قبل حوالي الأسبوع، تم نشر جميع حلقات المسلسل اللبناني "دولار" على منصة "نتيفلكس" الدولية، ويعد "دولار"، ثاني محاولات نيتفلكس في صناعة محتوى عربي أصلي خاص بها.
ما هي نيتفلكس؟
"نتفليكس" هي منصة رقمية، لعرض الأفلام والمسلسلات، عن طريق الاشتراكات، وهي منصة لا تعتمد فقط على عرض الأعمال بل بدأت في عام 2013، بإنتاج محتوى أصلي خاص بها مع مسلسل "بيت من ورق"، الذي حقق نجاحاً مدوياً، وكان باكورة الإنتاج الأصلي لنتفليكس وغيرها من المنصات الشبيهة.
على الرغم من كون "نتفليكس" منصة أمريكية الأصل، إلا أن الاشتراك بها متاح عالمياً، لذلك سعت المنصة إلى إنتاج محتوي غير أمريكي للتوسع بشكل أكبر في الدول الأجنبية، وبالطبع، أحد أكبر الأماكن المستهدفة، هي منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي.
جاءت خطوة الإنتاج في الشرق الأوسط متأخرة قليلاً عن باقي الدول الأجنبية، بينما أنتجت المنصة عدة مسلسلات أوروبية وآسيوية وغيرها، لم تشرع في إنتاج محتوى عربي إلا من عام واحد تقريباً.
محاولات لصناعة محتوى عربي
أول محاولات الإنتاج العربي كانت من خلال مسلسل أردني يدعى "جن"، والذي على الرغم من أنه حصل على صيت كبير بسبب الجدل الذي أثاره حول مشاهد وألفاظ وصفت بالجرأة، إلا أنه كان محاولة متواضعة، على أقصى تقدير، بسبب الاستسهال والرداءة وعدم الأصولية، في صنعه، سواء من ناحية الفكرة والكتابة بشكل عام، أو من ناحية التنفيذ.
ثاني المحاولات، هو المسلسل اللبناني، "دولار" والذي عرض على "نتفليكس" قبل أيام، حلقات المسلسل منفصلة متصلة، حول رحلة شخصيتين، "زينة" و"طارق" للحصول على ورقة دولار واحدة، ستجعلهم يحصلون على مليون دولار، كجائزة لمسابقة لا يعلم بها سوى طارق وزينة بحكم طبيعة عملهما.
هل "دولار" محاولة محبطة كسابقه "جن"؟
العملين العربيين مختلفين في كل شيء تقريباً، "جن"، نوعه فانتازيا، حلقاته متصلة، قليلة العدد، وطاقمه غير معروف في العالم العربي، سواء كتابة وإخراجاً أو تمثيلاً، فكل طاقم التمثيل، وجوه شابة جديدة.
أما "دولار"، نوعه كوميدي درامي، حلقاته منفصلة متصلة، كثيرة العدد، طاقمه معروف عربياً، فهو من بطولة عادل كرم وأمل بشوشة، نجمين مشهورين في أنحاء العالم العربي، وكتابة هشام هلال، صاحب أعمال ناجحة عديدة آخرها "كازابلانكا" الذي تربع على عرش إيرادات الأفلام المصرية مؤخراً، وإخراج وإنتاج كل من، سامر برقاوي وصادق الصبان، وهو الثنائي الذي أنتج عدة مسلسلات ناجحة مؤخراً، مثل "تشيللو"، "نص يوم"، و"الهيبة" بأجزائه الثلاثة.
لكن للأسف، فعلى الرغم من الاختلاف النوعي والإنتاجي مختلف، إلا أن "دولار" يعتبر فشل جديد، في محاولة الإنتاج العربي لنتفليكس أو لنقل إحباط جديد.
أسباب هذه الإحباط تتنوع بين الأسباب الفنية والأسباب الإنتاجية والاقتصادية.
الأسباب الفنية
الأزمة لدي الأبطال تتمحور حول حصولهما على ورقة الدولار، والذي يخوضون سلسلة من المغامرات حتى يحصلون عليه، لذا فكل حلقة تمثل مغامرة مختلفة وهذا هو الجزء المنفصل، أم الجزء المتصل، هو الخاص بتاريخ الشخصيات وتتطور علاقتهما ببعض.
جزء المغامرات عانى من مشكلتان، الأولى، الإكثار من الصدف، الصدف جزء من الدراما المبني عليها المسلسل وهو أمر مقبول، لكن الغير مقبول أن تكون الصدف هي حل للمشاكل التي يقع به الشخصيات في كل مرة تقريباً.
