عزيزي شريف منير.. أهلا بك في مستشفى المجانين!

تاريخ النشر: الاثنين، 15 يونيو، 2020 | آخر تحديث: الاثنين، 15 يونيو، 2020
شريف منير

يقول مارك توين: "‏ليست الحروب إلا قتلًا لغرباء لا تكنّ لهم أي عداء شخصي؛ غرباء لو قابلتهم في ظروفٍ مختلفة ستساعدهم لو كانوا في مشكلة".

اقرأ أيضا- شريف منير يقود موجة جديدة من الثورة ضد التنمر

غير أن الأديب الأمريكي الشهير كان محظوظًا برحيله قبل أن يدرك زمن السوشيال ميديا، الذي صار فيه اغتيال الأخرين ومحاربتهم مجرد لعبة، كلما حقق فيها المرضى النفسيون قدرًا أكبر من الأذى والقدرة على التحطيم من خلف الشاشات، كلما سجلوا "توب سكور" يعلو دائمًا للأسفل!
ليست القضية في شخص الفنان شريف منير وابنتيه، الذين تعرضوا مؤخرًا لأحط وأصعب الألفاظ تعليقًا على رفع صورة "عادية" بأحد مواقع السوشيال ميديا، ولا حتى في قائمة طويلة من المشاهير الذين انهالت على حساباتهم الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي، تعليقات أحدّ من السيوف وأمضى من الخناجر، تطعن في شرفهم، أو تسخر من خلقتهم، أو – يا للهول - تشمت في أمراضهم، بقدر ما صارت المشكلة تتعلق بهذا الخلل الذي أصاب النفوس إلى حدٍ مُخيف، وامتد أثره وتأثيره حتى شمل جميع طبقات المجتمع بلا استثناء، دون أن يكون هناك قاع للهبوط والتردي.

في عام 2005، قام متشرد بلغاري بطعن سيدة بريطانية تجاوزت الستين من العُمر، فوق جزيرة تينيريفي بإسبانيا، ثم فصل رأسها عن جسدها وحمله وركض، كطفل سرق من صديقه دميته وفرّ في الطرقات وهو يطلق الضحكات، وبعد القبض عليه، وعندما حققت الشرطة في الدوافع، فشلت في الوصول لأي أسباب، ليجد المحققين أنفسهم أمام واقعة فريدة، كسرت المُتعارف عليه في علم الجرائم بأنه ما من جريمة بدون دافع. فما الفارق بين تلك الواقعة ووقائع تمزيق الأخرين على السوشيال ميديا بلا مبرر أو طائل من وراء كل هذا التجريح المميت، وخمش القلوب والأرواح واستنزاف أصحابها؟!

توحشت الجريمة الإنسانية وصارت أكثر تعقيدًا، حتى صارت تحدث بلا دوافع يمكن حصرها وفهمها، حتى وإن كان من باب التفسير وليس التبرير.

وحده المرض النفسي الذي يمكن أن يحل اللغز، ويجعلنا نفهم كيف تُراق الدماء الالكترونية على مذابح السوشيال ميديا بلا أي داع أو دافع، سوى أن الفاعل "مجنون"، ويا لها من كارثة! بتنا في مجتمع من المجانين في أياديهم أسلحة بدون ترخيص، حصلوا عليها بتسجيل بسيط مجاني لا يحتاج سوى دقائق معدودة، دون الخضوع لاختبارات تفحص مدى سلامة قواهم العقلية، وداخل عقولهم عواء مفترس ينتقل في لحظات إلى أصابع تقذف الديناميت ثم تضغط "Enter" بلا مبالاة.

منذ سنوات قال الكاتب والمفكر الإيطالي الفذ أمبرتو إيكو عن السوشيال ميديا: "تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى، ممن كانوا يتكلمون في البارات فقط بعد تناول كأس من النبيذ، دون أن يتسببوا بأي ضرر للمجتمع، وكان يتم إسكاتهم فوراً. أما الآن فلهم الحق بالكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل. إنه غزو البلهاء".

وطالما في إمكان مختل أن يصنع عشرات الحسابات الوهمية بهويات زائفة، وصور لا تمت له بصلة، يحصل عليها من شبكة الانترنت، وطالما السعار النفسي انطلق من عقاله بعد أن تشجع أصحابه على ممارسة العبث من خلف الشاشات عن بُعد بدون ضريبة المواجهة ودفع ثمن الخطأ، فستظل الغلبة للمجانين إلى حين سن تشريعات جديدة، وتطبيق عقوبات رادعة.

فالبشرية اليوم تجلس في البيوت انتظارًا لمصل فعال ضد فيروس كورونا المستجد، وغدًا لن تصبح حتى البيوت آمنة للحجر الصحي والاختباء من فيروس جنون السوشيال ميديا، إن لم نشرع في البحث عن مصل فعال وناجع من الآن.

اقرأ أيضا:

8 شخصيات ... أنماط مختلفة للمرأة في مسلسل "ليه لأ"

ماذا يواجه محمد رمضان قبل دخول امبراطورية أحمد زكي؟