أي صناعة إعلامية هدفها الأساسي سهولة الوصول للأشخاص المستهدفين، حتى تتحقق الأغراض المرجوة أيا كانت، إيجابية أم سلبية. ملايين الملايين تنفق لتسهيل الوصول للمتلقي، فيصبح تعبئته بكافة الأفكار المراد التركيز عليها أمرا هينا، إذ كيف يقتنع بأفكارك وهو لا يراك، لا يسمعك، لا يهتم بك!... اجذب المتلقي ثم املأ عقله بما تريد.
لذلك كانت الاستعانة مؤخرا بمن يطلق عليهم "الانفلونسرز" أو "اليوتيوبرز" وغيرهم أسهل الطرق لضمان وصول الرسائل الدعائية، التعليمية، التثقيفية، الفنية... إلخ. وهذا ما نراه الآن في انتقال "الدحيح" أحمد الغندور، من مرحلة اليوتيوب ومنصات السوشيال ميديا للقنوات ومنصات المشاهدة الإلكترونية.
اقرأ أيضا: رأي ياسمين صبري في "الدحيح"
رحلة الغندور بدأت قبل 6 سنوات، في عمر العشرين تحديدا، حين ظهر لأول مرة من خلال برنامج "صباح الخير في الجامعة الأمريكية"، الذي قدمه وأعد محتواه بمشاركة مجموعة من الشباب. فهو من مواليد عام 1994، وحاصل على بكالوريوس العلوم التطبيقية من الجامعة الأمريكية بالقاهرة، فضلا عن عمله حاليا كباحث ماجستير في جامعة هونج كونج بالصين.
المهم لم يلق البرنامج نجاحًا ملحوظًا، ولم يتقبله الكثيرون، فشارك بعدها في إحدى المسابقات التي أطلقها المجلس الثقافي البريطاني، ونجح في طرح فكرته خلال ثلاث دقائق فقط، فشجعه الكثيرون على صناعة محتوى مشابه على الإنترنت، واقتنع بالفكرة بالفعل، وبعد دراسة متأنية لفكرة المشروع، واختيار طريقة تقديمه، بدأ برنامج "الدحيح" في 31 أغسطس 2014، من خلال حلقة قصيرة على قناته بموقع يوتيوب، في تحدي صعب لجذب الجمهور للمحتوى العلمي بطريقة مبسطة وبإمكانيات أبسط.
واصل عرض الفيديوهات، مستمرا في التركيز على المحتوى العلمي، وبأسلوب معين بات يميزه عن غيره.. فبالتأكيد يعرف الكثيرون المقدمة الشهيرة "أعزائي المشاهدين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلًا بكم في حلقة جديدة من برنامج... الدحيح"، يعرفون شكله، وديكور غرفته، طريقة كلامه وسرده للمعلومات.. تفاصيل كثيرة لا يدركها إلا مشاهد يتابع المحتوى مرة تلو الأخرى، وليس تجربة عابرة.
فيديوهات جديدة وموضوعات مستمرة.. مشاهدات ترتفع وجمهور يتزايد يوما بعد اليوم، حتى تجاوز نصف مليار مشاهدة، وملايين المتابعين، خاصة الشباب الذين قلّما تجذبهم الموضوعات العلمية الفيزيائية والاقتصادية والفلكية وغيرها، فقد كان المحتوى جذابا ومتنوعا هذه المرة، مما دفع قناة "AJ+ عربي" للتعاقد معه، فتجاوزت مشاهدات حلقاته على الإنترنت 712 مليون مشاهدة، توزعت ما بين 238.8 مليون مشاهدة على فيسبوك، و473.9 مليون مشاهدة علي يوتيوب.
رغم النجاح الكبير الذي حققه الغندور واختياره ضمن قائمة الأشخاص الأكثر تأثيرًا في العالم العربي عام 2018، ثم اختياره ضمن قائمة رواد الشباب العربي، فضلا عن وصوله للقائمة القصيرة لجائزة IBC العالمية لأكثر الشباب المؤثرين في الإعلام عام 2019، أعلنت "AJ+ عربي" قبل أربعة أشهر، توقف برنامج "الدحيح"، الذي استمر في تقديمه الغندور على مدار 5 سنوات متتالية، بداعي وجود أزمات إنتاجية لا تسمح بالاستمرار في البرنامج، مما أثار استياء الكثيرين، وسط تصاعد دعوات بمقاطعة القناة.
