رسالة نجيب محفوظ التي أرسلها لأحمد مراد مع جمال الغيطاني!
لم يكن نوفمبر 2019 شهرًا عاديًا في حياة الكاتب الروائي والسيناريست الشهير أحمد مراد، بعد أن وجد نفسه "تريند" ومثار حديث السوشيال ميديا، عقب عنوان صحفي مثير للجدل قالت فيه إحدى الصحف على لسانه: "روايات نجيب محفوظ لا تتناسب مع العصر"!
قامت الدنيا وقتها ولم تقعد حتى يومنا هذا، حين تم اختصار الأزمة في شخص "مراد" وتصريحاته، دون أن يُكلّف أحدهم نفسه بمراجعة تصريحات نجيب محفوظ عبر حواراته الصحفية السابقة، ورأيه في مسألة تطور الزمن وتأثير إيقاع السينما والتليفزيون على تلقي الجماهير للروايات، وكيف كان سيكتب أعماله الجديدة في ظل هذا التطور الذي شهده الإيقاع الجديد للعصر.
من جانبه، نفى مراد صحة التصريح المنسوب له بطرق كثيرة، سواء عبر مداخلات هاتفية في برامج التوك شو، أو من خلال بيان أصدره على صفحته الرسمية على موقع Facebook، مؤكدًا أنه لم يقل من قريب أو من بعيد جملة "روايات نجيب محفوظ لا تتناسب مع العصر"، التي يُفهم منها مهاجمة أعمال أديب نوبل وسيد الرواية العربية، مستشهدًا بمقطع الفيديو الذي تحدث فيه عن نجيب محفوظ وروايته "السراب"، خلال جلسة حوارية بعنوان "الكتب وصناعة السينما"، استضافها معرض الشارقة الدولى للكتاب في نوفمبر 2019، وأدارتها الإعلامية السورية زينة يازجي، بحضور النجمة ليلى علوي، والفنان عابد فهد، والمنتج صادق الصباح، دون أن يعترض أي منهم ولا جمهور الحضور على تصريحاته في الندوة التي قال فيها مراد نصًا: "ما ينفعش ننقل أحداث رواية زي دي حدثت في الأربعينيات، لأجيال في 2020 دون معالجة، لازم يتم تحويلها بأسلوب جديد، فأقدر أختصر بعض الأحداث اللي كانت بطيئة شوية في الزمن ده، عشان أقدر أوفرها للجيل الجديد بسرعته، اللي بنعاني معاه النهاردة من إيقاعه السريع".
وأوضح مراد أنه قال خلال الجلسة: "تزداد المشكلة عند تحويل نص قديم ربما لا يواكب العصر إيقاعيا.. لذلك لا بد من حدوث معالجة سينمائية واختصار للأحداث حتى تناسب زمنية الفيلم وهى الساعتين، حيث إن الجيل الجديد الحالى لا يستطيع تحمل مشاهدة أفلام طويلة، بدليل أن الأفلام الأجنبية والمصرية صار إيقاعها أسرع، وهناك اختلاف فى طريقة الاستعراض السينمائى".
الأمر كله إذًا – كما يبدو في توضيح مراد وما جاء في مقطع الفيديو المأخوذ من الندوة – أن تلقي الجماهير هو الذي يختلف عند تحويل الروايات الكلاسيكية القديمة إلى فيلم أو مسلسل حالي بإيقاع العصر، فماذا قال نجيب محفوظ نفسه عن هذه المسألة؟!
في كتاب "السيناريو والسيناريست في السينما المصرية" للسيناريست والناقد سمير الجمل، الصادر عن الهيئة العامة للكتاب، تناول الكاتب بدءًا من صفحة 13 مسيرة نجيب محفوظ في عالم السيناريو، وكيف دخل مجال الكتابة السينمائية لأول مرة من خلال المخرج صلاح أبوسيف، مستشهدًا بما رواه محفوظ للكاتب جمال الغيطاني عن أهم محطات حياته، ومنها محطة كتابة السيناريو إذ يقول نجيب للغيطاني:"كتبت حوالي 30 فيلمًا، مع أن قصصي لم تجد من ينتجها في البداية.. كانوا يقولون أنها صعبة، حتى أعد أحمد عباس صالح رواية (بداية ونهاية)، لإذاعة صوت العرب، وعندئذ التفت إليها أهل السينما وقالوا هاتوا الرواية.. الله.. طيب ما الرواية دي موجودة من الأول، ثم انتجت كل الروايات ونجحت.. واليوم تمثل المسلسلات التليفزيونية إغراء كبيرا للأديب، لأن المسلسل قياسا بالرواية الأدبية يساوي ثروة.. والحقيقة أنني لم أكتب الروايات وعيني على السينما.. حتى أنني في الآونة الأخيرة أعجز تمامًا، عن كتابة (الثلاثية) بحجمها، لأن السينما والتليفزيون علّمت المتفرج التركيز مع الإيقاع السريع.. ومع ذلك السينما أفادتني في التركيز".
هل يختلف ما قاله نجيب محفوظ في حديثه عن (الإيقاع)، عما قاله مراد في تصريحاته حول اختلاف تلقي الجمهور للأعمال الأدبية وفقًا لتطور السينما والتليفزيون، وتغير إيقاع العصر؟!
ألم يقل محفوظ عن أعماله (بلسانه): أنني في الآونة الأخيرة أعجز تمامًا، عن كتابة (الثلاثية) بحجمها، لأن السينما والتليفزيون علّمت المتفرج التركيز مع (الإيقاع السريع)؟!
لماذا سُنّت السكاكين لذبح مراد إذًا؟! وأين موطن الإساءة في معرض كلامه لنجيب محفوظ؟!
الإجابة أن البعض ملكيين أكثر من الملك، وأن أغلب من نصب المشانق لمراد بدعوى الدفاع عن محفوظ، لم يقرأوا ما قاله محفوظ نفسه، أو أن الدفاع عن محفوظ كان مجرد حجة، تخفي ورائها رغبة دفينة في هدم كاتب ناجح، حقق بلغة المبيعات الروائية، والإيرادات السينمائية، والجوائز الأدبية، ما عجز عن تحقيقه كل الذين انتهزوها فرصة لتصفية الحسابات معه، وإزاحته من طريقهم، رغم أن الطريق ممهدًا لكل موهبة جادة، والقمة تتسع للجميع.
اقرأ أيضا:
عزيزي شريف منير.. أهلا بك في مستشفى المجانين!
عن نيللي كريم وكاملة أبو ذكري وبهجة رمضان التي عادت "بـ 100 وش"