لا شك أن المنافسة بين الكبار كانت على أشدها في موسم رمضان الدرامي الفائت بحلوه ومره، وقد تحدثت في مقال سابق عن هذا المر ممثلا في آفات لم يتم التخلص منها بعد كالمط والتطويل والكليشيهات والمباشرة وتكرار الأفكار وسرقتها، ولكن هذا لم يمنع وجود الكثير من الحلو أيضا، ولم أجد أحلى من كوكبة الوجوه الجديدة والشابة التي ظهرت ولمعت في هذا الموسم، بجانب الممثلين الكبار الذين غامروا بتغيير جلدهم تماما ليصنعوا لأنفسهم بداية جديدة بعيدا عن التصنيفات والقوالب الجاهزة.
كان الممثل الشاب آدم الشرقاوي هو أول من بحثت عن اسمه بعد أن شدني أداؤه الواثق وحضوره الكبير الذي أدّى به شخصية "زياد – بيج زي" في مسلسل "لعبة نيوتن". وفي المسلسل نفسه وكعادة المخرج تامر محسن تألق معه كذلك من الوجوه الشابة بملامحها البريئة وموهبتها القوية مايان السيد في شخصية "يارا" شقيقة "هنا"، ورغم أنه ليس الظهور الأول لها، ولا الوحيد لها في أعمال هذا العام، ولكنه ربما يكون الظهور الأبرز لقدرة تامر محسن على إظهار ممثليه دائما في أحسن حالاتهم. ومن الوجوه الشابة التي تألقت أيضا في "لعبة نيوتن" أسامة الهادي في شخصية "شامبا" النحال مساعد "حازم".
أما مسلسل "نجيب زاهي زركش" فامتلأ بالوجوه الشابة والجديدة التي تألقت بشدة رغم وهج والحضور الطاغي للكبير يحيى الفخراني مع مفاجأة رمضان محمد محمود والجميلة المتألقة أنوشكا، ومن أبرز هذه الوجوه رنا رئيس ذات الوجه الملائكي التي تثبت أنها على الطريق الصحيح بتنوع الأدوار التي تقدمها وآخرها دورا هذا العام المختلفان شكلا وموضوعا وهما دور "نانسي" الرقيقة الطيبة ابنة "شيرين زاهي زركش"، و"شهد" ضحية العنف التي يدور حولها مسلسل "ضل راجل".
وممن تألقوا في "نجيب زركش" كذلك هالة مرزوق التي تذكرت على الفور مشاهدتي وإعجابي السابق بها في مسرحية "سينما مصر" لخالد جلال في مركز الإبداع، وبأدائها للشاعرة مستقلة الرأي الصريحة "سحر" تؤكد هالة مرزوق أنها في طريقها لنجومية مقبلة بهذا الأداء الكبير.
بجانب عصام توفيق، وهو اسم يظهر دوما في أعمال يحيى الفخراني مع المؤلف عبد الرحيم كمال والمخرج شادي الفخراني منذ "شيخ العرب همام" مرورا بـ"دهشة" و"ونوس" غيرها، وتألق من قبل في دور المدرس الذي علم "الخواجة عبد القادر" اللغة العربية، وها هو من جديد يثبت قدراته الكبيرة من خلال دور "رجب" الشاعر المفلس دائما.
جلا هشام، اسم يتكرر في ثلاثة أعمال بثلاثة أدوار مختلفة تماما، أدتها جميعا بثقة كبيرة جدا، لتثبت أيضا أنها على طريق النجومية، وأدوارها كانت: "نهى" المعتزة بنفسها ابنة "صابر" عامل البوفيه التي تتزوج "مؤنس" ابن "شيرين في "نجيب زاهي زركش"، و"ياسمين" التي يحبها "هشام" زوج "زيزي" في "خلي بالك من زيزي"، بجانب شخصية "ماري" الأجنبية في مسلسل "موسى".
مسلسل "الطاووس" كان منبعا هو الآخر للوجوه الجديدة التي تألقت بشدة بجانب الكبار جمال سليمان وسميحة أيوب وأحمد فؤاد سليم والبطلة سهر الصايغ، ومن هؤلاء الشباب يوسف الأسدي الذي يجسد بعفوية شخصية "توفيق العزب"، المحامي الإقليمي الشاب مساعد المحامي "كمال الأسطول". وكذلك تألق معه من الشباب الذين قدمهم المخرج رؤوف عبد العزيز في "الطاووس" ريم المصري وشيريهان الشاذلي ومينا نبيل وجورج أشرف.
غادة طلعت، لفتت إليها الأنظار بقوة رغم صغر حجم دورها وعدد مشاهدها القليل في مسلسل "الاختيار 2" ولكنها كانت كافية جدا لتقول إننا أمام ممثلة سيعلو شأنها في السنوات المقبلة.
