فيلم “‏The Two Popes‏”.. كيف تتطهر من خطاياك؟

تاريخ النشر: الأحد، 5 يناير، 2020 | آخر تحديث:
الملصق الدعائي لفيلم the two popes

في السنوات الخمس الأخيرة ذهبت جائزة الأوسكار لأفضل ممثل ثلاث مرات إلى ممثلين ‏في أفلام سِيَر أو أفلام تاريخية، إيدي ريدماين عن أدائه لشخصية ستيفن هوكنج في “‏The ‎Theory of Everything‏” (نظرية كل شيء) ثم جاري أولدمان عن أدائه لشخصية تشرشل ‏في فيلم “‏Darkest Hour‏” (الساعة الأحلك) وآخرهم رامي مالك عن دور فريدي ميركوري ‏في فيلم “‏Bohemian Rhapsody‏” (افتتان بوهيمي).‏

المعلومة الأخرى المهمة هنا، هي أن الأفلام الثلاث سابقة الذكر كانت لمؤلف واحد هو ‏آنتوني مكارتين، وهو نفسه مؤلف فيلم “‏The Two Popes‏” (البابوان) من إخراج فرناندو ‏ميريلس، الذي يدور في نفس إطار أفلام السِيَر ليصبح بذلك أحد أبرز المتخصصين في هذا ‏النوع من الأفلام في السنوات الأخيرة.‏

فهل جاء السيناريو جيدًا كما في “الساعة الأحلك” أم هزيلًا كما في”افتتان بوهيمي”؟

سيرة كاملة أم بضع ساعات؟

في “البابوان” نجد تحدٍ مختلف أمام صناع الفيلم، وعلى رأسهم مؤلفه، إذ يقدم الفيلم ‏شخصيتين لهما حساسية شديدة نظرًا لما يتمتع به بابا الكنيسة من قدسية لدى كثيرين، ‏بالإضافة لأن استقالة البابا بندكت جاءت في توقيت حساس للكنيسة الكاثوليكية كما سنذكر.‏

في فيلمي “نظرية كل شيء” و”افتتان بوهيمي” اختار مكارتين أن يقدم جزءًا كبيرًا من ‏مراحل حياة البطل، بينما ذهب إلى فترة زمنية محددة جدًا من حياة تشرشل في “الساعة ‏الأحلك” امتدت لأيام قليلة.‏

كلا النموذجين: السيرة شبه الكاملة أو الممتدة، أو المرحلة الزمنية المحددة، قدم أفلامًا ‏جيدة، وإن كان اختيار مرحلة بعينها يسمح بصناعة فيلم مكثف ويرصد الكثير عن الشخصية ‏في هذه المرحلة أحيانًا بشكل أفضل مما تقدمه الأفلام التي تتطرق إلى الكثير من تفاصيل ‏حياة أبطالها.‏

للوهلة الأولى، يبدو أن مؤلف “البابوان” اختار النوع الثاني، إذ تدور أحداث الفيلم بشكل ‏رئيسي عن الحوار الذي دار بين البابا بندكت السادس عشر (آنتوني هوبكنز) والكاردينال ‏الأرجنتيني بيرغوليو (جوناثان برايس) الذي سيصبح لاحقًا البابا فرنسيس، وذلك في مقابلة ‏مطولة بينهما، قبيل استقالة الأول من منصبه في سابقة هي الأولى من نوعها في الكنيسة ‏الكاثوليكية منذ القرن الخامس عشر، بينما كان الغرض الأساسي من المقابلة هي أن يقدم ‏الثاني استقالته من منصبه، وخلال المقابلة يكشف كل منهما عما يدور في ذهنه عن حال ‏الكنيسة ورؤيته لكيفية إدراتها.‏

هكذا نجد أن الفيلم يختار مرحلة بعينها لإبرازها، لكننا في النصف الثاني نجده يلجأ أيضًا ‏للأسلوب الآخر، إذا يستعرض في عدة مشاهد فلاش باك مراحل من حياة بيرغوليو، وهي ‏ما ترك تأثيره على شخصيته الحالية. ربما كانت هذه المشاهد مهمة لإعطاء المزيد من ‏التفاصيل عن الشخصية، لكنها في الآن ذاته ظهرت وكأنها لا تشبه الفيلم، وكأننا فجأة أصبحنا ‏نتابع فيلمًا آخر. خاصة مع ظهور ممثل آخر في شخصية بيرغوليو، وإن كان هذا الخيار لا يلام ‏عليه المؤلف وحده ولكن المخرج أيضًا، كما سنذكر لاحقًا.‏

حقيقة أم خيال؟

كما نود أن نشير دائمًا، السينما ليست دروس تاريخ، وفي الغالب يلجأ كتاب السيناريو إلى ‏إضافة بعض التفاصيل الدرامية التي لم تحدث في الواقع لإضفاء المزيد من الدراما على ‏الفيلم. فما هي نسبة الخيال في سيناريو “البابوان”؟

طبقًا لمقال على موقع ‏Time، فإن اللقاء الرئيسي بين البابوين لم يقع بالفعل، وإن كانت نية ‏بيرغوليو في الاستقالة حقيقية، ومن هنا انطلق المؤلف لتخيل هذا اللقاء والحوار الذي دار ‏فيه، مستعينًا بالمادة المتاحة عن الشخصيتين لتخيل الحوار الذي يمكن أن يقوله كل منهما ‏في موقف مثل هذا، وهنا يجب أن نتوقف عند السؤال الأول الذي بالتأكيد سأله كاتب ‏السيناريو قبل البدء في الكتابة: ما الذي نود قوله؟

