محمود عبد العزيز يبكي في العرض الخاص لفيلم "الكيت كات" ويذهب للمخرج داود عبد السيد ليعتذر له عن اعتقاده السابق بأنه عمل للمثقفين فقط وكئيب، لذلك كان يلقى الإيفهات من أجل أن يدمج الكوميديا ليكون العمل خفيفا، وهو ما كان يرفضه داود حتى لا يبتعد عن الرؤية التي يضعها للفيلم.
هذا ما ذكره الممثل أحمد كمال في لقاء تليفزيوني، اخترنا أن نبدأ به هذا المقال عن فيلم "الكيت كات" لكي نؤكد أن رؤية المخرج هي الأساس، وأن مدى قدرته على السيطرة على لوكيشن التصوير والممثلين تحدد نسبة نجاح الفيلم واستمراره دائما في ذاكرة المشاهد، وذلك شريطة أن يكون المخرج متميزا في الأساس، وذلك لا ينتقص إطلاقا من قدرة الممثل - وهو هنا محمود عبد العزيز- في اتقان تجسيد الشخصية.
تحويل رواية ناجحة إلى عمل فني أمر ليس بالسهل، فرغم أن عامل النجاح يكون متوفرا وهو وجود نص قوي إلا أن لمسات المخرج وكاتب السيناريو على العمل الأدبي تعد المشكلة الأكبر التي تواجه أي فنان، وهو ما تغلب عليها المخرج داود عبد السيد في فيلم "الكيت كات" الذي يعد تحفه فنية بمعني الكلمة وأحد روائع السينما المصرية في فترة التسعينيات، عن راوية إبراهيم أصلان "مالك الحزين".
"عرايا في الطريق" كان الاسم المبدئي الذي رفضته الرقابة على المصنفات الفنية، ليختار داود عبد السيد بعد ذلك للفيلم عنوان "الكيت كات"، هذا العمل الفني الذي يصور معاناة رجل كفيف "الشيخ حسني" يرفض الاعتراف بعجزه وهي الرسالة التي قد تأتي إليك من الوهلة الأولى أثناء مشاهدة الفيلم، لكنها الرسالة الأبسط لعمل فني يكشف عيوب شخصياته التي تعد نماذج حية من المجتمع المصري، كما يتمتع بحرفية المزج بين الحالة الإنسانية والمشاعر التي تتسلل إليك اثناء مشاهدته والكوميديا السوداء التي تجعل منه خفيفا على القلب.
الرسالة الأبرز في الفيلم أنه يقدم حياة المهمشين وأشخاص يتمتعون بنعمة الأبصار ولكن يعجزون عن الرؤية بسبب الظروف الصعبة والمجتمع الذي يعيشون فيه، وحقق العمل نجاحا كبيرا عندا عرضه عام 1991، وهو التجربة الثانية لمخرجه دواد عبد السيد في مسيرته التي تضمنت 9 أعمال روائية، وساعد في نجاح الفيلم أن مؤلفه إبراهيم أصلان عاش في هذه المنطقة الشعبية مما جعله يتمكن من رصد الحالة بجودة أكبر ونلقها للمتلقي بطريقه تجعله يتعايش مع شخصياته والحالة التي وضعنا فيها.
الشيخ حسني شخصية حقيقية
قال الفنان محمود عبد العزيز إن الشيخ حسني شخصية حقيقية في حي الكيت كات ولكنه توفي وكان اسمه الشيخ "محسن"، وكان متحديا لفقدان بصره كما جاء بالفيلم، والغرض من القصة هو دعوة للأمل وتجاوز العجز، من خلال رجل محروم من نعمة البصر ويعيش بخياله ويغني ويشاهد سينما ويقود دراجة نارية.
وأكد أنه خلال التصوير كان لا يرى بالفعل حيث يضع عدسات لاصقة بيضاء بها ثقب صغير يستطع الرؤية قليلا من خلاله، كان يحدق في الديكور وموقع التصوير قبل البدء حتى يتحرك بطريقة صحيحة، وذلك ليعيش مع الشخصية بتعبيراتها، وتأثره به لدرجة البكاء في بعض المشاهد وتمنى أن يتمتع بقوة إرادة الشيخ حسني.
شخصيات الفيلم تعيش لوقتنا الحالي
ارتبط الجمهور مع شخصيات العمل لدرجة كبيرة ويعد محمود عبد العزيز من أبرز عناصر نجاح الفيلم، إذ جسد دور الرجل الكفيف خفيف الظل ومدمن الحشيش في نفس الوقت، وبات تقديم مثل هذه الشخصية في عمل فني آخر بمثابة اختبار قاسي لأي ممثل.
بخلاف الشيخ حسني، هناك شخصية أخرى وهي "الهرم" التي برع فيها نجاح الموجي وأحبها المشاهد رغم أنه تاجر مخدرات، فالشخصية تعيش معنا حتى وقتنا الحالي، فدشنت صفحات عبر مواقع التواصل الاجتماعي تحمل اسمه وتطلق الـ "كوميك" مع كل حدث جديد، على غرار إيفهاته في الفيلم ومنها "صح بس هنكر".
مشاهد مؤثرة لا تنسى
هناك العديد والعديد من المشاهد التي لا تمحى من الذاكرة مثل مشهد تمكن الشيخ حسني رغم فقدانه البصر من الهروب اثناء القاء الشرطة القبض عليه مع أصدقائه وهم يتعاطون المخدرات مما يصيبهم بالدهشة، وأيضا معرفته بوجود الهرم في الحمام والإمساك به وفضحه علاقته مع زوجة جاره.
مشهد أخر للشيخ حسني الذي عرى شخصيات الحارة وفضح حقيقتهم، عندما ذهب ليحضر واجب عزاء "عم مجاهد" أحد أبناء الحي وصديق والده، ليغفل عامل الفراشة – المخرج المعروف لاحقا علي إدريس -عن إغفال غلق مكبر الصوت ليكشف الشيخ حسنى وهو يتحدث مع أصدقائه عن أسرار وفضائح بعض الشخصيات التي يسمعها أهالي الحي جميعا.
من ينسى مشهد الدراجة النارية التي قادها الشيخ حسني الكفيف، ورغم تكرار ذلك مرتين إلا أنه لكل رؤية مختلفة ففي المرة الأولى أصر هو على تحقيق حلمه بقيادتها ليحدث الفوضى ويرعب الجميع داخل الحارة الشعبية حتى اصطدم في النهاية بمحل الدواجن، ويدعي رغم انه كفيفي انه فقد بصره الأن بالحادث، ليكرر تجربة قيادة الدراجة النارية مجددا في مشهد النهاية ولكن هذه المرة ليعبر عن الجيل القديم الذي يصطحب معه الجيل الجديد ويغرقان في مياه النيل، ويرفض ان يعترف بأنه كفيف وتسبب في الحادث، ليبلغ أبنه انه حصل على رقم لوحة السيارة التي راوغته في الطريق وتسببت في سقوطهما بالنيل، ليرد عليه ابنه "يوسف" أو شريف منير "يابا أنت راجل أعمي" لكن الشيخ حسني كان يرى ما نتمنى جميعا أن نراه مثله.