زيارة لمتحف تورينو السينمائي.. الماضي والحاضر والمستقبل

تاريخ النشر: الأربعاء، 1 ديسمبر، 2021 | آخر تحديث: الأربعاء، 1 ديسمبر، 2021
متحف تورينو السينمائي

يظل مصطلح "متحف السينما" أو "السينماتِك" ذا شجون لدى كل منشغل بالفن السابع وثقافته وتاريخه في مصر، فرغم التاريخ الممتد للسينما المصرية، والذي يفوق 120 عامًا من العروض وقرابة القرن من صناعة الأفلام (الفيلم القصير الأول "برسوم يبحث عن وظيفة" أخرجه محمد بيومي عام 1923)، ورغم الصناعة الضخمة التي أفرزت ما يزيد عن الأربعة آلاف فيلم طويل، ورغم جهود قامات بحجم الناقد سمير فريد في سبيل الدعوة لإنشاء أرشيف سينمائي وطني هو أقل ما تستحقه صناعة تصل نسبة تصدير منتجها إلى مائة في المائة، فجميع الأفلام المصرية، على اختلاف جودتها وأنواعها، يتم تصديرها لخارج البلاد. رغم كل هذا تظل مصر بلدًا لا يملك ذاكرة سينمائية رسمية يمكن الرجوع إليها.

هذه الأفكار كان من المحتم أن ترد إلى الذهن عند زيارة متحف السينما الوطني في تورينو، فخر السينما الإيطالية وأحد أهم المؤسسات المعنية بالأرشيف والذاكرة السينمائية في العالم. الزيارة التي أتيحت لكاتب هذه السطور كجزء من حضور وتغطية الدورة التاسعة والثلاثين من مهرجان تورينو السينمائي، والذي أصبح تحت الإدارة التنظيمية للمتحف رغم كونه يسبقه تاريخيًا، فالمهرجان انطلق عام 1982 بينما تم افتتاح المتحف رسميًا عام 2000، ولهذه قصة تستحق أن تُذكر.

نرشح لك- جوني ديب لن يحضر مهرجان القاهرة السينمائي 43

الانطلاق.. قيمة الأرشيف وصراع البناء

البداية كانت من امرأة عاشقة للسينما تدعى ماريا أدريانا برولو، ولدت عام 1908 وعملت كباحثة مكتبية، لكنها وقعت في حب السينما التي كانت لا تزال فنًا حديثًا، وكوّنت أرشيفًا شخصيًا ضخمًا من نسخ الأفلام وملصقات الأفلام والمعدات السينمائية، لتزداد مجموعة مقتنياتها بصورة جعلتها تفكر في إنشاء مؤسسة للذاكرة السينمائية، خاصة بعد تبادلها المراسلات مع هنري لانجلوا مؤسس السينماتِك الفرنسي وأحد أشهر المؤرخين السينمائيين. لتقوم عام 1953 بإطلاق مؤسسة متحف السينما الوطنية، المشغولة بـ "جمع وحفظ وعرض كل المواد التي ترتبط بوثائق وتاريخ وثقافة وتقنيات وصناعة السينما والتصوير".

القدر لم يمهل ماريا أدريانا حتى ترى المتحف، فبالرغم من استمرار مؤسستها لعقود داخل مبنى منحته إياها بلدية تورينو، إلا أنها قد توفيت عام 1991 دون أن يصبح حلم المتحف السينمائي حقيقة. قبل أن تُعاد الفكرة للأذهان، وتقرر بلدية تورينو الاستجابة لضغوط السينمائيين، وتخصيص أحد أهم وأكبر مباني المدينة "مول أنطونيليانا Mole Antonelliana" ليكون مقرًا للمتحف.

عندما نقول "مول" لا نقصد المجمع التجاري Mall، بل كلمة Mole الإيطالية وتعني المبنى ذي الخصائص التي تجعل منه معلمًا أثريًا. ومبني مول أنطونيليانا هو بالطبع أحد هذه المعالم، بارتفاعه الضخم البالغ 167 مترًا، وتصميمه الفريد الذي يجعل منه تحفة معمارية بغض النظر عن محتواه. المبنى الذي سُمّي تبعًا لمصممه المعماري أليساندرو أنطونيلي موّلته الطائفة اليهودية في تورينو، واستغرق بناءه 26 عامًا بين 1863 و1889، بغرض أن يكون معبدًا يهوديًا، لكنه لم يستخدم لهذا الغرض أبدًا.

