22 فيلمًا مصريًا عرضت تجاريًا حتى نهاية شهر يونيو، وهو عدد قريب من عدد الأفلام المعروضة حتى نفس التوقيت في العام الماضي، ولكنه يخفي وراءه الكثير من التفاصيل الأخرى الملفتة والتي يجب التوقف عندها، وهذا ما سنتعرض له في السطور التالية.
رحبوا بموسم بداية العام
منذ تراجع موسم الصيف لأسباب مختلفة، لم يعد لدينا سوى موسمين رئيسيين في العام، هما عيدا الفطر والأضحى، مع احتفاظ الثاني بالأفضلية في عدد أيام العرض، إذ تستمر أفلامه حتى بداية العام التالي تقريبًا، وهو ما حدث مع فيلم "البدلة" ليحقق إيرادات استثنائية، عكس أفلام عيد الفطر التي تُرفع من دور العرض بعد شهرين تقريبًا لإفساح مجال لأفلام الأضحى.
هكذا كان على المنتجين إيجاد نافذة أخرى لعرض أفلامهم، وكان الحل في موسم بداية العام أو نصف العام الدراسي، والذي بدأ منذ عدة سنوات يستقبل أفلامًا متوسطة التكلفة وبلا نجوم مثل "الهرم الرابع" 2016، أو أفلامًا ذات طبيعة مختلفة عن السائد مثل "مولانا" 2017، وفي العام نفسه انضم نجم هو محمد رمضان لهذا الموسم بفيلمه "آخر ديك في مصر" والذي يعد مختلفًا عن المعتاد منه إذ ينتمي لنوع الكوميديا.
كان الرقم الأبرز خلال السنوات الثلاثة الماضية في يناير من نصيب فيلم "رغدة متوحشة" بطولة رامز جلال الذي حقق 20 مليون جنيه مصري، بينما لم تتجاوز أغلب الأفلام العشرة ملايين، وهكذا بدأ يتضح للمنتجين والموزعين أن هناك مساحة يمكن استغلالها في شهر يناير.
في بداية العام الحالي، عرض خلال شهر يناير ستة أفلام بالإضافة لفيلم سابع تسجيلي هو "الحلم البعيد" إخراج مروان عمارة ويوهانا دومكي والذي عرض بشكل محدود. الأفلام هي: "122" و"عمر خريستو" و"الضيف" و"نادي الرجال السري" و"ساعة رضا" و"قرمط بيتمرمط"، بينما استمر فيلم "البدلة" من عيد الأضحى الماضي.
تحققت مفاجأتان في هذا الموسم، الأولى بتحقيق "نادي الرجال السري" لإيرادات تقترب من 60 مليونًا، وهو رقم لم يصل إليه إلا عدد محدود من الأفلام. بالطبع يجب أن نشير في كل مرة نتكلم فيها عن الإيرادات إلى التغير المستمر في أسعار التذاكر في مصر، بالإضافة للتفاوت الكبير في أسعارها بين دور العرض في منطقة وسط البلد وتلك التي في المولات. ولكن حتى مع هذه الملاحظات يبقى هذا الرقم استثنائيًا، ويتجاوز ما حققته أفلام يناير مجتمعة في العام الماضي أو ما قبل الماضي.
المفاجأة الثانية كانت مع فيلم "122"، فهذا الفيلم لا يعتمد على نجوم سينما، كما ينتمي إلى نوع سينمائي غير مقدم كثيرًا في السينما المصرية وهو التشويق، ومع هذا حقق الفيلم إيرادات تقترب من 25 مليونًا.
هكذا بدا أن المشاهدين لديهم الرغبة في مشاهدة أفلام جديدة في هذا الموسم، وهذا النجاح يمنح ضوءًا أخضر للمنتجين ليعرضوا أفلامهم في بداية العام، التوقيت الذي يتيح لهم عددًا جيدًا من شهور العرض، يمتد حتى عيد الفطر تقريبًا.
إنتاج أكبر، إيرادات أكبر
منذ عام 2014 تقريبًا ونحن نتابع في كل عام، بل في كل موسم سينمائي، إحدى الشركات المنتجة وهي تتوج فيلمها كأعلى إيرادات "في تاريخ السينما المصرية". في الغالب مع استمرار ارتفاع أسعار التذاكر سنستمع إلى هذه العبارة حتى وقت طويل قادم، ومع غياب أداة دقيقة لاحتساب عدد التذاكر المباعة بدلًا من الإيرادات سيظل احتساب الأعلى في تاريخ السينما متروكًا لعدد الملايين التي حققها الفيلم، ولكن تبقى الإيرادات المعلنة مؤشرًا مهمًا على الإقبال، وعلى الفيلم الأكثر جماهيرية داخل الموسم.
في العام الماضي وبداية العام الحالي، تمكن فيلم "البدلة" من اقتناص اللقب متجاوزًا 67 مليونًا، ولكن ليس إلى فترة طويلة، إذ جاء "كازابلانكا" ليأخذ اللقب لنفسه بعد أن تجاوز 72 مليونًا، ومن المتوقع أن يتجاوز أحد أفلام عيد الأضحى إيرادات هذا الأخير لينتزع اللقب.
