من وإلى مير: التاريخ بعيدًا عن مناهج الدراسات الاجتماعية

تاريخ النشر: الثلاثاء، 29 يونيو، 2021 | آخر تحديث: الثلاثاء، 29 يونيو، 2021
فيلم من وإلى مير

مخرجة تبحث عن جذورها وتعود إلى قريتها، يبدو الموضوع شخصي جدًا بحثًا في التاريخ العائلي لصانعة الفيلم ماجي مرجان، حالة من التوجيه لذاتية التجربة، تلك الحالة التي يتم كسرها بعد ذلك، تطرح ماجي أسئلة عبر تعليق بصوتها، أسئلة خاصة بالرحيل والمغادرة، حالات السفر والغياب، هجر مكان لسبب ما، أسئلة من ذلك النوع الفلسفي الذي يطرح المشاهد في هوة فلسفية، ويدفعه للشرود، متى نقرر السفر ومتى نقرر العودة؟

بدايات الفيلم تأخذنا نحو أسئلة الهجرة والارتباط بالوطن سواء كانت الهجرة داخلية أو خارجية، مع صورة تعود لعام 2008، عندما قررت خوض التجربة والسفر لاكتشاف بلد أجدادها، فمازال هناك بعض الإرث، بيت وأرض، لكن كان الأهم هم البشر.

نرشح لك-حسام حبيب يكشف المؤامرة في ثلاثة فيديوهات ويهدد بمقاضاة والده ويتوعد نضال الأحمدية

الفيلم الذي تم تصويره في مرحلتين زمنيتين 2008 – 2020 تكشف بهدوء ودون مباشرة التحولات الاجتماعية في إحدى قرى مصر، قرية مير إحدى قرى محافظة أسيوط، والتي ينتمي أغلب ساكنيها إلى المسيحية.

في الجزء الأول من الفيلم تشع البهجة في كافة الشخصيات والأماكن، تبدأ ماجي زيارة البيوت وتحكي انتسابها لعائلة لوزة إحدى العائلات الشهيرة في مير، تجد ترحيبًا من غالبية أهل القرية.

الشخصيات تخطف الكاميرا
أثناء بحث ماجي مرجان عن أصول عائلته، تنحاز ماجي لأسرة عبد التواب صالح أولاده الثلاثة الأطفال، وعبد التواب وزوجته، تصبح الأسرة المسار الجاذب، يمتاز الصبيان روماني وكيرولس بخفة دم فطرية، الأطفال الصغار يملكون حكمة الحياة برغم صغر عمرهم، لكن الحياة تنحت نفسها في كلماتهم، لا يحلم كيرولس بمستقبل مختلف، كل ما يحلم به أن يجد اى عمل عندما يكبر، أما روماني فلم يجد في انتحار الشباب في قريتهم حكمة، بل يجدها قلة عقل أو نوع من العبط.

سعيًا في مسار البحث عن الجذور والتعرف على قرية مير، ترصد مرجان القصور الموجودة في مير، وتعرف ببعض العائلات فنعرف أن عائلة بهمن منبتها مير، وقد باع دكتور بيهمن إرثه في مير ليشتري مستشفى تلك المستشفى الشهيرة في حلوان "مستشفى بيهمن للطب النفسي".

أحاديث الكبار غير جاذبة تبدو حكايات بعيدة عن المكان، بينما الناس العدية تعبر عن نفسها، فتقع حادثة انتحار لشنودة الذي يحرق نفسه، ويطرح الفيلم قضايا الانتحار المرتفع بشكل واضح في قرية مير، فنتعرف إلى القمص والذي يقدم نفسه وعائلته التي احتكرت الكهنوت منذ القرن الرابع لكنه لم يكمل مسار عائلته لكنه مغرم بالتاريخ يدون بشكل يدوي في دفاتره كل ما يجري في القرية، ويسجل حالات الانتحار التي جاءت كلها لشباب رجال ونساء ضاقت بهم سبل الحياة فهربوا منها.
المقابلات مع أبناء وأحفاد العائلات الاقطاعية جاءت مثل كل المقابلات التليفزيونية لا تجذب، بينما سرق الأطفال الكاميرا والروح، حتى ماجي التي كانت تصاحب الكاميرا بصوتها وظهورها أحيانا، خفت صوتها وأعطت مساحة اكبر للصبية الذين يجبرون المشاهد على التماهي معهم، هم جزء من المشاهد فتكون أنت من ترى على الشاشة، تضحك حد البكاء.