لكن عاد الغندور اليوم وأعلن عودته من جديد لتقديم المحتوى العلمي عبر منصة "شاهد VIP" عبر الإنترنت، إذ نشرت صفحة برنامج "الدحيح" الرسمية منشورا بصورة الغندور معلنة انطلاق متحف الدحيح قريبا على شاهد VIP.
بالتأكيد خطوة جيدة في مسيرة الغندور، فضلا عن إسعادها لآلاف المتابعين الذين يحرصون على متابعة ما يقدمه، لكن العودة ليست سهلة، فهناك تحديات جديدة، تختلف باختلاف الوضع الحالي.
أولا: جماهيرية اليوتيوب
الانتشار على يوتيوب أسرع وأكبر بكثير من المنصات الإلكترونية المدفوعة، وما حققه الغندور من ملايين المتابعين خلال السنوات الماضية، يجعله هذه المرة في تحدي جديد، ألا وهو مواصلة النجاح والانتشار، رغم اختلاف مصدر التلقي هذه المرة، واختلاف المواصفات بينهما من انتشار ومجانية وسهولة الوصول عموما.
ثانيا: اشتراك شاهد
بعيدا عن حجم انتشار منصة شاهد، وأن يوتيوب يتفوق على منصات المشاهدة كافة، هل يوجد في جمهور الدحيح من سيدفع اشتراكا شهريا لأجل متابعة محتواه على "شاهد"؟ سؤال صعب ستحدد الفترة المقبلة إجابته، رغم أن جميع المؤشرات تؤكد أن ثقافة الدفع مقابل المشاهدة على الإنترنت لا تزال صعبة في مجتمعنا.
ثالثا: اختلاف الجمهور
لا شك أن أهم أسباب الإشادة بالغندور هو قدرته الفائقة على جذب الشباب وخاصة من المراهقين على متابعة المحتوى العلمي عن طريق الإنترنت، لكن الوضع أصبح مختلفا الآن بعودته عبر "شاهد"، فجمهور يوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي به قطاع كبير من الشباب والمراهقين، وجمهور "شاهد" أغلبه من شرائح عمرية أكبر سنا، لها ميول فنية أكثر من العلمية، وبالتالي السؤال هنا سينجح الغندور في جذب الجمهور الأكبر سنا على "شاهد"؟ وكذلك أصحاب الميول الفنية وليس العلمية؟
رابعا: المعايير الدينية والأخلاقية
بالطبع نتذكر جميعا الانتقادات التي انهالت على الدحيح في إحدى الفترات، وتهم الإلحاد التي وجهت إليه، وأنه يروج لنظريات علمية إلحادية لعلماء ملحدين، وتصدر أحد أشهر الدعاة الأردنيين في حملة الهجوم عليه، حتى إن البعض تداول صور الغندور أثناء أداء مناسك العمرة باعتبارها دليل على إسلامه، ونفي قاطع لاتهامات إلحاده، وأنه لا دخل للدين في العلم، فضلا عن عدم دعوته للإلحاد بأي شكل من الأشكال.
ومن هذا المنطلق نجد أن الوضع الجديد لبرنامج الدحيح يدفعنا للتساؤل: ما مدى الحرية المتاحة للغندور في تناول حلقاته الجديدة؟ بالطبع الحرية الدينية والأخلاقية على يوتيوب ليست بنفس السعة داخل أي مؤسسة إعلامية، ولا بد وأن هناك شروطا قد تحد ذلك.. فهل يتغلب عليها الغندور؟ أم يُسمح له بالحرية الكاملة لضمان النجاح؟
خامسا: الربح أم القيمة
انتقال برنامج علمي جماهيري لمنصة مشاهدة إلكترونية، لا بد وأن يكون قد تحدد سلفا هل الهدف منه الربح أم الإفادة؟ لأنه وفقا لخبراء في الإعلام فإن المنصات المدفوعة مثل شاهد ونتفليكس لا تنظر لبعض المحتويات العلمية بغرض جذب الجمهور، بقدر اهتمامها بتقديم قيمة مضافة تزيد من ثراء المنصة والحفاظ على صورتها العامة.. فهل يكون الوضع كذلك مع الغندور في "شاهد"؟! أم سيكون جمهوره هناك كافيًا لنجاح البرنامج اقتصاديًا؟
أسئلة كثيرة.. سنعرف إجاباتها خلال الفترة المقبلة بلا شك.
اقرأ أيضا:
في شم النسيم... حسن الشافعي يبدأ يومه مع الدحيح
الدحيح بعد توقف برنامجه: إلى اللقاء في مغامرة جديدة