"ولاد رزق 2".. كيف عاد أسود الأرض؟

تاريخ النشر: الجمعة، 9 أغسطس، 2019 | آخر تحديث:
صورة من الفيلم

ليست الأجزاء الثانية من الأمور المعتادة في السينما المصرية، لدينا بعضها بالطبع، مثل ”عودة أخطر رجل في العالم“ (1972) أو ”بخيت وعديلة 2: الجردل والكنكة“ (1996)، أو عمل أحدث نسبيًا هو ”الجزيرة 2“ (2014)، لكنها تبقى محاولات قليلة ونادرة.

لكننا نلتقي خلال العام الحالي، وخلال موسم واحد هو موسم عيد الأضحى بثلاثة أفلام هي الأجزاء الثانية لأفلام عرضت من قبل، وهي: ”الكنز 2: الحب والمصير“ و“الفيل الأزرق 2“ (عرض قبل العيد بحوالي أسبوعين)، و“ولاد رزق 2: عودة أسود الأرض“، وهو الفيلم الذي سنتناوله بالتحليل في السطور التالية.

يلوم بعض المتابعين صناع الأجزاء الثانية من زاوية أنها مجرد استثمار لنجاح الفيلم الأول، ولكن ماذا يضير إن كان صناع الأفلام يستثمرون النجاح ليصنعوا أفلامًا جيدة؟ فهل كان ”ولاد رزق 2: عودة أسود الأرض“ للمؤلف صلاح الجهيني والمخرج طارق العريان مجرد استثمار للنجاح أم إضافة جيدة لأفلام هذا العام؟

نظرة للجزء الأول

توجد عبارة إنجليزية شهيرة تقول: ”If it ain’t broke, don’t fix it“ بمعنى ”إن لم يكن مكسورًا، فلا تصلحه“، ويمكن القول أن هذه العبارة هي ما اعتمد عليه صناع الفيلم.

يعلم صناع الفيلم جيدًا أن المشاهد بطبيعة الحال سيعود لمشاهدة ما أحبه في الفيلم الأول، وهكذا نجد أن الجزء الثاني يلتزم إلى حد كبير جدًا بترتيب فصول الجزء الأول، لكنه يتفوق عليه بالطبع في بعض التفاصيل بينما يحتفظ الجزء الأول بتميزه في تفاصيل أخرى، سواء في السيناريو أو الإخراج. ولنبدأ مع السيناريو.

أحد العناصر المهمة التي ساهمت بقوة في نجاح الجزء الأول الذي عرض عام 2015 هي سيناريو الفيلم الذي ينتمي لنوع الجريمة والتشويق.

حبكة مثيرة ورسم شخصيات جيد يستغلها السيناريو بشكل موفق فلا نجد من شخصيات ولاد رزق الأربعة ومساعدهم عاطف من هو زائد على الحد أو موجود بغرض إضافة الكوميديا مثلًا أو الاستفادة من نجومية ممثل بعينه دون أن يكون للدور تأثير حتى ولو كان طفيفًا، وهو ما شكل صعوبة بالطبع في الجزء الثاني، إذ كان على المؤلف أن يستغل الأخوة الأربعة أو أن يلجأ لحيلة سهلة وغير جيدة فيتخلص من أحدهم. اختار الجهيني الخيار الأصعب وقرر الحفاظ على ولاد رزق بأكملهم، وحاول أن يجد دورًا مؤثرًا لكل منهم، نجح في ذلك بالفعل مع رضا (أحمد عز) وربيع (عمرو يوسف) اللذان يستمران بنفس تفاصيل شخصيتيهما، بينما نجد أدورًا طفيفة لكل من رجب (أحمد الفيشاوي) ورمضان (كريم قاسم)، لم تكن ذات تأثير كبير، ولكنها ضمنت استمرار الأربعة معًا خلال الفيلم.

بالإضافة لتوظيف الشخصيات في الجزء الأول، كانت التفصيلة الأهم في الفيلم هي تعاقب فصوله بشكل جيد حتى نصل للفصل الأخير وذروة الفيلم ونكتشف الـ Twist أو الالتواءة المكتوبة بشكل مُحكم في النهاية، وحتى تكون الالتواءة جيدة، فيجب أن تكون منطقية بقدر ما هي مفاجئة، بل يمكن القول إن المنطق أهم من المفاجأة، فإذا أراد المشاهد أن يعيد النظر للفيلم مرة أخرى في ظل هذا الكشف سيجد ترتيب الأحداث منطقيًا، وهو ما لا نجده في الكثير من الأفلام المصرية، ونجده في ”ولاد رزق“.

