شهد عيد الفطر طرح مجموعة من الأغاني في ظل تقليد أصبح متعارف عليه في زمن الأغنية "السنجل" ، خاصة وأن فكرة طرح الألبومات "الكاملة" بشكل عام أصبحت أمرًا نادرًا على مدار العام فما بالك بموسم قصير مثل عيد الفطر .
أول الحاضرين في موسم العيد كان عمرو دياب الذي طرح قبل نهاية شهر رمضان أغنيته الجديدة "هتدلع" والتي تعد أول انتاجاته بالتعاون مع تطبيق "أنغامي" الذي أعلن منذ أشهر عن استحواذه على جميع أغنيات عمرو دياب السابقة والجديدة حصريًا .
"هتدلع" من كلمات محمد القاياتي، ألحان محمد يحيى، وتوزيع أحمد ابراهيم ، وهي أغنية تنتمى لقالب الفلامنكو الإسباني والذي يعد أحد رهانات عمرو دياب القديمة ، خاصة وأنه كان من أوائل المطربين المصريين والعرب الذين قدموا هذا اللون في تسعينات القرن الماضي وتحديدا من خلال ألبوم "ويلوموني" .
تبدأ الأغنية بافتتاحية موسيقية بصولو الجيتار وكأنها نسخة طبق الأصل من افتتاحية "بير جيت" الشهيرة لـ"لافارد جريج"، ولكن أكثر مايميز الأغنية تمرس عمرو دياب الواضح في أداء أغاني "الفلامنكو" بصورة تُظهر صوته وكأنه جزء من الإيقاع وارتام الجيتارات الإسبانية القوية مع خبرة كبيرة في أداء عٌرب هذا اللون الموسيقي.
أخيرًا لم يخرج الموزع أحمد ابراهيم عن إطار قالب الفلامنكو بكافة حلياته وتنويعاته التقليدية المعروفة، قدم أغنية كلاسيكية جدًا من هذا اللون دون مغامرة بإضافة لمسات جديدة أو مختلفة كمحاولة لمواكبة العصر.
اللعب في المضمون
مازال حسين الجسمي يواصل اللعب في المضمون وتحديدًا خلال تعامله مع الأغنية المصرية، ارتبطت أغاني الجسمي المصرية منذ أن عرفناه بإيقاع المقسوم، وتحديدًا النسخة ذات البصغة "الحميدية الشاعرية" نسبة إلى حميد الشاعري، ولكن من تنفيذ الموزع توما الشريك الرئيسي في أغلب أغاني الجسمي المصرية.
بداية من "ستة الصبح" مرورا بـ "بشرة خير" وصولا إلى "بالبنط العريض"، وحتى عندما تعاون الجسمي مع الموزع علي فتح الله في أغنية "حتة من قلبي" لم تخرج عن إيقاع المقسوم باستثناء بعض الحليات الموسيقية والأصوات الإليكترونية الجديدة التي أضافها للأغنية وميزت هوية فتح الله في تنفيذ هذا اللون .
هذا العيد قدم الجسمي أغنية "دلع واتدلع" من كلمات تامر حسين، لحن حسين الجسمي، توزيع توما. الأغنية بشكل عام تحمل قدرًا من البهجة والرومانسية الشقية في كلماتها، وهو مناسبة جدًا لأجواء العيد، أما اللحن فجاء مناسبًا لقدرات الجسمي الصوتية خاصة وأنه حريص دائمًا على تلحين هذا النوع من الأغاني بشكل ملائم لقدراته التطريبية والغنائية.
وأخيرًا يأتي توزيع توما كأضعف عناصر الأغنية، ليس تقليلا من قدراته كموزع، ولكن إصراره الشديد على عدم التطوير في هذا الإيقاع، وتقديم نسخ مكررة منه على مدار السنوات الماضية أفقده الكثير من بريقه، وبالمقارنة بأغنية الجسمي السابقة "حتة من قلبي" للموزع علي فتح الله ، ستكتشف ببساطة أن الأخيرة كانت مشحونة بإيقاعات وأصوات جديدة على هذا اللون الذي مازال تومًا مبحرًا في تقليديته حتى الآن.
مشروع مسار إجباري المتجدد
يميز فريق مسار إجباري خروجة من شرنقة مسمى فرق "الأندرجراوند" منذ سنوات، وتأسيس مشروعه الفني والموسيقي الواضح، نحن أمام واحد من أفضل الفرق المصرية صناعة للموسيقى خلال السنوات العشر الأخيرة.
