في فجر أول أيام عيد الفطر المبارك، علم الجمهور بإصابة الفنانة رجاء الجداوي بفيروس كورونا المستجد، وناشدت ابنتها الوحيدة، الجمهور، بالدعاء لها لتخطي هذه المحنة.
بالفعل تتابعت الدعوات والأمنيات بالشفاء للفنانة القديرة، التي أحبها الجمهور والفنانين والنقاد على حد سواء، إنسانة عفوية تحب الجميع ويحبونها، وبالتالي منطقي أن يحزن الكل لما أصابها، لكن منذ مساء أمس بدأ الوضع في أخذ منحنى آخر ضدها، أو بمعنى أدق ضد التعامل معها، فتمت المقارنة بين الاهتمام بنقلها لمستشفى العزل بالإسماعيلية وإرسال سيارة إسعاف وتجهيز غرفة عناية مركزة، تحسبا لأي ظروف طارئة تتعرض لها، وبين ما تعرض له أحد الأطباء قبل أيام من عدم اهتمام من الوزارة بنقله أو إجراء فحص طبي سريع له، عقب إصابته بكورونا، مما تسبب في وفاته.
زاد الطين بلة ما نشرته الصحف حول إجراء مسحة طبية لفريق عمل مسلسل "لعبة النسيان" الذين خالطوا رجاء خلال الشهر الفضيل، فضلا عن ظهور النتائج في يوم واحد وليس بعد يومين مثلما يحدث للجميع، في حين يقول زملاء الطبيب إنه لم يتم إجراء مسحة له رغم ظهور الأعراض إلا بعد فترة طويلة بسبب الروتين والإجراءات المتبعة، كما لم يتم إجراء مسحة للمخالطين به من أسرته، وبالتالي زادت الانتقادات والمقارنات بين ما حدث للطبيب الشاب من إهمال رغم أنه أصيب خلال علاجه للمرضى، وبين ما حدث لرجاء الجداوي، ثم تحول الأمر من مقارنات عادلة لأحقية كل المواطنين في العلاج والمساواة، وهو المطلوب فعله، لشتائم وأمنيات بالموت لها ولكل الفنانين أمثالها، على حد قولهم.
اقرأ أيضا: عندما يكون رئيس التحرير من جمهور روبي!
في الحقيقة الأمر أصبح شائكا، ويجب انتقاء الكلمات بدقة حين نعلق عليه، لأن القضايا يجب أن تسير بالتوازي لا أن تتعارض مع بعضها، أي أن ما حدث لرجاء الجداوي صحيح وعادل ومن حقها كمواطنة، بعيدا عن كونها مشهورة أم لا، وما حدث للطبيب خطأ ويجب محاسبة المخطئين وتغيير الوضع، أما السب واللعن وركوب الموجة والهجوم على الفنانة وكل زملائها، معلوم مقاصده وأهدافه.
إذا أعربت عن أمنياتك بالشفاء للفنانة شاكرًا ما حدث من تعاون سريع لعلاجها، سيقال لك "طب والدكتور؟ ولا هو عشان مواطن غلبان مش مشهور زيها!!"، رغم أنك لم تقل شيئا عن الطبيب، وإذا انتقدت ما حدث للطبيب يقال لك "وهي مش مواطنة وإنسانة من حقها تتعالج"، رغم أنك لم تتحدث عن الفنانة، ولو قلت أن من يسبونها هم من يركبون الموجة لاستغلال الأزمة يقال "هي نظرية المؤامرة ورانا ورانا وكل حاجة نقول الإخوان؟!"... إلى آخره من الردود المتناقضة التي تلصق بالإنسان تهمًا لم يرتكبها.
وهذا الأمر مكرر باستمرار طوال الوقت على مواقع التواصل الاجتماعي؛ فمثلا لو قلت إنه يجب الاهتمام بحقوق الحيوان فيقال "يعني سايب حقوق الإنسان وبتدور على حقوق الحيوان الأول"، من قال إنني لا أهتم بالإنسان؟! هل قلت ذلك؟ وهل الاهتمام بالحيوان يعني بالضرورة إهمال الإنسان؟ هل الأمران متعارضان مثلا؟ وهل يحق لأحد ترتيب أولويات شخص آخر، فيختار له المواضيع التي يناقشها؟ ولماذا تحدث عن أمر معين ولم يتحدث عن آخر؟
وباستخدام نفس المنطق نقول ما ذنب رجاء الجداوي في أنها حظيت بحقها في العلاج كمواطنة مصرية؟ وما ذنب الطبيب الشاب الذي فقد روحه بسبب الإهمال؟ وما ذنب الجمهور أن يتهم بالانحياز لطرف ضد طرف لمجرد أنه تعاطف مع أحدهم ولم يتحدث عن الآخر؟ من قال إن شهرة الفنان تغنيه عن المطالبة بحقوقه كمواطن؟ وهل كل المواطنين الذين أصيبوا بكورونا تم التعامل معهم مثلما حدث مع الطبيب أم مع رجاء؟... لو قلنا كل المواطنين تم إهمالهم مثل الطبيب فما كانت الدنيا لتقعد وما سكت المواطنون على ذلك، وإن قلنا تم التعامل مع الجميع مثلما حدث مع الفنانة، لما كنا قد وجدنا الكثير من الشكاوى في هذا الأمر.
تساؤلات كثيرة تثبت في النهاية أن التعامل لم يكن صحيحا على طول الخط، ولا خاطئا على امتداده، المخطئ في الإدارة يجب أن يُحاسب وليس المريض، وليس ذنب رجاء الجداوي أنها مشهورة فعلم الجميع بعلاجها، وليس ذنب الطبيب أنه غير معروف فتم إهماله، كلٌ له حق في هذا الوطن، وإما أن تطلب العدل للجميع وإلا فلا تطلب المساواة في الظلم.. لأنها ليست عدلا وستنالك عواقبها يوما ما.
اقرأ أيضًا:
ظهور يوسف فوزي... لو أن زاوية التصوير أعلى قليلا!