السبب المعلن لعدم الاستخدام كان نقص الموارد المالية، بينما حقيقة الأمر – بناء على تفسير بعض كبار العاملين في المتحف نفسه – أن أبناء الطائفة اليهودية لم يفتقروا أبدًا للأموال اللازمة لإتمام مبنى بهذه القيمة، لكن السبب الرئيسي كان ارتفاع المبنى الشاهق والذي يجعله أعلى من كافة الكنائس الإيطالية، الأمر المرفوض من قبل الثقافة الشعبية – والحكومية بطبيعة الحال – في إيطاليا مركز العالم الكاثوليكي، مما جعل المبنى يظل أغلب تاريخه بلا استخدام فعلي، فيما عدا الفترة بين 1908 و1938 التي استخدم خلالها كمقر لمتحف الوحدة الإيطالية "Risorgimento"، قبل أن يتعرض لتدمير خلال الحرب العالمية الثانية، تبعته فترات طويلة من الترميمات، لينتهي الإغلاق في عام 2000 بالافتتاح الرسمي لمتحف السينما الوطني.

وكأن السينما هي الحل للاحتقان الديني، فبدلًا من كون المبنى تعبيرًا عن صراع المباهاة بين المسيحية واليهودية، صار قبلة لكل محبي السينما من كل مكان في العالم، ويسجل معدل زيارات سنوي بلغ 674 ألف زائر خلال عام 2019، العام الأخير قبل الجائحة.

التاريخ والحفريات والجائحة

يبدأ زائر المتحف رحلته بقسم يحمل عنوان "حفريات السينما Cinema Archeology"، وهو أحد أكبر المعارض المتخصصة في تاريخ الصور المتحركة في العالم. بل إنه القسم الذي يفخر المتحف بتفوق مقتنياته على نظيرتها في السينماتِك الفرنسي العريق. القسم يتناول تاريخ فكرة الصور المتحركة عبر العصور، بدءًا من فنون يدوية بسيطة مثل خيال الظل، مرورًا بالمحاولات المستمرة لخلق الإيهام بالحركة، وصولًا لاختراع الفانوس السحري الذي كان أول نموذج مبسط للفكرة التي ستصير لاحقًا كاميرا السينما وآلة عرضها.

يملك المتحف مجموعة هائلة من المعدات القديمة والنماذج التاريخية، يعرضها في صورة قصة يكتشف الزائر من خلالها تطور هذا المفهوم عبر التاريخ، ويشاهد التقدم التقني الذي شهدته آلات التصوير بوتيرة سريعة خلال القرن التاسع عشر حتى تمكن الأخوان لوميير من تنظيم أول عرض جماهيري لأفلامهما القصيرة عشية 28 ديسمبر 1985 في مقهى "جران كافيه" بمدينة ليون الفرنسية.

الجائحة كان لها بعض الأثر السلبي في تجربة زيارة هذا الجزء من المتحف، في ظل تسبب التدابير الصحية في منع بعض الأنشطة التي يتيحها المتحف في الظرف الطبيعية كمطالعة آلات التصوير واختبار الصورة من مُطالع الرؤية الخاص بها، ومشاهدة الفروق بين تأثير اختيار العدسات المختلفة على النتيجة النهائية للصورة، لكن المتحف يتيح في المقابل صالة عرض صغيرة تعرض بشكل مستمر نماذجًا لبعض الأفلام الأولى في تاريخ السينما.

في المساحة نفسها، وفي انتقال ضخم بين الماضي والحاضر والمستقبل، يخصص المتحف غرفة للسينما التفاعلية، يمكن للزوار خلالها ارتداء النظارات المتخصصة والاستمتاع بتجربة الفيلم التفاعلي، أحدث الاختراعات في عالم الفن السابع والذي يتوقع المتابعون له المزيد من التطور والانتشار السريع خلال الأعوام المقبلة.

التطور ومسار الأفلام

يبدأ بعد ذلك القسم الخاص بتطور تاريخ السينما في إيطاليا والعالم، والذي يعرضه متحف تورينو في شكل اختيار مجموعة من أهم الأفلام في تاريخ السينما، وإعادة بناء أحد مواقع أحداثها الشهيرة، لتنتقل من مكان شهد مشهدًا من "الأب الروحي" لفرانسيس فورد كوبولا لآخر مأخوذ من سينما أسطورة الأفلام الشعبية داريو أرخنتو لثالث من أفلام الويسترن وعوالم الغرب الشرس، إلى أخذ مكانك في الرحلة الفضائية الأشهر في "2001: أوديسا الفضاء" لستانلي كوبريك.

يخصص المتحف أيضًا غرفًا مخصصة لأفلام النوع، فيجد الزائر نفسه داخل أحد أفلام الرعب وأحد الأفلام السوريالية، بل ويدخل إلى القاعة المخصصة لأفلام التحريك عبر كسر في الباب على هيئة كويوتي بطل السلسلة الشهيرة "رود رانر Road Runner"، مطابق لما اعتادت الشخصية التعرض له خلال المطاردات عندما يصطدم بباب الغرفة وينفذ من خلاله تاركًا كسرًا يماثل شكل جسده.