رسميا "كازابلانكا" يزيح "البدلة" من قائمة الأعلى إيرادات بالسينما المصرية
لكن الجديد في أفلام عيد الفطر هذا العام، أننا نسجل إيرادات مرتفعة لثلاثة من الأفلام الخمسة المعروضة، فبعد "كازابلانكا" يأتي "الممر" بـ 63 مليونًا، ثم "سبع البرمبة" بإيرادات تقترب من 31 مليونًا. في العام الماضي جمعت أفلام عيد الفطر الخمسة مجتمعة حتى رفعها من دور العرض حوالي 127 مليونًا، إيرادات "كازابلانكا" و"الممر" وحدهما الآن تتجاوز هذا الرقم، وما زال أمام أفلام عيد الفطر بعض الوقت لحصد المزيد، ومرة أخرى نؤكد على زيادة أسعار التذاكر منذ العام الماضي مما يجعل المقارنة تنقصها الدقة، وإن كانت الزيادة في الإيرادات على الأرجح أكبر من نسبة زيادة أسعار التذاكر.
الملاحظة الأخرى المرتبطة بالإيرادات هي ارتفاع ميزانيات الأفلام، انحاز الجمهور في السنتين الأخيرتين إلى أفلام الأكشن بشكل واضح، مثل "هروب اضطراري" و"الخلية" ومؤخرًا "كازابلانكا"، وهذه الأفلام تحتاج إلى ميزانية كبيرة لتخرج بالشكل المطلوب، بجانب أن المنتجين رفعوا من سقف المنافسة بإضافة عنصر الفنان الأجنبي في أعمالهم كعامل جذب إضافي، مع الأخذ في الاعتبار أن أغلب الأجانب الذين ظهروا في الأفلام مؤخرًا ليسوا نجومًا في مجال التمثيل بأي حال.
كان الأمر يقتصر على فيلم واحد ذو إنتاج كبير في الموسم، لكن موسم عيد الفطر الماضي شهد عرض 3 أفلام مرتفعة الإنتاج هي "الممر" و"كازابلانكا" و"حملة فرعون"، وهنا يجب أن نتوقف قليلًا.
من الجيد بالطبع أن يكون مستوى الإنتاج مرتفعًا ولكن في النهاية سيؤثر هذا بالطبع على معدلات الإنتاج، من المعروف أن الفيلم حتى يحقق أرباح للمنتج فعليه أن يحقق إيرادات تتجاوز ضعف تكلفته. تبقى تكلفة الإنتاج للأفلام المصرية سرًا مقدسًا غير معلن، ولكن إذا كان فيلم "الممر" تكلف حوالي 100 مليون بناء على تصريحات منتجه، فإن فيلمًا مثل "حملة فرعون" لن يتكلف أقل من 50 مليونًا بالتأكيد.
"حملة فرعون" حقق حتى الآن 17 مليونًا من شباك التذاكر المصري، وأيامه المتبقية في دور العرض معدودة، أي أنه يمثل خسارة شبه مؤكده لمنتجه، إذا لم تسعفه إيرادات التوزيع الخارجي والبيع للقنوات التليفزيونية وغيرها. هذا سيؤثر بالتأكيد على الأعمال القادمة لمنتجه أحمد السبكي.
بالطبع لا يمكن أن نغفل الإقبال المتزايد أيضًا على الأفلام الأجنبية، وخاصة أفلام الأبطال الخارقين، فيلم "Avengers: Endgame" (المنتقمون: نهاية اللعبة) حقق قرابة 30 مليونًا، علمًا بأنه بدأ عرضه قبل بداية شهر رمضان واستمر خلال رمضان بعدد حفلات أقل ثم واجه أفلام عيد الفطر، وربما لو كان عرض في ظروف أخرى كان قد تجاوز هذا الرقم بكثير. لم تنجح أغلب الأفلام المصرية المعروضة خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة في الوصول إلى هذا الرقم وفي ظروف عرض وعدد نسخ أكبر من المتاحة للفيلم الأمريكي.
فيلم Avengers: Endgame.. قربان مارفل للآلهة
تحدثنا عن الإيرادات والإنتاج، فماذا عن المستوى الفني؟
البحث عن فيلم جيد
ليس سرًا أن السنوات الأخيرة للسينما المصرية لا تقدم أعمالًا جيدة بشكل يمكن الوقوف عنده، في كل عام نجد فيلمًا أو اثنين يمكن وصفهما بالأفضل، لكن حتى هذا الأفضل ليس ممتازًا أو استثنائيًا، الأمر يزداد سوءًا، وفي العام الحالي ليس لدينا فيلم واحد يمكن اعتباره علامة مميزة للسنة.
أغلب الأفلام المعروضة تقليدية، وحتى المميز منها في نوعه مثل "نادي الرجال السري" أو "كازابلانكا" فإنه لن يستمر في الذاكرة طويلًا بعد نهاية العام، ومن حاول التغريد خارج السرب مثل "الضيف" لم يكن أيضًا على المستوى المطلوب، وحتى الآن ليس لدينا فيلم مصري واحد من إنتاج السنة يشارك في مهرجانات دولية كبرى خارج مصر، ولا يبدو أن شيئًا يلوح في الأفق لتغيير الصورة وربما سينتهي هذا العام بصفته أكثر الأعوام ضعفًا على المستوى الفني.
بعد أيام قليلة سيبدأ النصف السينمائي الثاني من العام، بمنافسة ربما تكون الأشرس منذ سنوات في عيد الأضحى، مع وجود عدد من النجوم وأفلام مرتفعة الإنتاج وأجزاء ثانية لأفلام حققت نجاحًا كبيرًا، وهكذا يبدو أننا سنقرأ المزيد عن الأرقام القياسية وصراعات الشركات على لقب "الأعلى في التاريخ"، لكننا ما زلنا في انتظار صراع حقيقي على الأفضل فنيًا.
اقرأ أيضا:
عن سقطات "حملة فرعون".. بتعرف تعد لغاية كام؟
إياد نصار.. الطيب والشرس والقبيح في دور واحد