"عمدة" شاب يبحث عن فرصة "نجومية" في عالم الراب، أطلق على نفسه لقب "نسر السين" نسبة إلى قدرته على اقتناص خصومه في "التراب باتل" أو مايعرف بمبارزة الرابرز.
يتعرض "عمدة" لصدمة كبيرة بعد هزيمة ساحقة في "باتل" أمام رابر يدعى "فاضل" ، ومن هنا تبدأ القصة .. قصة "نسر السين"، مجموعة حلقات قصيرة تقدم كوميديا ساخنة متمردة على كل القيود بسخرية عميقة وبسيطة في ذات الوقت من "الموهومين" في عالم الراب.
لا شك أن "الراب" عالم له خصوصيته الشديدة ، لم يعد مجرد فن ، بل أسلوب حياة ، "مجال" أو "سين" كما يطلقون عليه ، لم أدرك مسبقًا أن "الخصوصية" الشديدة التي تحيط هذا العالم، هي في ذات الوقت مادة خام قابلة لتفجير الضحكات، وصناعة كوميديا مختلفة تخاطب جيل مَل حرفيًا من الكوميديا المستهلكة على شاشات التليفزيون والمنصات .
نحن أمام جيل لم يعد يضحك على إفيهات فنانين تجاوزت أعمارهم الأربعين وأزيد، ولا تخاطب كوميديا خريجي "مسرح مصر" ذائقتهم وثقافتهم، هم في الواقع متمردون على محاولات المنصات الرائجة مثل "شاهد" و"نتفليكس" لفرض بعض الأسماء التي تحولت إلى "سلعة تجارية وإعلانية" باعتبارها معبرة عن هذا الجيل.
نرشح لك : هل يروج "ويجز" للأزياء "اللاجنسية"؟ حقائق عن الموضة والجنس وصناعة المشاهير
حتى كتابة هذه السطور طرحت الشركة المنتجة لـ"نسر السين" أربع حلقات فقط ، تتراوح مدة الحلقة مابين 8 إلى 13 دقيقة ، ولكنها تقدم جرعة مكثفة ومركزة من الضحك على هذا العالم ، أقصد تحديدًا العالم السفلي لهواة الراب الطامحين في شهرة مروان موسى وبابلو وويجز .
الحلقات من اخراج كريم الدين الألفي وكريم مرتضى ، وهما غالبا كتاب هذه الاسكتشات الساخرة ، التى لا تخلوا من شحنة "شتائم" أشبه بالقصف المكثف من الدقيقة الأولى ، ولهذا يتصدر الحلقات تنويه بأن العمل مصنف 18+ .
انتاج بسيط ، ولكنه لا يخلوا من تميز واضح على مستوى الصورة، يكفي أن نصف الحلقة الأولى تم تصويره بكاميرا واحدة متحركة رصدت تنقل أحد الشخصيات الرئيسية وهو "هوبز" مدير أعمال "عمده" دون قطع في ثلاثة أماكن مختلفة مع الاحتفاظ بتماسك الإيقاع والحركة والحوار، وهذا في حد ذاته أكبر من قدرات مخرج هاوي .
تعتمد حلقات "نسر السين" في سردها على فكرة كرة الثلج ، مع مزج بين الروح الروائية والوثائقية ، لدينا حدث أولى وهو صدمة عمدة ، لتفتح لنا باب التعريف بنسر السين ورفاقه ، "مُدة" ، "هانز" ، "هوبز" ، وهم أعضاء "السرب" كما يطلق عليه .
كل واحد من هؤلاء الشخصيات يعكس شيئًا حقيقيًا من الوجوه المتأثرة بهذا العالم ، يشترك الجميع في صفة واحدة وهي "الشبحنة" كمنهج اختلاف عن البشر العاديين ، إحساس زائد بالذات يصل إلى حد هذيان العظمة ، وهذا في حد ذاته مدخل لضحك أكثر في علاقات الشخصيات .
يلجأ عمدة إلى "تيمو" الموزع الموسيقي الفاشل ، وهو واحد من أطرف شخصيات الحلقات ، التركيبة التي تجمع بين ادعاء العمق والجهل في ذات الوقت ، مع ملامح أقرب إلى نسخة كوميدية من أعضاء فريق "بينك فلويد" .
يمزج مخرجا العمل بين الأحداث الهزلية الساركازمية التي تقود مسار حياة عمدة ورفاقة ، وبين اللقطات الحوارية التي يتحدث فيها كل منهم عن مشروع عمدة الفني ، كلما تحدث أحدهم عن موهبة وعظمة عمدة أسطورة المجال القادم ، يأتي الرد بمشهد ساخر يكشف مدى تفاهة وسذاجة عمدة الذي لا يملك الحد الأدنى من الموهبة ، بينما يدعي أنه نبض الشارع وكلماته هي كلمات الشارع .
تكبر كرة الثلج وتتصاعد الأحداث الهزلية في الحلقة الرابعة عندما ، ينجح "هوبز" مدير أعمال عمدة في ترتيب موعد مع "مروان موسى" للاتفاق على "فيت" يجمع بينهما ، موقف خارج إطار المنطق ، ولكن لأن اللامنطق يحكم هذه الكوميديا ، فإن رفاق عمدة يغارون من "هوبز" ، ويقررون الرد بالاتفاق مع "ويجز" على التعاون مع عمدة ، وفي طريقه إلى مروان موسى يتلقى اتصالا : تعالى ويجز قاعد مستنيك في الاستوديو .
هل نجحوا في اقناع ويجز ؟ بالطبع لا فمن جاؤا به هو شبيه "ويجز"، والجميع مقتنعون أنه ويجز الحقيقي ، حتى عمدة نفسه يصدق الخدعة ويتمادى في اللعبة وسط مشاهد وجمل حوارية خارج المنطق .
رغم أنني لست من المهتمين بالراب، ولست ممن يمتلكون "قاموسه"، ولكن المعيار في المشاهدة هو عدم الشعور بالملل، وهو ماحققته حلقات "نسر السين" الأولى، لدينا خلطة كوميدية جديدة تجمع بين "البارودي" و"الساركازم" والسخرية الجريئة الصادمة، وشخصيات مرسومة بحرفية وذكاء، وممثلين شباب سلاحهم الأهم هو التلقائية.
هذا المسلسل يؤسس لمفاهيم جديدة في صناعة المحتوى الترفيهي، ويطرح تساؤلات عديدة حول تطور هذه الصناعة وفقا لقواعد المشاهدة الجديدة، مثل الإيقاع السريع، ومدة الحلقات القصيرة، والمحتوى الذي يخاطب بالأساس فئة محددة وليس الجمهور العام.
يبقى فقط أن أشير إلى أسماء صناع هذا المحتوى المتميز ، وهما المخرجان كريم الدين الألفي وكريم مرتضى ، أما الممثلين فهم محمد عمدة، أحمد فاضل، أحمد إيهاب، محمد مداح، أحمد بدران، أحمد هاني اسماعيل.
اقرأ أيضًا :
قبل صفعة ويل سميث ... مواقف غريبة في الأوسكار شخص عاري وبيتزا على المسرح
تفاصيل 30 دقيقة مع ميادة الحناوي: زوجة "عبد الوهاب" تآمرت عليها وبليغ جعلها "كوبري" رسائله لوردة!