترة التسعينيات والثانية في الوقت الحاضر لمجموعة من الشخصيات الذين يبحثون عن الذات كلا منهم داخل دائرته سواء الصغيرة منها أو الأكبر نسبيا.

مسلسل "ريفو" هو أحدث إصدارات منصة "Watch It" والذي تستمر من خلاله في تنفيذ خطتها الإنتاجة للأعمال الأصلية والتي كانت قد بدأتها العام الماضي، والمسلسل القصير "ريفو" المكون من 10 حلقات يشارك في بطولته أمير عيد وركين سعد ومحسن محي الدين وحسن أبو الروس وسارة عبدالرحمن وصدقي صخر وتامر هاشم ومينا النجار ومن تأليف محمد ناير وإخراج يحيى إسماعيل في تجربته الإخراجية الأولى.

نرشح لك: "ووكمان" وشرائط كاسيت وأسعار السجائر .. أبرز ملامح التسعينيات في الحلقة الأولى من "ريفو"

بوستر مسلس لريفو

بطلة العمل الأساسية هي مريم (ركين سعد) التي تعمل مساعد مخرج وابنة المؤلف الكبير حسن فخر الدين (محسن محي الدين) الذي يتوفى فجأة تاركا مشروع فيلم يعمل عليه منذ سبعة أعوام بعنوان "ريفو" ورغم العلاقة القريبة والقوية بين حسن وابنته مريم إلا أنها لم تكن تعلم أي شئ عن هذا المشروع، لكن هل كان سيناريو فيلم "ريفو" هو كل ما تجهله مريم عن والدها؟ بالطبع لا فهذا ما تكتشفه مريم بمرور الأحداث.

تبدأ مريم في التساؤلات وتجميع المعلومات عن الفيلم والذي تكتشف أنه عن فريق موسيقى يدعى "ريفو" ظهر واختفى في نهاية التسعينيات، وتبدأ في تجميع قطع لعبة البازل حول هذا الفريق المجهول لمعرفة ماضيهم وكشف تفاصيل علاقة والدها بهم وهو المسار الأول للمسلسل الذي تم التعبير عنه من خلال مريم، أما المسار الثاني فقد كان بطله شادي أشرف (أمير عيد) مطرب ومؤسس فريق ريفو الذي تعود معه الأحداث إلى فترة التسعينيات بالعودة إلى أدق تفاصيل تلك الفترة التي تعبر عن قطاع عريض منا حاليا.

البناء الدرامي للأحداث والشخصيات جاء مميزا جدا على مستوى السرد برغم كثرة التنقل بين زمنين مختلفين إلا أن المخرج يحيى إسماعيل نجح في الحفاظ على إيقاع وتوزان العمل لنجد أنفسنا أمام عمل لا يتعلق بباند ظهر ونجح ثم اختفى ولم يهتم المسلسل كثيرا بتفاصيل النجاح أو أسباب الفشل وهذا من أهم نقاط قوة العمل لكن جاء التعبير عن الغوص في أعماق شخصيات تبحث عن شئ داخلها لم تجده إلا من خلال هدف محدد وأيضا من خلال التواجد مع أشخاص آخرين، مجموعة من صراعات مرحلة التسعينيات المتعلقة بالانطلاق والمرح والعلاقات المضطربة والحب في تفاصيله بين التمسك والهجر وأضفى وجود المطرب والموسيقار حسام حسني كضيف شرف بشخصيته الحقيقية نوع من الحنين والحميمة لتلك الفترة باعتباره أيقونة تلك الفترة وهذه المرحلة للشباب من محبي الموسيقى والأغاني.

البحث عن اكتشاف الذات والآخرين

الجميع في هذا المسلسل يبحثون عن أمرين الأول ذاتهم والثاني عن مسار الحياة خارج حدود الأسرة بداية من مريم محور الأحداث في البداية كان الأمر مجرد تنفيذ المشروع الأخير لوالدها لكنها اكتشفت خلال الرحلة المثيرة أنها تكتشف نفسها وذاتها وترى بوضوح موهبتها في السينما وتحدد طريقها بوضوح بعيدا عن التحول لمجرد امتداد لوالدها المؤلف السينمائي الكبير.

صدقي صخر وأمير عيد وحسن أبو الروس وتامر هاشم ومينا النجار في مشهد من ريفو

نفس الحال أعضاء فريق ريفو (شادي أشرف – مدحت أباظة – مروان سامي – ماجد جورج – أحمد نعمان) الخماسي وجدوا ذاتهم في الدائرة التي تحدث عنها شادي والتي تعبر عن ذاتهم لكنهم أيضا أرادوا النجاح خارج حدود عائلتهم، شادي هاربا من والدته المريضة والمؤلف الكبير الذي يعتبره والده وهو لم يكن كذلك، مروان من سيطرة وتسلط والده الموسيقار المرموق، ماجد من اتهام والده دائما له بالفشل، أباظة رغب في تحقيق ذاته مع الفريق بعيدا عن "النحت" مع حسام حسني ومصطفى قمر وهشام عباس، ويظل الشخص الوحيد الذي لم ترتبط أزمته بالآخرين هو نعمان لكن أزمته كانت داخلية فهو دائما على الحياد وليس له موقف محدد.