تنساب الحياة خفيفة جميلة جاذبة برغم بؤسها وما يعانون منه من فقر واحتياج، لكن الرضا يصنع تآلف ومحبة.

فيلم من وإلى مير

الفيلم الذي جاء في 62 دقيقة كان جزءه الأول مبهج، ضجت القاعة بالضحك والبهجة، حيث يتم عرض الفيلم ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان أسوان الدولي لسينما المرأة، صفق الحضور مرات عديدة، اختفت ماجي من الصورة، واختفت حالة البحث عن الجذور في انحياز واضح للشخصيات والناس، وأسرة عبد التواب صالح.
ماجي التي عادت بعد سنوات لتقابل شخصيات فيلمها فاجأها الصمت والخوف، خلت الشوارع من الناس، وحل الخوف في العيون، الكثيرون رفضوا التصوير، وصاحب البهجة المفرطة "روماني" توفي بالتسمسم كما ظهر على الشاشة لكن الجميع امتلأ احساسه بأنه مات منتحرًا، لم يقل الحزن عن حالة البهجة التي كانت في القسم الأول.

كثيرون وأنا بينهم نتوقع أن يحصل الفيلم على إحدى جوائز المهرجان، فالرحلة البسيطة لزيارة مسقط رأس العائلة كشفت عن الكثير، أحوال اجتماعية واقتصادية، مظاهر العمران، ضعف البشر خوفهم وقلقهم.

مادة ثرية لكتابة التاريخ، توثيق لا يقبل التشكيك، حيث الصورة تحبس الحدث داخل كادراتها، الناس تحكي في بساطة، وتصمت في خوف.

الأفلام الوثائقية كنز هام، أدوات توثيق وحفظ للذاكرة، أيا كان موضوع الفيلم ستجد مسارات درامية وحكايات ثرية، سترى أماكن وبشر، ستتعرف على ملابس وعادات، ملامح مصرية خالصة، أهمية الأفلام الوثائقية ليست فقط في صناعة فن، ولكن أهميتها أبعد من ذلك إنها تحفظ التاريخ، بما يجعلنا نفكر أن الأمر بحاجة لخطة قومية لأفلام وثائقية تتحرى المكان والبشر والعادات والتقاليد.

صورة نرجع إليها، نحلل ونعيد القراءة، نستند إليها في حفر انتماء ووعي حقيقي، ما فعلته ماجي مرجان ببحث عن جذور عائلتها أنها صنعت انتماء لكل مشاهد نحو مير التي لا ينتمي لها بالضرورة لكل مشاهد.

فيلم "من وإلى مير" الذي أضحك وأبكى المشاهدين هل سيحصل على جائزة من مهرجان أسوان الدولي لسينما المرأة في دورته الخامسة في حفل ختامه الليلة؟
سؤال يتردد في عقل كل من شاهد الفيلم ساعات قبل أن نعرف الإجابة.

فيلم من وإلى مير

لا يفوتك... ما هي إقامة دبـي الذهبية؟... تعرف على قائمة الحاصلين عليها

اقرأ أيضا:

عمرو دياب يواسي نجيب ساويرس لوفاة والده

نضال الأحمدية: أشعر أن تصريحات شيرين عبد الوهاب محذوف منها أجزاء.. ولدي تسجيلات أخرى

أنغام تساند شيرين عبد الوهاب: بنت الأصول

من المالديف إلى تنزانيا والمكسيك .. إجازات النجوم الصيفية تقاليع غريبة ومشاهد جريئة