الخط الواصل من "نجيب" عبد الرحيم إلى "موسى" عبد الرحمن

تاريخ النشر: الخميس، 22 أبريل، 2021 | آخر تحديث: الخميس، 22 أبريل، 2021
صورة من "موسى"

عبد الرحيم كمال، وناصر عبد الرحمن.. اسمان كفيلان بإعطاء أي عمل درامي صك الجودة، على الأقل فيما يتعلق بالجانب الإبداعي الذي يخصهما وهو الكتابة، ولأن الإنتاج في أعمالهما هذا العام كان سخيا إلى حد كبير، والإخراج ذهب إلى مبدعين من عينتهما، كانت المسلسلات التي حملت اسميهما من بين الأفضل بجدارة في الأسبوع الأول من هذا الموسم الرمضاني الدرامي المحتدم. مع استثناء دراما المواجهة وإخراجها من المقارنة لما تستحقه من تسليط الضوء عليها منفردة، ومع الوضع في الاعتبار أن لعبد الرحيم كمال بصمة أخرى فيها من خلال مسلسله "القاهرة – كابول".


وربما لا يعرف الكثيرون أن مشوارا شاقا وطويلا وصداقة عمرها يتخطى الثلاثين عاما تجمع بين كاتبي السيناريو الكبيرين ناصر عبد الرحمن وعبد الرحيم كمال، من قبل حتى أن يخطوا خطواتهما الأولى في عالم الفن، ولكن ليس هذا هو السبب الوحيد الذي جعلني أجمع بينهما في هذا المقال.

السبب الثاني هو أن ناصر عبد الرحمن هو مؤلف مسلسل "موسى" لمحمد رمضان والذي أعتبره من أفضل الأعمال في هذا الموسم الدرامي في حلقاته الأولى، وقبل عامين تقريبا تفاءل الكثيرون خيرا –وأنا منهم- من لجوء محمد رمضان إلى سيناريست كبير هو عبد الرحيم كمال ليكتب له مسلسل "زلزال"، ولكن لم تمر حلقة ثم الأخرى حتى فوجئ الكثيرون –وأنا منهم أيضا- بأن هذا النص لا يليق أبدا باسم عبد الرحيم كمال صاحب الرحايا والخواجة عبد القادر وشيخ العرب همام ودهشة وغيرها من الأعمال المهمة، ولم يطل الاندهاش فقد أصدر كمال بيانا يتبرأ فيه من المسلسل مشيرًا إلى أن المخرج أدخل تعديلات على النص، وحذف شخصيات وأضاف أخرى دون الرجوع إليه.

وقتها كتبت أن من يلجأ للكبير ليس عليه إلا احترامه ليكبر معه، وها هو محمد رمضان يبدو أنه قد استوعب الدرس جيدا هذا العام، فقرر احترام نص الكبير الآخر ناصر عبد الرحمن فكانت النتيجة مغايرة تماما على كافة المستويات، فالمسلسل حتى الآن وبعد أسبوع تقريبا من بدايته أعتبره الأفضل بين كل ما قدمه رمضان منذ بدأ بطولاته التليفزيونية، حتى وإن بدا أن الخط الرئيسي للمسلسل يتماس مع عديد القصص المشهورة التي اكتست بالطابع الشعبي كأدهم الشرقاوي وخُط الصعيد وغيرها من قصص المطاريد والأبطال الشعبيين كعلي الزيبق، لكن البوتقة التي صهر فيها عبد الرحمن حدوتة "موسى" لا شك أنها تخصه وحده، فهو ليس غريبا عن هذا المجتمع الصعيدي الذي يتحدث عنه، بل كان شاهدا عليه من أبنائه الذين عاش وسطهم في حي روض الفرج، فتربى على أساطيره وخبر تفاصيله جيدا، فلم يكن غريبا إذن أن تكون جمله الحوارية وكأنها منحوتة من حجارة جبال الصعيد القاسية.

وإن كان محمد رمضان قد استفاد من تجربته السابقة مع عبد الرحيم كمال وإن لم يكرر التعاون معه، فعلى النقيض تماما يستفيد النجم الكبير يحيى الفخراني دوما من تكرار تعامله مع عبد الرحيم كمال، فها هو العمل الخامس يجمعهما معا، بعد استراحة ابتعد فيها الفخراني عن شريكي نجاح أغلب أعماله الأخيرة وهما عبد الرحيم كمال، والمخرج شادي الفخراني، وهي الاستراحة التي كلفته عدم وصول مسلسله الأخير "بالحجم العائلي" لمقدار النجاح الذي اعتاد تحقيقه مع الثنائي العائد إليه.

ومن أجل هذا النجاح المستهدف يلجأ يحيى الفخراني وعبد الرحيم كمال لمعادلة نجحت من قبل مرتين وهي إعادة تقديم صياغة جديدة لعمل قديم، الأولى كانت من خلال مسلسل "دهشة" المأخوذ عن مسرحية "الملك لير" لشكسبير، والأخرى كانت معالجة جديدة لـ"فاوست" من خلال مسلسلهما "ونوس".

وهذا الاقتباس هو السبب الثالث الذي جعلني أجمع في الحديث بين عبد الرحيم كمال وناصر عبد الرحمن، فكما قلت إن ناصر تأثر بالكثير من القصص والأساطير الشعبية في "موسى"، وفي "نجيب زهي شركس" يظهر تأثر عبد الرحيم كمال الشديد بمسرحية «فيلومينا مارتورانو» للكاتب الإيطالي الشهير إدواردو دى فيليبو والتي قُدمت في فيلم أرجنتيني بالاسم نفسه سنة 1950، وأعيد تقديمها في الفيلم الإيطالي الشهير "الزواج على الطريقة الإيطالية" 1964، بطولة صوفيا لورين، بل قدمها الفخراني نفسه من قبل في مسرحية "جوازة طلياني" في 1998، وهي تحكي عن فتاة من قاع المدينة يضطرها الفقر الشديد إلى الرذيلة رغم أنها من داخلها ترفضها تماما، وتؤمن بالأمومة‏ التي ومن أجلها تعيش شبه خادمة لوجيه إيطالي يعيش لملذاته ولا يعترف بأي مسئولية، ولتضطره في النهاية إلى أن يتزوجها تمثل عليه أنها مشرفة على الموت، ولكن بعد الزواج تقفز من فراش المرض الذي لم يكن سوى خديعة لتنتزع لنفسها ولأبنائها الثلاثة حياة وكيانا مشروعا، خاصة أن أحد أبنائها الثلاثة هو ابن لذلك الوجيه لكنها لا تبوح له مطلقا من هو حتى تحافظ على أن يلقى الثلاثة نفس المعاملة ونفس الحقوق‏..‏ التشابه واضح بالطبع بين قصة المسلسل حتى الآن والمسرحية، مع اعتقادي الكامل بأن عبد الرحيم كمال سيرسم لنا -كما اعتاد دوما- عالمه الخاص في الخطوط المستقبلية التي ستبتعد بالتأكيد عن خط المسرحية الرئيسي، ولكن ذلك لا ينفي أنه كان يجب ذكر الاقتباس في تترات المسلسل.

كنت شاهدا على بدايات عبد الرحيم كمال وناصر عبد الرحمن، وها أنا أشهد وصولهما إلى مرحلة جديدة من النضج المصحوب بالنجاح والقيمة التي يضيفانها على الدراما المصرية في السنوات الأخيرة.