بينما كنت أفكر في كتابة هذه السطور أثناء قيادتي للسيارة خرجت من إحدى محطات الراديو أغنية هاني شاكر الشهيرة " قلبي مالو ..إيه جرى له ..إيه غيره حالو"، وجدتني أرددها حتى النهاية رغم أنني لم أستمع لها منذ زمن بعيد.
لهاني شاكر مكانة فنية وموسيقية لا يزايد عليها إلا من يدعى زورا أنه يفهم في الموسيقى، ورغم أننى أنتمى لجيل نشأ على أغنيات عمرو دياب ومحمد فؤاد وقت المنافسة الشرسة بينهما في بداية التسعينيات، لكننا لم نغفل أبدا أغنيات المطرب الذي كان مذيعات اليوم المفتوح بالتليفزيون المصري يقدمونه دائما باعتباره لحق جيل الكبار وآخرهم عبد الحليم حافظ.
كان من بيننا من يستدعي هاني شاكر في بدايات العلاقات العاطفية في مدرجات الجامعة وهو يقول "كله يهون علشان خاطر أحلى عيون" وعندما تفشل القصة سريعا يستمع للصوت نفسه وهو يقول "متهدديش بالإنسحاب من حياتي".
قبل أن يصبح أميرا للغناء العربي، كان صوت متوجا على قلوب الكثيرين، وحتى عندما اتجه للأغنيات الحزينة، "غلطة" و"تخسري" و"ولو بتحب حقيقي صحيح" لم يقلل ذلك من مكانته ومن كانوا يسخرون من كل هذا الحزن كانوا يستمعون لتلك الأغاني بإقبال ملحوظ، وهم يضعون في الإعتبار أغنيته الأكثر بهجة "علي الضحكاية علي".
المقدمة طالت لكنها إطالة ضرورية للتأكيد على أهمية الفصل بين تاريخ هاني شاكر كمطرب وأدائه كنقيب للمهن الموسيقية، وهو الفصل الذي يجب أن يضعه أمير الغناء العربي في الحسبان، حيث بات حساسا أكثر مما يجب تجاه أي نقد أو حتى محاولة للفت الانتباه لقصور في أداء النقابة أو بمعنى أدق هؤلاء المتحكمين في النشاط الموسيقى في مصر، القادرين دوما على عزل أي نقيب عن القضايا الأساسية، وإشغاله بالفرعيات، بينما هو الذي يقف وحده في وجه مدفع الرأي العام.
المتحكمون في النشاط الموسيقي ليسوا فقط موظفي النقابة المزمنين، الثابتين في أماكنهم مهما تغير النقباء، وإنما أبواق السوشيال ميديا، هؤلاء الذين يمسكون الريموت كونترول ويظنون أنهم قادرون على توجيه كل شيء حسب أرائهم الشخصية أو مصالحهم الخاصة.
أكبر دليل على ذلك القرار الذي صدر مؤخرا عن النقابة، ممهورا بتوقيع هاني شاكر، الذي يمنع كل مطربي المهرجانات من العمل بشكل بات وبدون استثناءات، لتكتمل المسرحية الهزلية التي بدأ فصل جديد منها قبل شهور بكوميديا مطاردة "حمو بيكا" ومن معه، وسبق ذلك محاسبة محمد رمضان لأنه يقدم استعراضات وهو يغني، ومن قبله شيرين عبد الوهاب وأزماته التي تكبر دون داعي، وقبلهم الجيل الأول من مطربي المهرجانات، لتتحول النقابة إلى رقابة، فتتداخل الأدوار، ويصبح المنع الذي لن يطبق كما يظنون ثرثاروا السوشيال ميديا هو الأساس.
مرة أخرى وبعد التأكيد على مكانة هاني شاكر الفنية، أؤكد أنني شخصيا لست من هواة مطربي المهرجانات، ولا استمع إلا لبعض ما يقدمون، ومازالت أخطىء في التمييز بينهم، لكن ما أعرفه وأنا أتابع الحياة الفنية منذ 20 عاما، أن دور النقابة هو التنظيم وليس المنع، وما لدى من معلومات يقول أن 70% من دخل النقابة في الفترة الأخيرة من رسوم حفلات مطربي المهرجانات، وما أدركه أيضا أن مبدأ "السيئة تعم" لا يصح أن يطبق في أي نشاط فني أو إبداعي، وأنه لا يوجد في العالم قرارات منع بالجملة كما حدث في القرار الشهير الذي صدر قبل العيد بأيام.
ما أعرفه ويقول به المختصون وسينفذه موظفو النقابة أجلا أم عاجلا، هو أن المنع يكون لمن يخالف القانون، لا لمن يقدم فنا ليس على هوى إحدى فئات المجتمع، المنع يكون لمن يغني كلمات مسفة، يسرق ألحانا وهم كثر ولا تفعل لهم النقابة شيئا بالمناسبة، لمن يغني في أماكن غير مرخصة، لمن يستعين بفتيات قاصرات للغناء في ملاهي ليلية، كل هذا يحدث ويمر دون محاسبة، بينما يكتفى النقيب هاني شاكر ومن معه بقرارات عنترية غير قابلة للتنفيذ، فيمنع كل من يغني المهرجانات ليوجه رسالة سلبية مزودجة، الأولى لجمهور هذا الفن، أن أكبر كيان مسئول عن الموسيقى في مصر غير معترف بذوقكم الغنائي وسيمنع بالقوة من تستمعون إليهم، والرسالة الثانية لمطربي هذا الفن، ومنهم من بات مطلوبا في مهرجانات موسيقية عربية وعالمية، بأن لا فرق بينهم وبين من يقدم كلمات مسفة، ومن خرج ليقلد هذه الموضة ثم اختفى، ما يقدمه المحترفون من مطربي المهرجانات اسمه "راب شعبي" يمكن ببساطة للنقابة أن تضم هذا النوع من الإنتاج الموسيقي وتقننه، وتتابع نوعية الكلمات التي يقدمها للجمهور، النقابة مهمتها الفرز ودعم الجيد والمحترم وليس المنع من المنبع.
إقرأ أيضا: مي كساب تناشد الموسيقيين بفتح شعبة جديدة لمغنيين الراب الشعبي
إذا كان لدى نقابة الموسيقيين القدرة على الاستغناء عن الدخل الذي تحصل عليه من رسوم حفلات هؤلاء المطربين فلتعلن ذلك صراحة وتكشف للرأي العام نسبة هذا الدخل بالمقارنة بمداخيل باقي الحفلات، كذلك يجب أن يقدم للرأي العام كيف سيتعامل مع الإنتشار الأوسع الذي سيحققه كل الممنوعين عبر اليوتيوب وغيرها من المنصات كرد فعل على تغييبهم التام من الحفلات والنشاطات التي تشرف عليها النقابة، مرة أخرى أتحدث عن هؤلاء الذين غيروا من أدائهم وباتوا ينتقون كلمات أغنيات بعيدة عن الإبتذال والإسفاف ومع ذلك لم يفقدوا جماهيرتهم بل زادت وتوسعت لكن يبدو أن المحيطين بهاني شاكر يحجبون عنه الرؤية ويدفعونه إلى اتخاذ قرارات تجعلنا كجمهور للمطرب الكبير قبل أن يصبح نقيبا نسأل بدهشة، هاني شاكر مالو، إيه جرى له؟
إقرأ أيضا: