ما من شعور أقسى من أن ترى أولادك يؤخذون أمام عينيك وأنت تقف مكتوف الأيدي، منصاع لقانون بلد تعيش فيه، قانون يراه البعض هو الحل الأمثل لحياة اجتماعية صحيحة، فيما هو في الواقع قانون قاس خالي من المنطق في كثير من الأحيان.
نتحدث عن فيلم "استمع" الذي يشارك في المسابقة الرسمية في مهرجان الجونة السينمائي، فيلم عندما تراه يترك بداخلك أثرا، الحزن يسيطر عليك طوال مشاهدة الفيلم من أول وهلة تتعاطف مع الأم التي تعمل في تنظيف المنازل من أجل كسب قوت أسرتها في ظل عدم انتظام زوجها في العمل.
اقرأ أيضا: 11 تصريحا لأحمد مالك في 20 دقيقة.. استعنت باحفاد آخر شخص ناطق للغة المايا في "حارس الذهب"
لم تستخدم المؤلفة والمخرجة آنا روشا دي سوسا مقدمة طويلة لندخل في أحداث الفيلم، ما هي إلا مشاهد داخل منزل الأسرة، لنعرف أنها مكونة من أب وأم وثلاثة أطفال واحدة منهم "صماء"، هي أسرة برتغالية مهاجرة تعيش في ضواحي لندن، يستعرض الفيلم معاناة المهاجرين والأسر الفقيرة من تدخل دائرة الشئون الاجتماعية البريطانية وتحكمها بعد تغيير قوانين رعاية الطفل عام2014، لتنتزع الأولاد إذا لم يتمكن الأب والأم من تأمين الرعية الكاملة للأبناء.
ومن أول وهلة تتعاطف مع الأسرة، بل تجد الأعذار لما تفعله الأم عندما تسرق من "سوبر ماركت" بعض الطعام لأطفالها، أو محاولتها إصلاح "السماعة الطبية" الخاصة بابنتها.
وتدخل المخرجة في الأحداث سريعا واليوم المهم للأسرة المتمثل في زيارة مندوبين من دائرة الشئون الاجتماعية لمتابعة حالة الأسرة، ورغم محاولات الظهور أمامهم في أفضل صورة، لكن انكسار سماعة آذن الطفلة الصغيرة وذهابها إلى المدرسة من دونها يلقب كل الأوضاع، ليتم أخذ الأطفال عنوة في مشهد قاسي جسدته الفنانة البرتغالية لوسيا مونيز ببراعة، مشاعر الأم التي يؤخذ أطفالها أمام أعينها وهي واقفة ليس لديها أي شيء تفعله سوى الصراخ.
وحرصت المخرجة على تصوير الفيلم في إضاءة خافتة خاصة في المشاهد التي تجمع الاب والأم لتزيد من شعور الخنقة والحزن والاكتئاب، لنرى تطور شخصية الأب والأم وما يمران به بعد أخذ الأولاد، الأم في حالة الانهيار فهي مثال العاطفة والحنان، والأب يحاول أن يكون الشخص القوي فيبدأ رحلة البحث عن شخص يساعده، ولأن الأمل موجود دائما في الحياة يعثر على امرأة كانت تعمل في دائرة الشئون الاجتماعية، وبعد خروجها منها بدأت تعمل كمحامية تدافع عن الأسر التي يتم أخذ الأطفال منها عنوة، وهنا نجد إسقاط على ما قد يحدث في هذه المؤسسات أنه في كثير من الأحيان من يعملون بها يكتشون أن ما يفعلونه غير صحيح ويرفضون البقاء ويقرروا التحول وتقديم المساعدة للأسر المتضرره.
ومع بدء خطوات اللجوء للقضاء لاستعادة الأبناء، نكتشف قسوة هذه القوانين، يؤخد الأطفال من الأهل ليعيشوا مع أسر أخرى بفرضية توفير حياة كريمة لهم، يتم تفريق الأخوة، فتاة صماء لا تجد من يتواصل معها إلا شقيقها تفترق عنه، والمشكلة أنها لا تجد أسرة تأويها لأنها ليست طبيعية، وتحتاج لتعامل خاص، وهو التناقض الذي يظهر بوضوح فدائرة الشئون الاجتماعية التي تدعي أنها تساعد الأطفال تأخذ فتاة صغيرة من حضن والدتها ولا تعيدها لها حتى مع عدم العثور على عائلة جديدة.
وكان واحد من أجمل المشاهد في الفيلم والذي شكل تحولا كبيرا في شخصية البطلة، هو مشهد المحاكمة، لنجد الأم المكتئبة المنكسرة تحولت أمام القاضي لشخص قوي ثابت الانفعال يتحدث بكل طلاقة، غريزة الأمومة والدفاع لآخر نفس عن الأولاد لتصرخ وتواجه الجميع وترفض القوانين قائلة "أولادي ليسوا للبيع"، وأوضحت المخرجة هذا الأمر مع حديث الأب بعد ذلك معها عندما يخبرها أنه فوجئ بها وبما قالته.
الفيلم مدته 74 دقيقة لن تشعر بملل وأنت تشاهده، أداء كل الممثلين كان رائعا خاصة الأبناء الابن الأكبر والطفلة الصماء اتقان لأدوارهم رغم صغر سنهم.
فيلم "استمع" يدخلك في عالم آخر، لترى مآساة أسرة بسبب تغيير القانون وإدخال تعديلات أكثر قسوة، لتكتشف أن أغلب الشعارات التي تقال حول الدفاع عن الطفل وحقوقه لا يمتلك أصحابها المشاعر والأحاسيس للتفريق بين ما يحتاجه الطفل وما يفرضه القانون، وهو دعوة للنظر إلى حقيقة ما يريده الطفل لتعديل القوانين.
اقرأ أيضا:
#هنا_الجونة- قبلات ميرهان حسين والتفاف الجمهور حول الفنانين... أبرز أحداث سادس أيام الجونة السينمائي
حوار- أمير رمسيس: انتقادات تكريم جيرار ديبارديو تفاهة فكرية وحملة ابتزاز رخيصة للمهرجان