تبلور هذا المشروع بوضوح في ألبوم "تقع وتقوم" عام 2015 ، ثم جاء ألبوم "الألبوم" في نهاية 2018 ليؤكد تنوع ورحابة هذا المشروع ، وأخيرًا أعلن الفريق عن صدور ألبومه الجديد "نص الحاجات" بطرح الأغنية الرئيسية التي تحمل نفس الإسم .
شخصيًا لا أخفي إعجابي وحماسي الشديد لتجربة "مسار إجباري" التي تأثرت بثقافات وموسيقات مختلفة بداية من التراث الموسيقي المصري، مروار بموسيقى "بينك فلويد"، وصولا إلى قدرتهم على تطويع إيقاعات الروك والبوب والديسكو سترينج الغربية للتزاوج مع الموسيقى المصرية في تناغم بديع لايفتقد للهوية.
في أغنية "نص الحاجات" يقدم الفريق مشروعًا موسيقيًا متكاملًا يمزج بين موسيقى "الاليكترو الشعبي" بصخبها الواضح في الدفوف والصاجات الصعيدي التي تبدأ في مقدمة الأغنية وتستمر في الخلفية بامتدادها، وموسيقى الروك التي تفرض بصمتها طوال الأغنية بتآلفات الاليكترو والبيز جيتار، وأخيرًا بصولو الاليكترو جيتار الختامي الذي أصبح بصمة واضحة في أغلب أغاني مسار اجباري .
كلمات الأغنية تمثل تأكيدًا للهوية الفنية للفريق، الذي يطرح أفكاره في أغنيات فلسفية تناقش المشاعر الانسانية قبل العاطفية غالبًا، وتفتش في تساؤلات وجودية تحيط النفس البشرية، عن الاحباط والرضا والحياة والنصيب .
الأغنية من كلمات محمد بحيري ولحن هاني الدقاق ، وتوزيع فريق مسار اجباري الذي يضم بين أعضائة موسيقيين وموزعين لم يلتقطهم سوق الأغنية التجارية مثل أيمن مسعود ، وأحمد حافظ.
لماذا نحن هنا؟
ما الذي يهدف له مطرب ومطربة عندما يقدمان دويتو غنائي جديد؟ سؤال سيطاردك وانت تسمع أغنية "من أول دقيقية" لإليسا وسعد لمجرد.
من أول دقيقة ستسمع فيها أغنية "من أول دقيقة" ستكتشف أننا أمام أغنية رومانسية تقليدية جدا في قالب "السوفت روك" المناسب لرقصات "السلو" في الأفراح، أغنية تدفعك لتسأل نفسك السؤال الساخر الشهير: لماذا نحن هنا ؟!
لماذا فكرت إليسا في جذب سعد لمجرد لغناء أغنية رومانسية معها وهو أبعد ما يكون عن هذا اللون؟ ولماذا تخلى سعد لمجرد في هذا المشروع عن لونه الغنائي الذي كان العنصر الرئيسي فيه هو مزج الموسيقى المغاربية بأنواعها المختلفة مع الموسيقى الإليكترونية على يدي الموزع المغربي المعروف جلال حمداوي صاحب أيقونتة لمجرد "المعلم".
لاجديد يمكن أن يذكر على مستوى الكلمات التي كتبها أمير طعيمة، ولا جديد على مستوى اللحن الذي صاغه رامي جمال دون أن يحمل جملة موسيقية واحدة جذابة، حتى توزيع أحمد ابراهيم لم يخرج عن الشكل التقليدي لعشرات الأغاني التي ظهرت من هذا اللون خلال السنوات الماضية، ولم يضف آلة واحدة أو صوتًا إليكترونيا جديدًا يمنح الأغنية شيئَا من الطزاجة المفقودة.
صحيح أن هناك احتفاء إعلامي لبناني واضح بالأغنية وبتعداد المشاهدات المتضاعف نظرًا لشعبية إليسا و"جدلية" سعد لمجرد، ولكن المشروع على المستوى الموسيقي لم يقدم جديدًا يوازي هذا الاحتفاء الذي سيخفت بالوقت وستختفي معه الأغنية وكأنها مرت مرور الكرام كعشرات الدويتوهات التي ظهرت على الساحة بلا هدف فني حقيقي سوى تبادل الشعبية.