طارق لطفي من الفنانين القلائل في الجيل الحالى الذي يعرف جيدا معنى أن يكون مخلصا لفنه ولخطواته التي يخطوها، يدرك أن الفن هو مصدر رزقه، ولكنه لا يجازف بحبه للفن لذلك همه الأساسي هو تقديم أعمال تحسب له، يعرف أهمية التواجد ولكن في اعتقادي الأكثر أهمية عنده هو كيفية ونوعية التواجد.
ذلك المدخل هام جدا لقراءة شخصية طارق لطفي الفنية والتي تعكس أيضا الكثير من صفاته الإنسانية .. ولد المتميز طارق لطفي في مدينة المنصورة، بمحافظة الدقهلية عام 1969، وهو حاصل على بكالوريوس المعهد العالي للفنون المسرحية، بدء مشواره الفني مع الكبار في الدراما والسينما على حد سواء، وتعلم من أسماء في حجم أسامة أنور عكاشة وعاطف الطيب، ونور الشريف، ووحيد حامد كيف يكون الإخلاص لمهنة الفن، وكيف أن الفنان الموهوب والحقيقي يجب أن يكون مشواره أشبه بالجملة الموسيقية التى تحمل الكريشندو الخاص بها، والمعبر عنها.. دخل طارق الفن من بوابة الكبار .
يملك بطل فيلم " 122" ملامح تحمل من الطيبة الكثير، وتعكس حالة من الرضا النفسي اكتسبها بفعل الظروف الصعبة التي مر بها طوال مشواره، فها هو الشاب الموهوب الذي دخل من بوابة الكبار وصار يحلم بالسماء العالية، لكنه سرعان ما اكتشف واقعا مغايرا وظرفا سينمائيا وفنيا وحياتيا "شديد الصعوبة، كانت هناك مرحلة من التحولات المجتمعية والتي انعكست على حال الفن بالطبع.
طارق الذي شاهد الكبار وتعلم الإخلاص والاحترام والعمل الجاد لتطوير نفسه، لم يجد شيئا من تلك المعانى في الواقع، ولم يكن أمامه سوى أن يرفض ذلك الوضع البائس ويتعالى عليه، أو أن ينخرط فيه، أو يصنع لنفسه خريطة طريق بديلة وقد كان حيث أصر في كل تجربة مهما كانت طبيعتها أن يترك بصمته، من خلال اجتهاده في رسم تفاصيل الشخصية التي يقدمها، مهما كان مستوى العمل، لم يترك نفسه للموجة، ولم يتوقف يوما عن المحاولة في الكثير من الأعمال التي شارك فيها ومنها مسلسلات "شارع المواردي"، و"ليالي الحلمية" و"العائلة"، و"السقوط في بئر السبع، و"أهالينا"، وأفلام "صعيدي في الجامعة الأمريكية"، و"أرض أرض"، و"الناجون من النار"، و"قشر البندق"، و"جبر الخواطر"، وغيرها من الأعمال الدرامية التليفزيونية والسينمائية.
الذكاء الفني
ذكاء طارق جعله يدرك أن عليه أن يتقبل تغيرات السوق السينمائي بمرونة، ورحابة ولم يرفض أبدا مشاركة نجوم يقدمون بطولاتهم الأولي، وكان فاعلا في سينما التسعينينات بموجاتها الكوميدية، أو الاجتماعية، وشاهدناه مع منى زكي والسقا وهنيدي، ومصطفى شعبان وغيرهم .
وكان من الممكن أن يستكين طارق لطفي للأدوار الثانية، والمساعدة، ولكن إخلاصه وقدرته المتواصلة على الحلم والعمل على نفسه والثقة في موهبته كل ذلك جعله يعود وبقوة في الدراما التليفزيونية وقدم أولى بطولاته في سباق الدراما الذي لا يرحم ( السباق الرمضاني) مع مسلسله " بعد البداية"، وتوالت بطولاته وأدواره المتميزة بعد ذلك، وطوال تلك الفترة لم ينس طارق معشوقته السينما وظل حلم العودة إليها في خياله، إلى أن تحقق الأمر على أرض الواقع مع سيناريو فيلم " ١٢٢" لصلاح جهينى، وإخراج ياسر الياسري.
وفي ظنى أن طارق تردد كثيرا خوفا من العودة إلى السينما، وإدراكه أن نجاحه في الدراما ليس مؤشرا فعليا لقدرته على تحقيق النجاح في السينما أيضا، ولكنه قبل التحدي وبالفعل نجح فيه حيث عاد من خلال تجربة مختلفة وجديدة في السينما المصرية وتمكن من تصدر الإيرادات من خلال شخصية (الدكتور نبيل) وهو الاسم الذي لا تحمل الشخصية اي من معناه على العكس تماما فهو بعيد عن النبل، وأقرب إلى تاجر لا هم له سوى جمع الدولارات من خلال التجارة في الأعضاء، ومدمن كوكايين، لا يتردد في القتل سواء قتل الطبيبن والممرضة الذين يعملون معه، وأيضا المرضى الذين كشفوا سره، وهي الشخصية التى شاهدناها في بداية ظهورها تبدو شديدة اللطف والود ليس ذلك فقط بل أن (نبيل) طبيب شاطر مهتم لا يتوقف عن مساعدة المرضى والاطمئنان عليهم، إلى أن حدث التحول في الشخصية مع تصاعد الأحداث، وأبدع طارق أو (نبيل) في الشخصية التي يجسدها في فيلم" ١٢٢ " إخراج ياسر الياسرى، مع تصاعد الأحداث واكتشفنا للوجه الآخر في مشاهده مع أحمد الفيشاوى ومشاهد المطاردة بينه وبين أحمد داود (نصر)، وأمينة خليل (أمنية)، وانفعالات طارق وتوظيفه لعينيه وجسده كانت قادرة على بث الرعب في المشاهدين- الذين وصل الحال ببعضهم إلى التصفيق في كل مرة يتمكن فيها نصر من ضرب الدكتور نبيل والإفلات منه)، حيث بدا أقرب إلى الوحش منه إلى الطبيب ، وهي المشاهد التي تجعلك تحبس أنفاسك خصوصا في ظل تميز عناصر العمل الفنية.
نجح طارق لطفي في إختبار العودة إلى السينما من خلال تجربة جديدة بالفعل على السينما المصرية، صحيح كانت هناك الكثير من المحاولات لصناعة أفلام تنتمى لتلك النوعية، ليوسف وهبي، وفطين عبد الوهاب، وكمال الشيخ، والذي يعد رائد لسينما التشويق والإثارة ، ولكن تجربة" ١٢٢" تختلف لما توافرت له من إمكانيات تكنولوجية، وجرأة منتج يجازف بتقديم تجربة مغايرة، ومحاولة المؤلف صلاح الجهيني صياغة هذا النوع دراميا، وأيضا ممثلين كل منهم اجتهد وصدق في تجربته، والأهم هو إيمان نجم العمل طارق لطفي بما يقدمه، وأنه ليس بالضرورة أن يكون موجودا على الشاشة من اللقطة الأولى وحتى الأخيرة.
فيلم "١٢٢" واحد من الأفلام المصنوعة بشكل جيد في موسم رأس العام السينمائي ومنتصف العام، والذي استطاع تحقيق إيرادات تقترب من ال ٦ مليون جنيه في أربعة أيام فقط.
اقرأ أيضا
"122".. هل هي فعلًا خطوة للأمام؟
حوار (في الفن) أحمد فتحي: أنا متوتر.. فيلم "ساعة رضا" حلم تمنيت تحقيقه منذ 4 سنوات