الموسيقى أذواق وأشواق. وقبل أن تكون علما وفنا فهي ترفيه. شيء يُمكن أن يُغير نفسية المتلقي. فهي إحساس قبل أي شيء. فإما أن تحبها أو لا تحبها. إما أن تُعيد سماعها أو تنساها. وهذا حق كل مستمع. ولأنها أذواق فهي بحر واسع لابد أن يشمل كل هذه الأذواق.
أصدر مؤخرا المغني العالمي عمرو دياب أغنيته الأولى من ألبومه القادم "عيشني" وقد حملت عنوان "حلو التغيير". وهي من كلمات الشاعر تامر حسين وألحان الشاعر والملحن عزيز الشافعي و توزيع توما وميكساج وديجيتال ماستر مهندس الصوت أمير محروس.
نرشح لك: عمرو دياب يتصدر تريند يوتيوب بعد طرح برومو "حلو التغيير"
الكلمات :
يُمكن الحكم على جودة الكلمات في الشعر الغنائي الحديث، خصوصا في شعرية الغزل والحب، بمعايير من بينها سلاسة الجمل وتركيبها، جمالية الصور الشعرية وكذلك تميُّز مايمكن تسميته بال"إيفيه" أو التعبير الذي يعلق بالذاكرة ويضاف إلى القاموس الشعبي؛ بحيث ما إن تذكره حتى تتذكر الأغنية نفسها وكأن هذه الكلمات لم يكن لها وجود في السابق (وهنا يتجلى كذلك مبدأ السهل الممتنع). وهذا ما نجح فيه الشاعر ذو ال56 تعاونا مع الهضبة. فمن يركز في التركيب يجد أن الجمل تتناسب مع بعضها وكأنها جاءت دفعة واحدة في ساعة إلهام مجيدة. فكثيرا ما نعيب على الشاعر الحشو في الجمل والتكلف في القوافي وثقل التراكيب؛ بل أحيانا يجد الشاعر نفسه عبدا لإيفيه جذاب يجمع حوله جملا دون أي تناسق.
كلمات تامر حسين مع عمرو دياب تحمل أحيانا إزدواجية في المعنى وهذا لاحظناه مثلا في "حبايب إيه" أو "ساعة الفراق" فهي تخص العلاقة بين حبيبين لكن في نفس الوقت قد تجد معنى عاما عن العلاقات الإنسانية. هنا الأمر مختلف. فبعيدا عن الجمال المتجدد للحبيبة ورغبتها في تغيير مظهرها، وهو موضوع معاصر في زمن اللوك والأنستجرام والسيلفي والاهتمام الزائد بالظهور بأحسن صورة (ذكر "التصوير" ربما بمعنييه كصورة خلقية وكصورة فوتوغرافية)، فإن فكرة التغيير هي لمحة عن فن عمرو دياب نفسه؛ المحب للتغيير والتجديد الموسيقي في كل شيء. تغيير لدرجة الجرأة. وهي ازدواجية نجدها في عناوين كثيرة في الآونة الأخيرة لعمرو دياب تصف مكانته : "أحلى وأحلى"، "معدي الناس"، "أنا غير".
اللحن :
كثيرا ما نسمع أن ألحان عزيز الشافعي كلها "مقسوم". ولو جربت عزيزي القارئ إدخال عبارة "لحن مقسوم" لجوجل نفسه قد يُعبر ساخرا من غرابة هذه الفكرة التي انتشرت. منذ متى كان للحن تأثير على التوزيع؟ فكم من لحن غارق في التطريب وُضع في أغان بتوزيعات غربية، بل وكم من أغنية بنفس اللحن وُزعت على المقسوم وأُعيد نشرها بريميكس جديد على شكل موسيقى EDM (ك"يتعلموا" و"يوم تلات" مثلا). ولنا في "اتقل مثال حديث. بحيث كان توزيعها بموسيقى إلكترونية راقصة، وتم غناؤها في الحفلة على إيقاع المقسوم. فقبل أن نتساءل عن هذه الصدفة التي تحدُث مع عزيز الشافعي، يجب أن نكون واقعيين و نعترف أن نجاحات صيف 2021، كانت أغلبها على إيقاع المقسوم وموسيقى "الشرقي". وأن صانع أغلب هذه النجاحات كان الملحن عزيز الشافعي، مع محمد حماقي و أنغام و واما.
كما صرح عزيز الشافعي مؤخرا في أحد البرامج، فإن صوت عمرو دياب يزين اللحن ويعطيه قوة أكبر وهذا ما لاحظناه جليا في أغنية "حلو التغيير" بحيث ينتقل بين الطبقات الصوتية بكل أريحية وبمهارة عالية بين القرار والجواب. وكأننا نسمع ديو بين اثنين.
التوزيع :
للموزع توما لمسة خاصة في المقسوم العصري ظهرت في نجاحات سابقة وعلى رأسها "بالبنط العريض" لحسين الجسمي. فقد صار للمقسوم صوت خاص وgroove مميز.
في هذه الأغنية نفذ إيقاعه بمشاركة الطبلة والدرامز المبرمج والجيتار الإيقاعي بل وأضاف خط باص جيتار ملفتا وهو ما سمعناه في الأنترو مثلا. ميزة أخرى هي الصولو المفاجئ. فقد تعودنا في الغالب على تواجد آلات الفواصل خلف الكوبليهات. لكنه هنا وبعد أن اعتمد على الآلات السالفة الذكر بالإضافة لأصوات ومؤثرات إلكترونية للسانث وجيتار بعزف مستوحى من الفانك، يستخدم فجأة آلتي الكلارينيت والبزق في الفاصل بعزف راقص و مبهج. وهذه الفجائية تتناسق مع فجائية طبقات صوت عمرو.
قد يعتبر البعض أن استخدام المقسوم هو هروب إلى القديم. بحيث أن هذا الشكل الموسيقي استهلك في الثمانينات. الواقع أن الهاوس والتكنو يعودان للثمانينات كذلك والترانس للتسعينات. فهل من يستخدمهما يُعتبر متجاوزا فنيا؟ وهناك من يعتبره هروبا نحو السهولة. عمرو دياب نجح بالمقسوم قبل أن يصل لما وصل إليه. وإذا كان لابد من تجديد في أفكار المقسوم وتقديمها للضفة الأخرى بشكل عصري فإن عمرو دياب أولى بذلك من غيره. وهذا ما نراه في ردود المستمع الغربي؛ فهو يتراقص مع الطبلة أكثر من أصوات الإيقاعات الغربية. بل ويبحث في موسيقى فنان مصري وشرقي عن المقسوم والموسيقى الأوريونتال (كما يسمونها) أكثر من نوع آخر، كما يبحثون عند فنان من أمريكا اللاتينية عن الموسيقى اللاتن.
أخيرا :
لأول مرة أتبنى عنوانا من هذه النوعية بحيث يكون عكس المقصود. لاجديد في أغنية عمرو دياب : نفس الاهتمام بالتفاصيل ونفس المواكبة للمستجدات ونفس التلقين للأجيال الصاعدة من الفنانين، ونفس الإبداع في الغناء.
"حلو التغيير" هي أغنية ضمن ألبوم. وهي من نوعية الأغاني المبهجة أو ما يحب البعض تسميتها بال"خفيفة" والتي تشكل فاصلا راقصا و منعشا بين الأغاني الأخرى. وهو الدور الذي لعبته "خذ قلبي معاه" في "ليلي نهاري" و "حبيبتي" في "أحلى وأحلى" و "طبل" في "يا أنا يا لا" واللائحة تطول.