المتحف يعرض أيضًا نماذجًا أصلية لبعض القطع الخالدة في تاريخ السينما، كأوجه شخصيات أفلام "حرب النجوم"، وكذلك القناع المستخدم في فيلم "فرانكنشتاين"، وغيرها. مع إتاحة أماكن مخصصة لالتقاط الصور التذكارية التي يصير الزائر فيها جزءًا من تاريخ الأفلام التي صاغت مسار الفن السابع. يتضمن هذا القسم أيضًا قاعة عرض مفتوحة يمكن فيها الاستلقاء على مقاعد مريحة ومشاهدة مجموعة منتقاة من المشاهد التاريخية، يتم تغييرها دوريًا بما يُمثل أحد المجموعات المؤقتة للمتحف، على عكس الجزء السابق الذي يعد عرضًا دائمًا لا يتغير من زيارة لأخرى.

خطوات الصناعة ومعرض الصور

الخطوة التالية في زيارة المتحف هي الاطلاع على مراحل صناعة الفيلم السينمائي كلها، عبر غرف متتالية خُصصت كل غرفة منها لإحدى المراحل: السيناريو، الإنتاج، التصوير، الإخراج، الصوت، المونتاج، المؤثرات الخاصة، وغيرها وصولًا للتوزيع والترويج وحتى المهرجانات بسجادتها الحمراء، والتي يخصص المتحف لها جزءًا يمكن للزوار التقاط الصور عليه وكأنهم يسيرون مع النجوم على سجادة المتحف الحمراء.

ثم يأتي الدور على الجزء المخصص للمعرض المؤقت في المتحف، وهو عبارة عن مسار حلزوني صاعد مفتوح، يمكن من خلاله الاستمتاع بالمعمار المدهش لمول أنطونيليانا، بينما تحمل الحوائط على الجانب الآخر مجموعة نادرة من الصور عالية الجودة لأهم النجوم في تاريخ السينما الإيطالية مع نبذة عن كل منهم. المحتوى الذي أكدت فيرونيكا جيراتشي، مدير المكتب الإعلامي للمتحف والمهرجان، إنه يتغير باستمرار لمنح محبي السينما فرصة تكرار زيارة المتحف مع الاستمتاع بالمزيد من المعروضات، لا سيما وأن مساحة المتحف – رغم اتساعها – تظل أضيق بكثير من التمكن من عرض كافية المقتنيات.

متحف تورينو الوطني للسينما يمتلك أكثر من 20 ألف معدة سينمائية، 80 ألف صورة، 300 ألف ملصق، 12 ألف بكرة فيلم، 26 ألف كتاب، وذلك وفقًا للأرقام المعلنة عام 2006، والتي زادت بطبيعة الحال في يومنا هذا.

ثلاث ساعات تقريبًا تطلبها مجرد القيام بجولة كاملة في المتحف، جولة تفتقر للمزيد من التدقيق والقراءة والاستمتاع بكل التفاصيل، ناهيك عن زيارة المكتبة ومطالعة الأرشيف. الجولة اكتملت بلقائي عابرين مع رئيس المتحف إنزو جيجو ومديره دومينيكو دي جايتانو قامت بترتيبهما مديرة المركز الإعلامي، في رغبة واضحة من الإدارة أن تصل رسالة المتحف إلى القراء في العالم العربي. رغبة واهتمام وترحيب حملا الكثير من أسباب الامتنان والتقدير، والأكثر من أسباب الحسرة لأن السينما المصرية بكل تاريخها لا تمتلك ولو غرفة متحفية واحدة لتوثيق تاريخها الحافل.

لا يفوتك: #شرطة_الموضة: تعرف على الأفضل والأسوأ في إطلالات الفنانات بحفل افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي ال43

اقرأ أيضا:
هيفاء وهبي تحتفل بعيد ميلاد شقيقتها (صور)

أحدهم من نجوم قناة "طيور الجنة" ... تعرف على مطربي النشيد الوطني المجمع بافتتاح "كأس العرب"

أحمد داش يصطحب والدته ودرة تخطف الأنظار ... حضور كبير للنجوم في عرض فيلم "أبو صدام" بالقاهرة السينمائي

محمود عبد المغني: بحب ميسي بس صلاح كان أقرب للكرة الذهبية

حمل آبلكيشن FilFan ... و(عيش وسط النجوم)

جوجل بلاي| https://bit.ly/3c7eHNk

آب ستور| https://apple.co/3cc0hvm

هواوي آب جاليري| https://bit.ly/3wSqoRC