المشكلة الثانية، تكمن في التطويل والمط، فحلقات المسلسل خمسة عشر، كان يمكن بسهولة أن تكون عشر حلقات أو ثمان حلقات، وهو المعدل المتعارف عليه في أغلب مسلسلات نتفليكس العالمية، لكن خمسة عشر حلقة هو رقم كبير على المفارقة المبنية عليها الأحداث، خاصة أن الأحداث تتكرر، ومن المسهل معرفة مصير كل مغامرة، طارق وزينة دائما سينتهي بهم الأمر بفقد ورقة الدولار في آخر لحظة، بحيث تبدأ مغامرة جديدة في الحلقة التالية، ونتيجة لذلك، فقد المسلسل كثير من نقاط تميزه مع الوقت، مثل المفارقات الطريفة والكوميدية بين البطلين، يمكن القول إن أفضل الحلقات، كانت حلقة الساحر ودكتور الجامعة ولوكيشن التصوير، وجميعهم كانوا قبل الحلقة العاشرة.
بعد ذلك، أي بعد الحلقة العاشرة، انهار المسلسل تماماً، وهذا يسحبنا إلى الحديث عن الجزء المتصل من الحلقات، أي تركيبة شخصيتي طارق وزينة وتاريخهما، تطور علاقتهما ببعض هو شكل التطور الكلاسيكي في أعمال الدراما الكوميدية، شخصان لا يطيقان بعضهما، لكن تجمعهما المصلحة ليتشاركا في رحلة، وبنهاية هذه الرحلة، يكتشفان أشياء جديدة عن نفسهما، ويتغيرا، وربما يقعان في حب بعضهما البعض أو على الأقل يثقا في بعضهما.
تطور علاقتهما كان شديد البطيء وغير مدروس، كأنه دائري، فيحدث أمر ما يجعلهما يثقان في بعضهما البعض، ثم نرجع مرة أخرى في الحلقة القادمة إلى نقطة الصفر، وما زاد من الطين بلة، هو نهاية المسلسل، فصناع المسلسل أرادوا ترك الباب مفتوح لموسم ثاني، وفى المقابل، دمروا تتطور علاقتهما، وشخصياتهما على مدار المسلسل.
تاريخ الشخصيات أيضاً غير محكم، فطارق مثلا تم الإشارة لتاريخ علاقته بطليقته، بمشهدين أو ثلاث في البداية، لإثارة فضولنا لمعرفة سبب انفصالهما وتاريخ طارق نفسه، وهو ما لا يحدث، حتى تأتي الحلقة العاشرة، ويمكن القول إن نتيجة الانتظار كانت محبطة، فجاء تفسير انفصالهما في غاية الاستسهال، وكتابة المشهد نفسها لم تكن جيدة على الإطلاق.
أما زينة، فتم إعطاء مساحة أكبر لتاريخها، مع رفيقها الذي ترغب بالزواج منها، شخصية زينة لا تثير على التعاطف في هذا الجزء على الإطلاق، فهي شخصية متلاعبة، أنانية، فهي تعيش في شقة يملكها رفيقها، تحثه على الانقلاب على أهله، للزواج بها، وفوق هذا كله هي لا تعرف إذا كانت تحبه أم لا.
المشكلة إن تتطور رحلتها مع طارق، لا يغير منها أبداً، بل على العكس، النتيجة التي تصل لها، إنها هي من تم استغلالها من رفيقها!
الأسباب الإنتاجية
على الرغم من أن المسلسل يعرض على منصة دولية، مثل نتفليكس، إلا أنه لا يفرق شيئاً عن المسلسلات الرمضانية، سواء من ناحية المط في الأحداث، أو من الناحية التنفيذية، أو من الناحية الرقابية، فصناع المسلسل لا يستغلوا أبداً مساحة الحرية المعطاة لهم، ولجأوا إلى الحلول السهلة والمكررة.
في النهاية، مسلسل "دولار" على الرغم من لطافة وظرف أحداثه في بعض الأوقات، إلا أنه كمجمل، تجربة محبطة وغير ممتعة، ويضاف إلى قائمة فشل نتفليكس في إنتاج محتوى عربي، فنحن الآن بانتظار، التجربة المصرية، من خلال مسلسل "ما وراء الطبيعة"، فهل ستأتي النتيجة مختلفة؟