"ما وراء الطبيعة"... أسطورة أحياها أمين وشركاه!

تاريخ النشر: الجمعة، 6 نوفمبر، 2020 | آخر تحديث:
ما وراء الطبيعة

‏أنا الشيخ الفاني الذي تشبه حياته ورقة في شجرة صفصاف إبّان الخريف، الكل ينتظرها كي تسقط، الكل يعرف يقينًا أنّها ‏ستسقط، ‏ناموس الحياة يقول إنها ستسقط، لكنها لم تسقط بعد! والتفسير الوحيد عندي هو أن أجلي لم يحِن بعد"...‏ هذا هو تعريف طبيب أمراض الدم "رفعت إسماعيل" بطل سلسلة روايات "ما وراء الطبيعة" لنفسه.

للمرة الأولى أسمع الكثير من الجمل التي قرأتها على مدار 20 عامًا، على لسان الفنان أحمد أمين الذي يجسد شخصية "رفعت إسماعيل"، واشتد تعجبي حين رأيتني اندمج مع الحلقات وأنهي الموسم الأول مرة ‏واحدة دون ذرة ملل، على عكس المخاوف والمقارانات التي انتشرت عند معرفة قرار تحويل الروايات إلى مسلسل!

‏"أنا ضد التصنيف".. هكذا رد أحمد أمين على رؤية البعض له كممثل كوميدي فقط، مبررًا أنهم لم يتعرفوا على قدراته التمثيلية ‏الأخرى، وحين شاهدت المسلسل تأكدت أننا أمام ممثل من العيار الثقيل، فالفنان الذي يمتلك القدرة على إضحاكك ثم يبكيك بدموعه ‏هو ممثل قدير حقًا، حتى ولو كان لا يزال على بداية الطريق.‏

رأيت مباراة تمثيلية رائعة بين أبطال المسلسل الذين تباروا في إخراج طاقاتهم التمثيلية الكبيرة؛ أمين الذي أقنع الجميع بروح ‏الشخصية يتألق أمام رشدي الشامي، ذلك الممثل القدير الذي نأسف لعدم إعطائه فرصة الظهور في الأعمال الفنية التي تناسب ‏قدرته وموهبته، أما سما إبراهيم التي جسدت دور "رئيفة" شقيقة "رفعت إسماعيل" كانت نِعم الاختيار لتمثيل دور الزوجة والأم ‏والشقيقة التي تتظاهر طوال الوقت بالقوة والصرامة، في حين أن مشهد فقدان زوجها أفقدها قدرتها على التصرف وتاهت كالطفلة.‏

القوة النسائية الناعمة في المسلسل تأرجحت بين كفتين؛ الأولى "ماجي" التي تقدمها رزان جمّال، والتي تعيد اكتشاف وتقديم نفسها في ‏قالب جديد يناسبها، فبعيدًا عن الرقة اللا متناهية والتي تميز الشخصية، أتقنت رزان جمّال اللكنة الإنجليزية المفخمة التي تميز ‏‏"ماجي" ذات الأصول الأسكتلندية، لديها القدرة على إقناعك أنك أمام ممثلة ذكية فهي لا تقدم الدور فحسب ولكنها تقدم الدور ‏بحسابات أعمق من مجرد رغبة في الظهور والتمثيل.‏

أما الكفة الثانية كانت لآية سماحة التي أعطت شخصية "هويدا" هوية جديدة ومختلفة عن هذه التي عرفناها على السطور، أيقنت آية ‏سماحة أن "هويدا" على الشاشة لا بد أن تكون مختلفة، لأنها ستكون شخصية مؤثرة وليست انعكاس لصورة يحكيها "رفعت" للقراء، فبذلت ‏جهدًا في التحضير وبدت بالفعل كمن جائت من فترة الخمسينيات بعبقها وأناقتها وبساطتها في مزيج ساحر من الأنوثة الراقية.‏

على الجانب الآخر فإنه ليس هناك عملًا كاملًا بلا أخطاء، بعض الهفوات الإخراجية التي شاهدناها كان من الممكن تداركها بسهولة، ‏مثل ظهور بعض المنتجات الحديثة في فترة المسلسل التي تدور أحداثها بين الخمسينيات والستينيات، بالإضافة إلى المبالغة في مشهد الموت، فمقتل "رضا" الذي ‏نجده في النهاية بلا داعي وغير واضح الأسباب.‏

بالطبع يعلم الجميع الفارق بين الدراما المرئية وبين الكتب، هناك خط درامي ومشاهد مصورة، شخصيات تتحرك من على الورق ‏وتدب فيها ‏الحياة، ولابد أن يصنع لهم تاريخا يناسب مدة العرض وخلفية المشاهد الذي يرى العمل لأول مرة وليس خلفية القارئ الذي ‏يحتفظ بما ‏رسم خياله منذ عشرات السنوات في رأسه، وهنا الفرق بين من يعي وينتظر ليشاهد ويحكم على العمل نفسه ومن لا يعي ‏وينتقد ‏لمجرد النقد.

الخلاصة، هناك مسلسل مأخوذ عن سلسلة روايات، ليست المرة الأولى التي يتحول فيها عمل مكتوب إلى عمل مرئي، ولن ‏تكون ‏الأخيرة، تغير الأحداث والنمط والشخصيات مع الاحتفاظ بروح السلسلة أمر طبيعي، والأمانة هنا تقتضي المشاهدة ثم ‏التعليق ‏بموضوعية حول ما شاهدنا، انتقد أو امدح، ولكن قبل ذلك اسأل نفسك هل حقا تنتقد ما شاهدته بنفسك؟ وهذا انطباعك أنت عنه؟ أم أنك تساق خلف جموع النقاد ‏وصناع ‏تريندات السوشيال ميديا؟!.. بالتأكيد ستكون الإجابة صادقة بينك وبين نفسك.

اقرأ أيضًا..

أسباب تدعوك لمشاهدة مسلسل "ما وراء الطبيعة"

ما وراء المنصة.. إنطلاق قطار تغيير الدراما