توفي قبل قليل، الفنان سمير الإسكندراني، ابن حي الغورية الذي نشأ محبا لأمسيات الأدب والفن والغناء، التي كان يحضرها والده تاجر الموبيليا البسيط، فضلا عن الحب العظيم لمصر وأهلها.
مع انتقال الأسرة لشارع عبد العزيز اختلط بالأجانب، خاصة الإيطاليين واليهود، فتعلم منهم الكثير عن ثقافاتهم والعادات والتقاليد الأوروبية عموما، وأتقن خمس لغات، بخلاف العربية، مما ساعده على الحصول علي منحة دراسية في إيطاليا عام 1958، لكن ما لم يتوقعه أن يترصد به الموساد الإسرائيلي هناك، بعد إعجابهم بتحرره وأفكاره غير التقليديه وإتقانه للغات عدة، فطلبوا تجنيده في شبكاتهم الجاسوسية، فحاول أحد زملائه في الجامعة أن يستميله لذلك، فشعر سمير أن هناك أمرا يخفيه هذا الشاب، فادعى أمامه أن جده الأكبر يهوديا، وأسلم وتزوج جدته، ولكن أحدا لم ينس أصله اليهودي، مما دفع والده إلي الهجرة للقاهرة، حيث عرف أمه، ذات الطابع اليوناني، وتزوجها، وأنه أكثر ميلا لجذوره اليهودية.
بالفعل، نجحت حيلة الإسكندراني وسقط عميل الموساد في الفخ، واعترف له أنه أحد ضباط الموساد الإسرائيلي، وعرض عليه الانضمام لهم كجاسوس لصالح منظمة إسرائيلية تدعى منظمة الحبر الأبيض لمحاربة الشيوعية، فاستمر سمير في خدعته للشاب وأوهمه بأنه يكره مصر والنظام الحاكم فيها.
عرض ضابط الموساد راتب شهري كبير على سمير الإسكندراني ومكافآت عديدة، وبدأت التدريبات المكثفة على الحبر السرى وكيفية جمع المعلومات العسكرية، استقبل سمير شقيقه الوحيد "سامي" في إيطاليا وأطلعه على الأمر في سرية تامة، ثم عاد بعدها إلى مصر، وأخبر والده أيضا بما حدث، فساعده والده عن طريق أحد معارفه والذي كان يشتري منه الموبيليا، ويعمل وكيلا بالمخابرات العامة، لكل يصل للمسؤولين ويخبرهم بالأمر.
وبالفعل توجه بعدها لمبنى المخابرات، ولكنه لم يقبل أن يتحدث مع أي من الضباط هناك، وقابله ضابط يدعى "جعفر" وأصر على أن يتحدث، لكنه رفض قائلا قائلا: "معرفش حضرتك ولا أعرف حد.. كلامي معناه حياتي ورقبتي لذلك أنا لن اتحدث إلا مع الشخص الذي اعرفه.. الرئيس جمال عبد الناصر"، ومع إصراره الشديد على عدم الحديث، جعلوه يعود للمنزل، واستمر على مدار شهر ونصف الشهر يذهب يوميا إلى قصر عابدين ومبنى رئاسة الجمهورية لعله يتمكن من لقاء الرئيس.
وطوال هذه الفترة لم يحاول الاتصال بالمخابرات الإسرائيلية بأي شكل من الأشكال حتي اتصلت به المخابرات المصرية، وطلبوا منه الذهاب اليهم في موعد ومكان محددين، وتوجهوا به إلى فيلا بسيطة بمصر الجديدة، ليكتشف أن هناك الضابط الذي يدعى جعفر، لكنه في الحقيقة أنه ليس كذلك، بل هو صلاح نصر مدير المخابرات العامة، وبعد قليل دخل عليهم الرئيس جمال عبد الناصر، فأخبره سمير بكل ما حدث معه، فأعطى إشارة لصلاح نصر بالتعامل.
استقرت المخابرات بقيادة صلاح نصر على أن يستمر سمير في العمل مع المخابرات الإسرائيلية، فلديهم مخططات عديدة لاغتيال المشير عبد الحكيم عامر بعد أن فشلت محاولاتهم لنسف طائرة "اليوشن 14" عام 1956، فضلا عن رغبتهم في اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر عن طريق وضع سم طويل المدي في طعامه.
استمر الإسكندراني في خداعه للموساد، ونقل المعلومات بدقة شديدة للمخابرات المصرية، لتكتشف عن طريقه وجود شبكة ضخمة من عملاء إسرائيل، تتحرك في حرية داخل البلاد وتستنفذ أسرارها، فبدأت خطة منظمة للإيقاع بالشبكة كلها، والتي كان معظمها من الأجانب المقيمين في مصر الذين يعملون بمختلف المهن
وبعد أن سقطت الشبكة بأكملها، وعلى مدار عام ونصف، اكتشف الموساد أن سمير الإسكندراني يعمل لصالح المخابرات المصرية، ففكروا في الانتقام منه بتصفية شقيقه سامي، ولكنهم فوجئوا بان المخابرات المصرية قد أرسلت أحد أفضل رجالها لإعادته من النمسا، قبل كشف الشبكو، ليدعوه بعدها الرئيس جمال عبد الناصر، ليكافئه علي مجهوداته الضخمة في إسقاط شبكة جواسيس الموساد كاملة.
اقرأ أيضا:
بالفيديو- بعد أنباء طلاقها... مي حلمي للمتطفلين: هتكلم لما يبقى ليا مزاج
بالفيديو- رقص درة على "مليونير"