التشويق أم الحبكة؟

السطور التالية تكشف بعد تفاصيل القصة./big>

تدور أحداث الفيلم بعد مرور فترة غير محددة من نهاية أحداث الجزء الأول، ولاد رزق يلتزمون بالعهد الذي قطعوه بالبعد عن السرقة، مما يؤدي لتدهور أحوالهم المادية تدريجيًا إلى أن يظهر رؤوف (محمد ممدوح) الضابط المفصول والذي يستعين بهم في بعض عمليات السرقة التي تدر عليهم مالًا وفيرًا حتى يصلوا إلى عملية تعرضهم إلى خطر كبير وتهدد حياتهم.

يستغل السيناريست صلاح الجهيني بشكل جيد عدم وجود الحاجة إلى التأسيس والتعريف بالشخصيات في هذا الجزء، وهكذا نجد أنفسنا في قلب الأحداث منذ المشهد الأول. لا يضطر الفيلم إلى لي ذراع الأحداث أو الشخصيات حتى يدخل إلى جزئه الثاني بل يأتي التمهيد منطقيًا، والدافع لعودة ولاد رزق للإجرام أيضًا منطقي.

ومثلما شاهدنا أغلب أحداث الجزء الأول بطريقة الفلاش باك على لسان رجب (أحمد الفيشاوي)، نتعرف على أحداث الجزء الثاني من خلال الفلاش باك أيضًا ولكن على لسان عاطف (أحمد داود) الذي يحكي إلى الديبلوماسي كمال (خالد الصاوي) تفاصيل بداية الحكاية.

ننتقل إلى الفصل الخاص بواحدة من العمليات الكبرى التي يقوم بها ولاد رزق لصالح رؤوف لسرقة عقد أثري من يد الصقر (إياد نصار) وهو من الفصول المثيرة في الفيلم، والذي يعيد إلى الذاكرة عملية سرقة الشربيني في الجزء الأول، وهنا نتوقف عند نقطة مهمة ليست في صالح الجزء الثاني.

كان للعملية في الجزء الأول أهمية كبيرة لسببين، الأول أنها كشفت كيفية تخطيط ولاد رزق لعملياتهم بذكاء، والثاني وهو الأهم هو تأثيرها الواضح على مجرى الأحداث، فبعد إصابة رمضان يقرر رضا التوقف عن عمليات السرقة وهو ما يؤدي لتطور الأحداث التي وصلت بالفيلم إلى ذروته.

في الجزء الثاني سنجد أن العملية أضافت نسبة كبيرة من التشويق لأحداث الفيلم، بداية من التخطيط لها وخطوات تنفيذها وصولًا لانتهائها بواحدة من مطارادات السيارات الممتعة، ولكن ماذا أضاف هذا الفصل فعليًا للحبكة؟ بعد انتهاء هذه العملية بشكل متوتر، يواصل رضا وأخوته العمل مع رؤوف في عملية سرقة جديدة وهي التي تدور حولها الحبكة الرئيسية للفيلم، إذا انتقلنا مباشرة من بداية اتفاق رؤوف مع ولاد رزق إلى هذه العملية الأخيرة دون المرور بعملية العقد لم تكن الأحداث ستفتقد شيئًا، إذ أن ما شاهدناه في أحداث سرقة العقد -على إثارته- لم يترك أثرًا على الأحداث أكبر من تعريفنا بشخصية عباس الجن (باسم سمرة) التي كان يمكن أيضًا أن نتعرف عليها في الفصل التالي، وهكذا نجد أن سرقة العقد أضافت للتشويق لكن لم تضف للحبكة.

لكن الأحداث تتوالى بعد ذلك لنتعرف على تفاصيل الفصل الأهم في الفيلم الخاص بمحاولة النصب على الديبلوماسي كمال وسرقة مليوني دولار منه، وهنا يرتفع مستوى التشويق مرة أخرى، بطريقة مميزة، إذ يتشعب الصراع إلى أكثر من جبهة، رؤوف وعباس وكمال في مقابل ولاد رزق، مع وضع المُشاهد في حيرة لمعرفة من هو العدو ومن هو الحليف، وتستمر هذه الحيرة حتى مشهد النهاية، الذي وإن حزره بعض المشاهدين مبكرًا فإنه لم يفسد من متعة مشاهدة الفيلم، وهذا لأن هناك جانبًا آخر للفيلم سنتحدث عنه الآن.

أعد المشاهدة مرة أخرى

كما ذكرنا في البداية، قرر المؤلف والمخرج الحفاظ على مكتسبات الجزء الأول والبناء عليها، فما الذي فعله طارق العريان؟

بالعودة إلى مفهوم الالتواءة، واحد من الجوانب التي تميز فيلم جيد يحتوي على التواءة جيدة من فيلم متواضع يحتوي على التواءة جيدة، هي رغبة المشاهد في العودة لمشاهدة الفيلم مرة أخرى حتى بعد معرفة نهايته، وذلك لوجود عناصر أخرى تجذبه في الفيلم، وهو ما يمكن أن نطبقه على ”ولاد رزق“ في جزئه الأول، فبجانب الحبكة الجيدة، يحتوي الفيلم على مَشاهد أكشن منفذة بشكل جذاب، بالإضافة لتوظيف جيد لأغلب الممثلين يُخرج أفضل ما في جعبتهم.