المتجددون
أما الفاكهة الحقيقية في هذا الموسم فكان الكبار الذين نجحوا في تغيير جلدهم بالكامل وقدموا شخصيات لم يكن أحد ليتصور أنهم قادرون على أدائها لولا ثقة المخرجين في قدراتهم الكبيرة، وعلى رأس هؤلاء نجوم الكوميديا الذي خلعوا عباءتها على باب المسلسلات التي شاركوا فيها بأدوار صعبة ومركبة، وأبرزهم محمد ثروت ومحمود الليثي في "بين السما والأرض"، وياسر الطوبجي في "لحم غزال"، فثروت والليثي أثبتا للمخرج المتميز محمد العدل أنه كان على حق حين راهن عليهما في شخصيتي المضرب نفسيا، والمطرب الذي تتغير نظرته للحياة، فأربحاه الرهان وفتحا لنفسيهما مجالا واسعا بعيدا عن الأعمال الكوميدية الفاقدة لبريقها في الفترة الأخيرة. والأمر نفسه ينطبق على ياسر الطوبجي الذي قدم شخصية في غاية الصعوبة وبعيدة كل البعد عما اعتدنا رؤيته فيه من أدوار كوميدية خفيفة، فقدّم في "لحم غزال" شخصية الزوج والأب الذي يمكن أن يفعل أي شيء جريا وراء نزواته. وبمشهد واحد في "نجيب زاهي زركش" أثبت أنه ممثل من طراز فريد يستحق فرصا جديدة بعيدا عن ما اعتدنا رؤيته فيه.
الخروج عن التنميط كان عنوانا أيضا لتألق عائشة بن أحمد في "لعبة نيوتن" بدور "أمينة" المعقد والصعب والذي كان يحتاج إلى حساسية شديدة في التعامل معه. وفي رأيي أن عائشة رغم تنوع الأدوار التي قدمتها في الأعمال المصرية حتى الآن ومنها أدوار مهمة كدورها في فيلم "توأم روحي"، وفي مسلسلات مثل "السهام المارقة" و"نسر الصعيد"، فإنها مازالت تحتاج إلى ثقة أكبر من المخرجين المصريين في قدراتها فما زال لديها الكثير لتقدمه كما تفعل في الأفلام والمسلسلات التونسية وآخرها دورها المهم جدا والمتميز هذا العام في مسلسل "حرقة" مع المخرج الأسعد الوسلاتي.
كثيرون أشادوا بصبري فواز لتألقه في أربعة مسلسلات، وهي "قصر النيل"، "موسى"، "ولاد ناس"، و"خلي بالك من زيزي". وعلى العكس لم يفاجئني صبري بهذا التألق لأنني أراه الطبيعي والمتوقع منه، وهو الذي وصل إلى درجة من النضج والتمكن تجعله لا يحتاج حتى إلى "ماكياج" مميز أو ملابس مختلفة لنميز دوره في هذا المسلسل عن ذاك، حتى وإن تشابه الزمن أو تشابهت خلفيات الشخصيات الطبقية، وإنما تكفي طلة الشخصية على الشاشة لنعرف أن من على الشاشة هو "منصور السيوفي" أو "شهاب باشا" أو "عيسى" أو "الدكتور سامي".
أداء عظيم قدمه الممثل القدير حمدي الوزير في مسلسل "موسى" وكأنه يقول لكل المخرجين والمنتجين إنه لديه الكثير جدا ليقدمه بعيدا عن تنميطه في شخصية هزلية لو علم أنهم لن يخرجوه منها لما قدمها أصلا.
بعيدا عن الحوار المكرر والأحداث البطيئة فإن الدور الذي قدمته نيرمين الفقي في مسلسل "ضل راجل" يضعها في منطقة جديدة عليها تماما كممثلة ناضجة تتمتع بخبرة كبيرة على الشاشة، وهو ما يجعل دورها في "النمر" أكثر بساطة على الرغم من أنه قد يكون أكثر أهمية في أحداث المسلسل.
تألق مفيد عاشور في كل الأدوار التي قام بها هذا الموسم رغم تنوعها الشديد وهي دور العمدة في "موسى" والدكتور ناير في "نجيب زاهي زركش" وشندي في "خلي بالك من زيزي" يضعه بقوة على خريطة الدراما في الفترة المقبلة.
نهى عابدين تثبت لي عاما بعد عام ودورا بعد دور أنها نجمة حقيقية تستحق أدوارا أكبر بكثير مما تحصل عليه فهي تنير أي منطقة درامية تدخلها، ورغم صغر حجم دورها النسبي في "نجيب زاهي زركش" فإن طلتها كانت مبهجة في كل مرة تظهر فيها وحضورها كان طاغيا لطزاجة الشخصية بالنسبة لها، وربما لهذا السبب أحببتها في شخصية "ليالي" أكثر من "نيللي" في "خلي بالك من زيزي" رغم أن مساحة دور الأخيرة أكبر بكثير.
كوتيشن
لم أجد أحلى من كوكبة الوجوه الجديدة والشابة التي ظهرت ولمعت في هذا الموسم، بجانب الممثلين الكبار الذين غامروا بتغيير جلدهم تماما ليصنعوا لأنفسهم بداية جديدة بعيدا عن التصنيفات والقوالب الجاهزة