جديد نجوى نجار "بين الجنة والأرض".. لا شئ يمر مرور الكرام

تاريخ النشر: الخميس، 28 نوفمبر، 2019 | آخر تحديث:
بين الجنة والأرض

تحب المخرجة الفلسطينية نجوى نجار ثقافة الطريق، وقد وظفتها بشكل واضح بفيلمها الأخير "بين الجنة والأرض" الذي عرض لأول مرة عالميا في الدورة 41 من مهرجان القاهرة السينمائي، ضمن المسابقة الرسمية.

هذا الفيلم هو الثالث في تاريخ نجار سينمائيا بعد فيلمها "المر والرمان" و"عيون الحرامية"، لكن لا شك أن النضج في الصناعة ظهر جليًا هذه المرة وكاميرا نجار تتابع حكاية سلمى وتامر.

لا شيء يمر مرور الكرام في هذا الفيلم، وهو أداته طريق، والطريق دائما ما يجمع وجوهًا تحمل حكاية إذا ما سنحت الفرصة لروايتها، وهذا لب الفيلم، فهو ينتقل من قضية طلاق بين سلمى وتامير ليمر بقضايا وطن كامل ما زال يريد أن يتعافى ما زال يريد أن ينتصر، حتى فكرة الطلاق رمزية بالفيلم، لا يمكن أن يكون ثمة فيلم فلسطيني لا يريد أن يوصل رسالة، استطاعت نجار بكل رقة أن تنقلها من شخصية الى أخرى، ستتمنى طوال الوقت أن لا يتم الطلاق، ستحب تامير وتحب سلمى، و لا تريد أن تفهم ما المشكلة او انك تتورط بالتغاضي، لانها اذا كانت لها علاقة ببرود من قبل تامير وهو ابن شهيد تم اغتياله في بيروت، ستفهم أن ليس عليك ان تطلب منه كيف يعبر عن الحب، ستفهم أنه لو شعر بذلك لن تكون لديه الأدوات، ستفهم أن هذا التامير الذي فقد والده غدرًا لن يعرف ماذا يعني كلمة عطاء أو تجاوز القهر، لن تقف كثيرا أمام المشهد الذي يظهر به في البداية وهو يعيش بترف يخرج من بركة سباحة في منزله، لن يعنيك هذا التفصيل ستعي انه محاولة تعويض، في المقابل سلمى تلك الفتاة الجميلة وهي من الناصرة تعيش انتفاضتها الخاصة ضد عائلتها وتحديدًا والدها تعاتبه عن كيف وقع بفخ ما يسمى اليسار الإسرائيلي، وهذا أيضا تفصيل مهم تنتقل من خلاله نجار الى حكاية وقفت أمام اجراء إتمام الطلاق، بعنوان الأب الأصلي الذي يؤكد انه في الناصرة، هل رقم 67 وهو رقم قضيتهم كان عاديا، بالطبع لا، فله حكاية مع عنوان الوالد الذي بات هو محرك أحداث الفيلم، بحيث تتكشف أمورا ليس محبذا الكشف عنها لفرصة أمام الفيلم لينتقل بين المهرجانات ودور عرض السينما، لكنه بالتأكيد سيدخلك الى مسألة شديدة الأهمية تتعلق باليهود العرب، وهنا يكمن الذكاء في النص، بحيث يدرك المتلقي العنصرية التي عانى منها اليهود العرب في ظل كيان يدعي طوال الوقت ديمقراطيته، هذا التفصيل مبني على وقائع لها علاقة بعمليات خطف أبناء اليهود العرب ومنحهم لعائلات يهودية أوروبية، اذا انت ستقترب الى ما كتبه يوما غسان كنفاني في رواية عائد الى حيفا، ستشعر ببعض التفاصيل وهي تتحول الى صور تحديدا مع شخصية شابة اسمه تامير لأم يهودية عراقية.

الشخصيات التي ظهرت بالفيلم بلقطات قليلة، تركوا حكاياتهم بسيارة سلمى وتامير، مثل حكاية السائح و زوجته، الذين تعطلت بهم السيارة فيطلبون من تامير وسلمى أن يقلاهما وسلمى التي تحاول أن تقول أنه من الصعب أمنيا أن تقل اسرائيليًا، فيطمئنها أنا فرنسي يهودي، مسآلة الديانات تظهر بشكل مدروس، بخاصة أن تامير وسلمى مختلفي الأديان أيضا، في المقابل والطريق اصبح مظلمًا يجدان سلمى وتامير وقد وصلا الى مجدل شمس، لتسمع حكاية ظلم من لهجة سورية.

فيلم بدأ مشاهده الأولى برقم 67 رقم قضية الطلاق بين تامير وسلمى، وينتهي مع رقم 48 لتسمعه ثلاث مرات مصاحبا النداء، نداء يراد منه عدم الطلاق بين مدن فلسطين كلها، يراد منه إنصاف من تمسك بالأرض والهوية ولم يغادر بيته، يراد منه نبذ أوسلو و نبذ كل من وقف في خلق الفجوة.

فيلم نجوى نجار هذه المرة يستند على نص قوي وإدارة لممثلين استطاعوا ان يقنعوك بالرغم من كمية المشاعر المضطربة في كل شخصية، لا يوجد شخصية سوية نفسيًا، كيف من الممكن أن تتواجد مثل هذه الشخصية في فيلم فلسطيني، وهذا أيضا ضمن ما أرادت إيصاله نجوى نجار.