1- مجرد صدفة جعلت والد "عمرو" لا يجد سكنًا مناسبًا إلا في شارع "سيد درويش"!
هذا المسكن المتواضع الذي لا يحوي أبسط الأثاث، ولا تزيد مساحته على الستين مترا، عثر به "عمرو" على ضالته، "بيانو" قديم تركه جده لوالدته، تعلم أبجديات العزف عليه.
وحين وقعت النكسة عانت الأسرة من مرارة التهجير، فذهبوا إلى محافظة الشرقية ليعيشوا هناك لسنوات، ثم عادوا بعدها إلى بورسعيد، وذهب "عمرو" إلى مدرسة "القنال" الإعدادية، وكان صوته المميز بمثابة فاصل غنائي بين الحصص، فصوته كان مميزًا بصورة لا يمكن تجاهلها، لكن نبوغه في الغناء لم يشفع له في الامتحانات.
انت مين من شخصيات أفلام عمرو دياب؟
وظل "عمرو" في بورسعيد حتى حصل على شهادة الثانوية العامة، ثم سافر إلى القاهره عام 1982، والتحق بالمعهد العالي للموسيقى العربية، لكنه لم يعش داخل جدران المعهد، فقد اختار طريقا آخر لإثبات قدراته.
فقد ذهب "عمرو" إلى لجنة الاعتماد بالإذاعة المصرية المكونة من الموسيقار محمد الموجي والملحن حلمي بكر ليتم اعتماده مطربًا، لكن اللجنة رفضته بالإجماع حيث كان يغلب على غنائه اللهجة البورسعيدية، ويومها أعطوه فرصة ستة أشهر للتخلص من "اللكنة" البورسعيدية، وبعد مرور الشهور الستة عاد مرة أخرى، وغنى لهم دعاءً دينيًّا فتم اعتماده مطربًا في الإذاعة.
أهم 15 أغنية في مشوار عمرو دياب.. مسيرة تعدت الحدود الجغرافية والزمنية
وفي العام التالي سجل "عمرو" أول أغنية له بعنوان "الزمان"، وابتعد عن معهد الموسيقى حتى استنفذ مرات الرسوب، وصار في نظر الناس فاشلا راسبا، لكنه ذهب ليبحث عن حظه في طريق آخر، وسار خلف حلمه أن يصبح مطربا في شهرة عبد الحليم حافظ.
2 بعد سنوات من الكفاح ابتسم القدر أخيرا لـ"عمرو" حين خرج ألبومه الثاني في نهاية الثمانينيات، وظلت مصر كلها تردد معه "من كام سنة وأنا ميال ميال".
هنا عرف عمرو دياب طريق النجومية من خلال السهرات التليفزيونية، والأفلام السينمائية، ثم جاءت واحدة من كبرى نقاط التحول في تاريخه، وهو حفل افتتاح بطولة الألعاب الإفريقية الخامسة، والذي غنّى فيه عمرو باللغتين الإنجليزية والفرنسية بالإضافة إلى العربية "بالحب اتجمعنا والدنيا هتسمعنا والليلة أول أعيادنا"، وبالفعل كان عيدًا لعمرو دياب، فقد صار المطرب الأشهر في العالم العربي وفي إفريقيا.
عمرو دياب عن حوار FilFan مع ابراهيم عيسى : كلامك أشمل وأهم ماقيل عن مشواري
وبعد سنوات طويلة دُعي عمرو لحضور فرح نجل أحد أصدقائه، وحين وضع عمرو قدمه في الفرح قام الجميع لمصافحته، والتقاط الصور معه، لكن فجأة اقترب منه رجل بدا كبيرًا في السن والمقام، وصافحه بحميمية، وقال له "مش فاكرني يا عمرو..؟ أنا خالد اللي كنت معاك في الفصل في مدرسة القنال في بورسعيد"، فابتسم عمرو ابتسامة عريضة، وبدا كأنه يتذكر الأيام الخوالي، وصافح خالد وقال له مازحًا: "انت كبرت قوي يا خالد.. إوعى تقول إنك كنت معايا في المدرسة"!
صدفة، لا تحدث إلا في الأفلام المصرية القديمة، لكنها حدثت ورأيتها، وكنت شاهدا عليها، فخالد زميل المدرسة صار صحفيًّا وكاتبًا، وغطى الشيب رأسه، وبدت عليه بوضوح علامات الكبر، بينما كان الحديث داخل قاعة الفرح حول سؤال واحد "هوّ عمرو دياب بيصغر ولا بيكبر؟!".
3-صنع عمرو دياب لنفسه أسطورة خاصة، تفنن في أن تكون متفردة، حتى أن الأضواء صارت تلازمه أينما حل، وصار الضوء المصاحب لـ"عمرو" هو أهم ما يميزه.