حتى المؤلف الكبير حسن فخر الدين هو الآخر من خلال مشروع سيناريو "ريفو" كان يبحث عن ذاته برغم تجربته الكبيرة والمهمة في السينما المصرية لكن ريفو تحديدا يمثل له تحد خاص فهو مشروع حياته وصندوق أسراره التي أخفاها عن أقرب الأشخاص إليه، فحسن أيضا اختار الابتعاد عن زوجته وبداية حياة جديدة مع سيدة أخرى التي بدورها تركته أيضا لكنه أصر على الاستمرار والنجاح بعيدا عنهما، حتى معتصم الذي هو من المفترض سيتزوج مريم هو الآخر كطبيب أسنان يبحث عن ذاته في كندا بعيدا عن كل شئ هنا.

ريفو لم تكن مجرد باند موسيقي لكنه مسار حياة للجميع توقف وانهار عند البعض بعد تلاشي الفريق، سارة ونعمان أصبحوا رجال أعمال لا ينظرون للأمور إلى بعين المصلحة الشخصية، ماجد جورج سافر إلى فرنسا وفقد ذراعه اليسرى هناك، مدحت أباظة تحول إلى متشدد وهجر الموسيقى باعتبارها من المحرمات، مروان سامي أصبح نزيل في إحدى المصحات النفسية بعد تكرار محاولات انتحاره بعد ان تفككت الدائرة وانفرط العقد تماما.

أمير عيد وتامر هاشم في مسلسل ريفو

في التسعينيات كانت الدائرة تضم خماسي فريق ريفو ومعهم حسن وسارة تلك الحالة التي تجسدت أكثر في شادي رغم أنه على الأحداث كان أقلهم ظهورا لكنه كان الأقوى من حيث التأثير وهي نقطة مهمة تضاف لأمير عيد كممثل لأنه عندما اختار لم يختار المساحة الأكبر بل ذهب إلى التأثير الدرامي الأقوى في التفاصيل.

صدقي شخص وشخصية مروان سامي

تظهر الدائرة في الوقت الحالي لكن بشكل ومعطيات جديدة بعد فقدان الثلاثي شادي وحسن وسارة ودخول أعضاء جدد في مقدمتهم مريم التي تصر على استكمال الفيلم رغم كل المعوقات التي واجهتها والأسرار التي اكتشفتها في رحلتها، فالجميع خلال الرحلة اكتشفوا ذاتهم وأعادوا علاقته بالماضي وبالآخرين.

اختيار العودة للتسعينيات تحديدا وربط الحبكة بالموسيقى كان موفقا تماما من المؤلف والمخرج وليس انحيازا بحكم الانتماء أكثر لهذا الجيل الذي بدأت خلاله تكوين شخصيتي لكنها الحقيقة فموسيقى التسعينيات كانت من أهم المحطات في التاريخ الموسيقي لمصر مع ظهور موجة الأغاني "الشبابية" ذلك الجيل الذي أبدع مع شرائط الكاسيت وبداية انتشار الفيديوكليب ومن قبلهما بداية الثورة الموسيقية التي قادها حميد الشاعري وطارق مدكور وحسام حسني وغيرهم وعبر عنها أجيال بدأوا مع عمرو دياب ومحمد فؤاد مرورا بمصطفى قمر وهشام عباس وإيهاب توفيق وأنغام وسميرة سمير سعيد ثم عامر منيب وخالد عجاج وحكيم والأجيال الذين بزغوا بعدهم، تلك الفترة التي تحمل تجربة بها زخم حقيقي امتد واستمر على مدار 20 عاما حتى نهاية العقد الأول من الألفية الجديدة.

حسام حسني ضيف شرف ريفو

جاء الأداء التمثيلي للجميع جيد جدا وفي مقدمتهم الموهوبة التي قدمت أوراق اعتمادها كبطلة جديدة في الأعمال المصرية الأردنية ركين سعد، فقد قدمت شخصية مريم بتمكن ونجحت في إظهار حالات المتقلبة بين العصبية المفرطة والتشتت والحيرة، ومن بعدها يأتي رباعي فريق ريفو حسن أبو الروس وصدقي صخر وتامر هاشم ومينا النجار ومعهم سارة عبد الرحمن فالخماسي ارتكز أدائهم على جهتين الأولى في فترة التسعينيات والأخرى بعد مرور 20 عاما.