يحافظ العريان على هذا الجودة في صناعة الفيلم في الجزء الثاني، وسنتوقف عند نقطتين، لنبدأ مع كسره لواحدة من الكليشيهات التي باتت مسيطرة على مشاهدي السينما في الآونة الأخيرة، وهو الخاص بـ“الكادرات الحلوة“. هذه العبارة التي باتت منتشرة على صفحات فيس بوك مع بعض الصور لتكوينات تخطف العين بالفعل من أعمال مختلفة، ولكننا يجب أن نعود لنؤكد أن المخرج ليس دوره صناعة ”لقطة حلو“ بل لقطة موظفة لخدمة الفيلم.

يختار طارق العريان حجم وتكوين اللقطات بشكل مناسب في المشاهد المختلفة بالشكل الأنسب لطبيعة المشهد واللقطة. مع وجود الأخوة الأربعة ومعهم عاطف في أغلب اللقطات، يوفر المخرج اللقطات العامة التي تضم جميعهم للحظات التي تستلزم رصد ردود أفعالهم معًا بينما يستخدم في الغالب اللقطات المتوسطة لمتابعة الشخص الذي يتحدث، بينما كان يمكن أن يلجأ للتكوينات الجمالية مستغلًا هذا العدد دون توظيف للّقطة.

كذلك نجده يحاول أن يجد حلولًا للمكان الثابت الذي نعود إليه عدة مرات أثناء الاستماع لاعترافات عاطف أمام كمال، مع ملاحظة أن عاطف مقيد، فنجد كمال في كل مرة يغير من مكانه أو يتحرك أثناء الاستماع لكسر رتابة المكان الواحد، أو يختار المخرج زاوية مختلفة للتصوير.

وقبل أن نترك اللقطات يجب أن نتحدث عن تلك التي من منظور عين الطائر المأخوذة بالدرون (Drone) والتي صارت من العلامات المميزة للكثير من أفلام الحركة مؤخرًا، إذ يفرط المخرجون في استخدامها بداعٍ أو دون داعٍ، هنا نجد هذه اللقطات مستخدمة في التأسيس للأماكن في بدايات المشاهِد فقط.

النقطة الثانية في ما يخص الإخراج، هي ربط المُشاهد بالمكان وبالتالي إضفاء جانب آخر من الحياة للشخصيات. الشقة التي يعيش فيها ولاد رزق وسقيفتها هي أماكن مهمة يرتبط بها المشاهد من الجزء الأول -ويجب هنا أن نشير إلى التصميم الجيد للديكور من قبل محمد عطية- ولهذا يعيد المخرج تصويرها في لقطات شديدة القرب من الجزء الأول، حتى يزداد المُشاهد ألفة مع الشخصيات، وهو ما ينطبق أيضًا على منطقة الأشجار التي يذهب إليها رضا ليفكر ويضع خططه بنفس الصورة في الجزئين. يضاف إلى هذه الأماكن محطة الوقود التي شكلت مقرًا لرؤوف، والتي صارت علامة مميزة جديدة مرتبطة بالشخصية.

الجانب الآخر المهم في ما يخص الأماكن -وهو علامة مميزة لدى طارق العريان- هو استخدام أماكن معروفة للمشاهد لتكون مسرحًا لبعض الأحداث المهمة، فعكس المتبع في المطارادات في الأفلام المصرية التي نجد فيها السيارات تسير مسرعة في الخلاء ثم تصطدم فجأة بأقفاص الفاكهة وكأن هذا ما يجعل المطاردة حقيقية، نجد طارق العريان يستخدم لقطة علوية في أحد مشاهد المطاردات ليعرض لنا مدخل نفق الأزهر الذي تستمر المطاردة داخله ثم نشاهد السياراتين وهما تخرجان من نهايته، حتى وإن كان النفق خاليًا على غير العادة فإن هذا يضفي شيئًا من القرب بين المشاهد وما يحدث أمامه على الشاشة.

فيلم ”ولاد رزق 2: عودة أسود الأرض“ هو جزء جديد من فيلم ناجح، يستغل نجاح الجزء الأول ويضيف إليه بشكل جيد ليقدم لنا فيلم جريمة وتشويق يمكن الاستمتاع به لعشاق هذا النوع، ويثبَت خطى الثنائي صلاح الجهيني وطارق العريان.