وحين سُئل محمد منير عن الفرق بينه وبين عمرو دياب، أجاب: "عمرو اختار الطريق الأصعب، فقد اختار أنا ينافس الجميع، وأن يظل على القمة في كل عام متفوقًا على كل نجم جديد، بينما أنا اخترت أن أكون بعيدًا عن المنافسة".
ولم يحد "منير" عن الطريق الذي رسمه لنفسه ظل صوته هو البطل المحرك لأعماله، منذ أن التقى يوسف شاهين وطلب منه أوركسترا كاملة لتقف خلفه وهو يغني "حدوتة مصرية" واستجاب له "شاهين" لكنه بعد أن سجل الأغنية حذف المخرج الكبير كل آلات العزف، واكتفى بآلة واحدة فقط لازمت صوت منير، ربما لأن صوته لا يحتاج إلى موسيقى، فقد ولد بموسيقى داخلية تغلف صوته.
أهم 15 أغنية في مشوار الملك ... كيف واكب محمد منير التغيرات الموسيقية طوال 40 عامًا؟
لكنه لم يكتف بجمال صوته بل اختار طريقا لم يسبق لأحد أن سار فيه سواه، لكن صوته لم يخرج من حنجرته فقط بل خرج من جذوره وعبر عن أصالته وأهله وصار صوتا عاليا وعالميا لمجتمع لم يكن صوته مسموعا رغم عذوبته وخصوصيته، وصنع "منير" طريقا لم يسبق لأحد أن سار فيه سواه.
4-كان يمكن لمنير مثل كثيرين غيره أن يكتفي بجمال الصوت ويغني أي شئ، وهو يقدر أن يغني حتى عناوين الصحف لكنه لم يفعل بل اختار أن يذهب إلى كبار الشعراء أمثال صلاح جاهين وعبد الرحمن الأبنودي وعبد الرحيم منصور وسيد حجاب ومجدي نجيب وغيرهم.
وقد روي لي الخال "الأبنودي" -رحمه الله- بعض لمحات من علاقته بـ"منير" وأنه من أحب الناس والأصوات إلى قلبه، ومن أصدق من عبر عن كلماته رغم قلة عدد الأغاني التي كتبها له، ولعل أكثر أغنية أحبها "الأبنودي" بصوت "منير" هي أغنية "يونس" ولها قصة.
هل تعتبر نفسك متابعا جيدا لأعمال محمد منير الدرامية... شارك معنا في هذا الاختبار
ففي أحد الأيام ذهب منير إلى الملحن محمد رحيم، وقال له: "سمعَّني عندك إيه؟"، فردّ عليه رحيم: عندى حاجة بتقول "يا بنات الهلالية.. يا بنات الهلالية".
فقاطعه منير قائلًا: "لو عايز تتكلم عن الهلالية يبقى لازم نروح لدكتور الهلالية الرجل اللي لفّ 30 سنة يجمع السيرة الهلالية".
وذهب منير بصحبة رحيم إلى الخال ليطلبا منه أن يكتب أغنية تحمل بين ثنايها السيرة الهلالية، فكتب الخال يقول:
جاي من بلادي البعيدة
لا زاد ولا مَيَّه
وغُرْبتي صاحْبتي بِتْحُوم حواليّا
وانتي تقوليلي بحبَّك
تحبِّي إيه فيَّ
وده حب إيه ده
اللى من غير أي حرية
أحب "منير" الخال قبل أن يلتقيا بسنوات طويلة حين كان طفلا يسمع أغنية "يا عيني على الولد" وبكى عليها، وارتبط بها، وحين صار مطربا سعى إليه، واستمرت العلاقة بينهما منذ نهاية الثمانينات وحتي يوم رحيل الخال، ومازالت أذكر ذلك اليوم حين أصر "منير" على السفر إلى الإسماعيلية لحضور الجنازة، وشاهدته يومها، وهو لا يستطيع أن يسير على قدميه من الحزن واستند على اثنين من أصدقائه حتى يظل يسير خلف النعش من المسجد إلى المدفن.
فلم يكن "محمد منير" بالنسبة لـ"الأبنودي" مجرد مطرب، ولم يكن الخال بالنسبة لـ"منير" مجرد شاعر، فكلاهما جاء من الجنوب مُحملا بإنسانية، وعذوبة، ومخزون ثقافي، ولون مختلف لا ينافس أحدا، ولا أحد ينافسه.
اقرأ أيضا
#شرطة_الموضة: Look واحد يكفي الملك محمد منير
فيديو خاص - 20 تصريحا من إبراهيم عيسى عن عمرو دياب: آخر مؤسسة غنائية بعد أم كلثوم وعبد الوهاب