أقطع الطريق في زحام شوارع المهندسين. لدي موعد عمل، وعشرات المهام اليومية التي يجب إتمامها في الوقت المناسب، بينما الشوارع أصابتها جلطة مرورية أعلنت عنها صافرات عربات الإسعاف التي لا تعرف من أين أتت ولأين ستذهب.
لم تقدر لسعة البرد وزخات المطر المعتادة في مُستهل فبراير أن توقف هدير السيارات والميكروباصات المتعانقة في لوحة سريالية عبثية، صرت حبيسًا داخل السيارة، واتخذت من زجاج النوافذ المغلقة ساترًا من رصاصات مهرجان بصوت حموبيكا.
اقرأ للكاتب: تفاصيل 30 دقيقة مع ميادة الحناوي: زوجة "عبد الوهاب" تآمرت عليها وبليغ جعلها "كوبري" رسائله لوردة!
عبر أثير الراديو أتى صوت المذيع مبتهجًا: ودلوقتي نسمع أغنية الكينج الجديدة "أنا رايق" من ألبوم "باب الجمال".
يغني الملك :
العمر ان عشته في همك
هيطول وهيحرق دمك
وان عشته بخفة دمك
هيعدي لطيف في دقايق
شكرًا منير .. جئت في الوقت المناسب، وكأنك احتضنتني في لحظة إحباط، ورفعت كل هموم اليوم من فوق كتافي، وهذا يكفي فالواحد منا لا يحتاج من مطربه المفضل سوى أن يجد في صوته مساحة آمنة يختبيء فيها كلما "جت الدنيا عليه".
يأتي صوت منير في لحظات مثل طبطبة ربانية، كقطعة سكر جاءت لتحلي كوب شاي أخضر تجرعته "سادة" لمقاومة الكوليسترول، منير لم يخلف وعده يومًأ، كان الصديق الوفي الذي شاركني عشرات الأحزان والأفراح بصوته، واقتسم معي أرغفة الصبر على مائدة عامرة بالأسئلة المحيرة عن بكرة وامبارح واللي راح واللي جاي.
نرشح لك: أسرار السنوات المجهولة في حياة محمد منير .. "الرماح" و"القديس" في شوارع وسط البلد
صحيح أن منير يعود الأن ملتزمًا بقوانين العصر، كأن يقدم المطرب أغاني ألبومه بالتقسيط، بدلًا من قواعد اللعبة القديمة عندما كانت الأغاني تأتينا "كاش" على دفعة واحدة في علبة سحرية تضم ثماني أو عشر أغنيات، والدفع مقدمًا، والمحبة هات وخد، لا مجال لوسيط رقمي، ولا نافذة في حجم شاشة تليفون، لا تعرف من يعبث بأرقامها الحقيقية فيطوي صفحة "تريند" ويفتح أخرى في دقائق.
عاد منير يافعًا مبتسمًا وكأنه غادر بيوت الحزن التي سكناها معه بعد وعكته الصحية الأخيرة، والأهم أنه عاد مخبئًا في كلمات أغنيته بنود تعاقدنا القديم، والذي ينص بين سطوره أن يظل صوته منتجًا لمخزوننا الاستراتيجي من الأمل والقدرة على القفز فوق حواجز الأيام، وأفخاخها التي لا ترحم.
يغني منير :
بمزاجي .. وشروطي
اتسلطن اغني بصوتي
او اهيم واسرح فسكوتي
او انام او اجري واسابق
كم مرة حاولت أن تسرق من الحياة لحظة انبساط بكل مافيها من عبث وطفولة، لحظة براح تفرض فيها شروطك، تصمت دون يسألك أحدهم : بتفكر في إيه؟
أن تقف في "بلكونة" بيتكم وتغني بصوت عالي مستعرضًا عضلات صوتك الضامرة بحشرجاتها ونشازاتها دون أن يلقي جارك أقرب "قصيص" زرع فوق دماغك؟
أن تعيش باشا تواجه الدنيا الغشاشة بكل بشاشة وأنت تعلم كم هي بكاشة، لا تستحق كل هذه المعاناة.
شكرًا منير لأنك تصل دائمًا في الوقت المناسب.
اقرأ أيضًا :
نادية لطفي في مذكراتها: سعاد حسني "بلا أظافر" و "كيد النسا" لم يحطم صداقتنا
روجينا عن أشرف صالح: لك دين في رقبتي هسدده ليوم الدين
هيفاء وهبي تصف "فاضي شوية" بملكة جمال الأغاني وحمزة نمرة يعلق