أخيرا شاهدت مسرحية البروفة على خشبة مسرح الهوسابير يوم الجمعة الماضي.
النية كانت معقودة منذ شهور لكن الفرصة لم تأت إلا قبل أيام .
النية معقودة لأن المسرحية لنفس فريق المسرحية الكوميدية الشهيرة "1980 وإنت طالع" والتي أحدثت دويا واسعا عام 2015 حتى أن أعضاء الفرقة قرروا أن يعيش اسم المسرحية طويلا بأن أطلقوه على الفرقة نفسها، أي أن "البروفة" هي مسرحية من إنتاج فرقة " 1980 وإنت طالع" .
النية معقودة أيضا لأنها من تأليف محمود جمال حديني أحد أبرز الأقلام المسرحية البارعة في العقد الأخير وشاهدت له أعمالا أخرى أكدت تمكنه وأنه سيكون علامة في سوق التأليف المسرحي فيما هو قادم من سنوات.
أما لماذا تأخرت الفرصة فهو لأن الفرقة لاتزال بدون ممول، تعمل بالجهود الذاتية، لم تتلق عروضا للتعاون مع الجهات الرسمية، والجهات غير الرسمية لا تفضل هذا النوع من المسرحيات.
مهلا لا تظن أن عبارة "هذا النوع من المسرحيات" تعنى أننا أمام عرض عميق يصيب المتفرجين بالكأبة ويدعوهم للتأمل، العرض فعلا يدعو للتأمل في أحوالنا لكن من خلال مواقف بسيطة ونابعة من حياتنا اليومية خصوصا تلك التي يعيشها شباب هذه الأيام، مع توافر لكم هائل من الضحكات لا أريد أن أبالغ وأقول أنه يتخطى ما جاء في " 1980 وإنت طالع" وأيضا في أعمال تجارية مثل "مسرح مصر" وغيرها .
ضحك لا يتوقف منذ الدقيقة الأولى لكنه متقطع كما يشير العنوان لأن المسرحية تعرض أياما معدودات تحت ضغط حسابات المكسب والخسارة ثم تختفي أسابيع ثم تعود مرة أخرى وهكذا.
سأحكي فكرة العرض لكن ليطمئن من سيشاهده لا يوجد أي حرق لأن الضحك في البروفة من الصعب تلخيصه ويجب مشاهدته كما يحدث على شبكة المسرح .
الفكرة تبدأ من فرقة مسرحية فقيرة في الإمكانات ، تبحث عن نص جديد للعودة للجمهور، يحاول الممثلين ابتكار مشاهد لعرضها على المخرج محمد جبر والذي يظهر كما باقي الأبطال بشخصيته الحقيقية، لا يجدون أفكارا جديدا فينقلون من القديم كما يعيش مجتمعنا بالكامل منذ سنوات على إرث النوستالجيا الذي كاد ينضب، لكن الضحك يتولد من التناقضات الناتجة عن إعادة كل ما هو قديم .
يظهر المخرج فيصاب بالإحباط، لكنه يحاول اقناعهم بالبدء من جديد، من التدريبات الأولية للممثل حتى تتولد الأفكار، ومع كل تدريب ينسج أبطال الفرقة مواقف وحوارات لا يمكن أن تتعايش معها إلا وأنت تشاهد العرض كاملا، فنصوص محمود جمال وعروض محمد جبر وباقي الفريق لا تستهدف جمهور اليوتيوب في هذه الحالة كما يحدث مع فرق أخرى يتابع الجمهور مقاطع بعينها عبر الإنترنت دون أن يفهموا أصل وفصل المسرحية.
العرض كما اعتدنا من هذا الفريق يتحدث عن الجيل المأزوم والذي لم تتغير أزماته منذ قدموا مسرحيتهم الأولى، لكنهم لازال قادرا على مواجهة الواقع بالضحك والسخرية والتمسك بشعاع من الأمل أرجو أن لا يفقده الأبطال سواء في عرضهم المقبل أو على أرض الواقع وهم يحمون مشروعهم من التوقف كما تعاني دوما المشروعات الفنية المستقلة.
نأتي لآخر وأصعب فقرة، ماذا يمكن أن نكتب عن الممثلين، كلهم بالفعل جيدين، وهناك من فاجئوني بأداء فوق المعتاد، مثل الإعلامية سالي سعيد التي لم أشاهدها كثيرا كممثلة لكنها في البروقة نضجت مسرحيا إلى حد كبير، فيما كانت المرة الأولى التي أشاهد فيها شريف حسني ممثلا وليس ضيفا على برامج تلفزيونية وكان من أبرز عناصر الإضحاك في هذا العرض، إلى جانب الثنائي المتفاهم المتجانس دائما، حاتم صلاح ووليد عبد الغني وكلاهما يحتاج لمزيد من الإنتشار والتسويق لأنهم بحق من أبرز مضحكي هذا الجيل ومن تابع عروض "أمين وشركاه "يعرفهما جيدا، العنصر النسائي هو الأقل عددا في العرض لكن سمر نجيلي ومروة الصباحي قدموا مجهودا وفيرا، فيما انتزع باقي الممثلين ضحكات الجمهور بقدر متساوي وخرج الناس وهم بدون ترتيب إسلام علي، محمد خليفة، محمد العتابي،علي حميدة، ، مصطفي محمد الشهير بـ "هات 200 جنيه "، فتحية للجميع على هذا العرض الرائع وأمنيات من القلب أن يستمروا في طريق خال من مطبات الإحباط.
برومو مسرحية البروفة