هل سنركز على الباب بندكت وشخصيته؟ أم الأسباب التي دفعته للاستقالة؟ أم الفضيحة ‏التي لا تزال آثارها ممتدة والخاصة بتحرش بعض آباء الكنيسة الكاثوليكية بالأطفال؟ ‏جميعها أفكار مطروحة لسيناريو الفيلم.‏

اختار المؤلف أن يركز على التباين بين شخصيتي البابوين، بندكت الذي ينتمي للكتلة التقليدية ‏المحافظة داخل الكنيسة، وبيرغوليو الذي يمثل الطرف الأكثر انفتاحًا على الأجيال الجديدة ‏والقضايا المعاصرة، ومن خلال هذا التباين تتفجر الأحداث، فندخل إلى كيفية قبول أحدهما ‏للآخر، إذ تبدأ الأحداث وبندكت يرفض مجرد تخيل وصول بيرغوليو إلى كرسي البابوية، ‏وتنتهي وهما صديقان متفاهمان، ومن خلال هذا نمر سريعًا على بعض الأزمات الكنسية، ‏وإن لم يكن هذا هو محور تركيز الفيلم، وعلى تصور كل منهما لعلاقته بالله التي تنعكس ‏بالتأكيد على طريقة إدراته للكنيسة وتعامله مع شعبها، مع إفساح فصل مهم داخل الفيلم ‏لمحاولات كل منهما للتطهر من خطاياه.‏

نجح مكارتين في توظيف التباين بين الشخصيتين بشكل جيد في بعض المشاهد، فنتابع ‏بيرغوليو وهي يعيد بناء ذاته في الوحدة بعدما انتقل مُجبرًا إلى قرطبة، ويجد الله في هذا ‏المنفى من خلال الفقراء، بينما بندكت يشكو من أنه لم يعد يسمع صوت الله رغم إنه في ‏أعلى مكانة في الكنيسة. لكن في المقابل كان هناك استغلال مباشر وضعيف للتباين، ‏بيرغوليو بسيط المأكل والملبس أمام الآخر الذي يعيش في نعيم، وهو ما وضحه السيناريو ‏منذ البداية لكنه أصر على تكراره مرات ومرات حتى نهاية الفيلم بشكل أفقده قيمته تدريجيًا.‏

مكان واحد أم عدة أماكن؟


في الأفلام التي تعتمد على الحوار بشكل رئيسي، وتدور أحداثها في مكان محدد، تزداد ‏الصعوبة أمام المخرج لئلا يقع في فخ الرتابة، فما الذي فعله فرناندو ميريلس؟

حاول المخرج تقديم الحلول التقليدية في ما يتمثل في حركة الكاميرا التي جاءت في بعض ‏الأحيان حادة، فنجد العدسة تقترب فجأة من إحدى الشخصيتين وهي تتكلم، في حركة ‏أشبه بما يحدث في كاميرا نشرات الأخبار، ربما ود المخرج إضفاء شكل أقرب للفيلم الوثائقي ‏على فيلمه، ولكن النتيجة، وخاصة مع تكرار حركة الكاميرا تلك، بدت مصنوعة إلى حد كبير. ‏لكن هذا لم يكن الخيار الوحيد أمام المخرج لتفادي الرتابة، إذ استغل الأماكن المتاحة ‏بالشكل الأمثل سواء عن طريق حركة الشخصيات وهي تتكلم أو عن طريق تغيير زوايا ‏التصوير، وسواء في حركة الممثلين أو زوايا التصوير كان المخرج يستغل السيناريو والحوار ‏ويوظفهما مع الصورة لصناعة حالة متكاملة.‏

فنجد أن البابا بندكت يحتاج إلى الحركة المستمرة نتيجة سنه وأمراض الشيخوخة، وهي ‏تفصيلة في السيناريو يستغلها المخرج لمتابعة الشخصيات وهي تتحرك، ونجد أيضًا استغلالًا ‏جيدًا للكنيسة التي انتهى فيها لقاء البابوان بشكل مميز خاصة والكنيسة تمتلىء بالكثير من ‏الأيقونات المسيحية، والمساحة الواسعة لها مع وجودهما وحدهما داخلها، أعطيا تأثيرًا ‏أفضل لهذا الفصل الذي كان كلاهما يتحدث فيه عن علاقته بالله وقدرته على سماع صوته.‏

الخيار الأخير الذي نفذه ميريلس هو مشاهد الفلاش باك، التي جعلته يخرج من أماكن اللقاء ‏بين بطليه لأماكن أكثر اتساعًا، وإن كانت هذه المشاهد جاءت وكأنها لا تشبه الفيلم بصريًا، ‏وكأننا نشاهد فيلم آخر داخل الفيلم، خاصة مع بعد المسافة بين الظهور الأول لمشاهد ‏الفلاش باك والظهور الثاني ذو المدة الأطول.‏

لا نحتاج بالتأكيد إلى الكتابة عن الأداء شديد التميز لبطلي العمل، فقد يكون هذا هو أكثر ‏العناصر وضوحًا في الفيلم، ولكن ما كان يستحق التوقف عنده بالأولى هو السيناريو الجيد ‏الذي قدمه آنتوني مكارتين، والذي يمكن أن نقول أنه كفر به هو الآخر عن خطية ‏‏“‏Bohemian Rhapsody‏” مثلما حاول أبطال فيلمه التطهر من خطاياهم.‏

اقرأ أيضًا:

فيلم "الفلوس"... تامر حسني في فيلم جريمة

5 ملاحظات على العام السينمائي 2019