تتحول عطلة نهاية الأسبوع لعائلة إلى كابوس في الفيلم التونسي الفرنسي A Son أو"بيك نعيش" للمخرج مهدي البرصاوي، الذي ينافس في مسابقة آفاق السينما العربية بالدورة الـ41 لمهرجان القاهرة السينمائي.
تروي هذه القصة حكاية أب يتفكك عالمه بالكامل بعد إصابة ابنه بإصابة خطيرة في تبادل إطلاق نار بين إرهابيين وعناصر من الشرطة بصحراء جنوب تونس، ولعب الدور بذكاء الحائز على جائزة أفضل ممثل في العالم عام 2006 بمهرجان كان السينمائي عن فيلم Days of Glory سامي بوعجيلة.
تدور أحداث الفيلم أواخر صيف 2011 أي بعد مرور أكثر من 6 أشهر على ثورة الياسمين في تونس وسقوط بن علي ولكن قبل وفاة القذافي زعيم ليبيا، "فارس" وزوجته "مريم" زوجان ينتميان للطبقة فوق المتوسطة بتونس.. "فارس"رئيس تنفيذي لشركة مبيعات بينما شغلت مريم للتو منصب مديرة الموارد البشرية لشركة كبرى في الشرق الأوسط يركبان سيارة باهظة الثمن ويضحكان من النكات الجريئة يشربان الخمر ويقضيان وقتا ممتعا مع أصدقائهما احتفالا بترقية "مريم".. عزيز ابنهما البالغ من العمر 11 عاما طفل سعيد ومدلل من قبل العائلة الصغيرة.
تبدأ أحداث الفيلم عندما يذهب الثلاثة في عطلة نهاية الأسبوع إلى تطاوين ذات المناظر الخلابة تلك المدينة التي كانت مصدر إلهام للمخرج الأمريكي جورج لوكاس للكواكب الخيالية التي ظهرت في ملحمة Star Wars، ولكن فجأة يوقف الإرهابيون مسيرتهم المثالية عبر الصحراء.
أغنية يحب "عزيز" تشغيلها في السيارة حيث يتقاسم والده "فارس" معه قيادتها في الطريق إلى الاحتفال .."عزيز" يصر على سماع الأغنية مرة أخرى في طريق العودة من مكانه في المقعد الخلفي وبات مشهد التصادم بالنسبة لنا متوقعا في الوقت الذي يستمر الأب في إبعاد عينيه عن الطريق كي يمثل كلمات الأغنية بحركات يديه وبدلا من ذلك نسمع أصوات إطلاق النار من كل جانب وأصوات رجال يصرخون "الله أكبر" وعلى الرغم من تمكن "فارس" من قلب سيارته بسرعة إلا أن ابنه "عزيز" أصيب بجروح خطيرة عندما اخترقت رصاصة سيارتهم ثم كبده.
في المستشفى المحلي يخبر الجراح الذي يجسد دوره نومان حمادة كلا الوالدين أنهما بحاجة لإجراء فحص لمعرفة من هو الأكثر توافقا بينهما لمنح "عزيز" كبده، وبناءا عليه يوضع "عزيز" في قائمة الانتظار نظرا لأن ثقافة المتبرعين المجهولين بالأعضاء في تونس أمر غير قانوني وفقا للفتاوى الدينية الصارمة مما يجبر "فارس و"مريم" على مواجهة الماضي.
الطب الحديث يخبرك بالأشياء التي تحتاج إلى معرفتها وقد يخبرك بالأشياء التي لا تود سماعها، إذ يكشف اختبار الحمض النووي لاحقا أن "فارس" ليس هو الأب البيولوجي لـ"عزيز" لذا يستبعد تلقائيا من عملية زرع الأعضاء لجعل الأمور أكثر تعقيدا، على الجانب الآخر "مريم" ليس لديها نفس فصيلة الدم مما يجعل رفض كبدها أمرا مرجحا للغاية.
"مريم" تعلم جيدا أنها ارتكبت الزنا منذ زمن بعيد لكن لم يكن لديها أدنى فكرة أن الطفل ليس من زوجها "فارس"، كيف يمكن لها أن تعترف بخيانتها في الوقت الذي تحزن فيه على حال ابنها والضغط الواقع عليها إذ يحظر القانون التبرع بالأعضاء من خارج الأسرة وهناك قائمة انتظار طويلة والوقت ليس في صالح ابنها ، ويبقى الحل الوحيد للتخلص من هذا الكابوس هو أن تصبح "مريم" واضحة مع "فارس" بهذا الشأن ومحاولة تعقب الرجل الذي لم تتحدث إليه قرابة العشر سنوات لأن كبده فحسب هو منقذ ابنها.
على الجانب الآخر يتعاطف "السيد شكري" مع "فارس" في المستشفى، إنه التعريف الدقيق للشخصية المشبوهة ولكن دوافعه مفهومة من الناحية النظرية بقدر ما هي صادمة في كيفية ممارستها.
الفيلم ينتمي لنوعية الميلودراما التي تنطوي على حبكة فرعية واحدة وهي تعامل "فارس" مع الشخصية الانتهازية "شكري" الذي يقدم وسيلة غير قانونية ومقززة للغاية للعثور على كبد جديد وكأن "شكري" أو صلاح مصدق ينتمي حقا إلى هذه النوعية من الأفلام، وفي الوقت الذي ينصحه الناس باستمرار الثقة في الله يؤمن "فارس" بأن الوضع يتطلب أشياء أكثر جرأة من الصبر والإيمان.
فيلم "بيك نعيش" يستكشف تعبير "مسألة حياة أو موت" بشكل مقنع للغاية، وقد وجد الكاتب والمخرج مهدي البرصاوي طريقة ممتارة لإلقاء الضوء على تداعيات الثورة التونسية سياسيا واجتماعيا من خلال منظور انساني وشخصي ووصفه النقاد بأنه فيلم تم تصويره في العالم العربي بمناخ عالمي للفن.
ويعد الفيلم منفردا في الطريقة التي يقوم فيها الكاتب بتصعيد موجات الصدمة شيئا فشيئا ويوضح الأسئلة التي تبدأ في الظهور، كما يثير سامي بوعجيلة الذي ظل لسنوات يحرز لقب أكثر المواهب التمثيلية المميزة في أوروبا الانتباه منذ اللحظة الأولى إذ يجسد بشكل احترافي الغضب والارتباك والكبرياء الجريح لشخص يخبره قلبه بأن يفعل أشياءا لا يريدها.
كونك زوجا وأبا ورجلا في آن واحد يتطلب الكثير من الجهد لكن ماذا لو تم التشكيك في واحد من هذه الأدوار؟ أداء بوعجيلة المتواضع والذكي ينقل للمشاهدين هذه الأسئلة بمنتهى الوضوح.
اقرأ أيضا
ماريان خوري: "احكيلي" لا يعرض فضائح عائلتي
قول رأيك.. أفضل إطلالة لرانيا يوسف في مهرجان القاهرة؟