يوميا في طريقي أمر من هذا الشارع، أنه شارع عماد الدين شارع الفنون في مصر وعلى مر تاريخها وحتى الستينيات، هنا كان يعرض الريحاني عروضه المسرحية، وكان منافسه اللدود علي الكسار يقف على خشبة مسرح الماجستك، وهناك كان كازينو بديعة والذي شهد مولد العديد من نجوم مصر والوطن العربي، يوسف وهبي وجورج أبيض، وغيرهم من نجوم هذا الزمن.
ولكن الفارق بات شاسعا بين عماد الدين في هذا الزمن وعماد الدين في وقتنا الحاضر، حيث لم يعد هناك إلا مسرحا واحدا ظل صامدا ضد التغيرات السياسية والتحولات الإجتماعية والإقتصادية، مسرح واحد ظل يقاوم و"يعافر"، رغم عوامل الإهمال التي أصابته ليرفع راية "يحيا الفن"، أنه مسرح الفنان الكوميدي الفذ نجيب الريحانى، والذي قام مؤخرا النجم الكوميدي أشرف عبد الباقي بإستئجاره من أحفاد الفنان بديع خيري، ويعمل منذ شهر ونصف على تجديد المسرح، وتمكن في خلال هذه الفترة من إنجاز عمل يستغرق أكثر من عام.
ويقول النجم أشرف عبد الباقي: " منذ اللحظة التي حصلت فيها على عقد إيجار المسرح لمدة خمس سنوات، لم أتوقف عن التفكير أو العمل لذلك استعنت بخبرتي في الديكور وفريق العمال الذين يعملون معي منذ أكثر من 30 عاما، هذا الفريق المخلص والذي يفهمني فنحن على نفس الموجة وعندما أقول لهم أريد الإنتهاء من هذا العمل في خلال شهر فهو يكون شهرا بالتمام والكمال، فنحن نعمل معا بنفس الروح المحبة، والمخلصة".
شاهد صور مسرح الريحاني قبل وبعد التجديد
افتتاح مسرح الريحاني أول نوفمبر
أضاف عبد الباقي: ترون حجم الإنجاز في كافة التفاصيل بدءا من المدخل والبهو، والأبواب، وخشبة المسرح والستائر، والمقاعد، والإضاءة ليس ذلك فقط بل إننى قمت بإحضار خطاط مخضرم ومحترف ليكتب اسم الفنان القدير نجيب الريحاني فوق خشبة المسرح كنوع من التكريم لهذا العملاق".
ولا يبالغ أشرف في وصف حجم الإنجاز الذي تحقق على أرض الواقع، خصوصا من أتيحت له فرصة دخول الريحاني في الفترة الماضية حيث أن أقل توصيف لهذا الوضع أنه كان بائسا، الفئران ترمح في بعض الحجرات، وأرض المسرح مغطاه بـ القنالتكس، وليس الموكيت، ولون الجدران والستائر سيئة، وكراسي الفراشة كانت تملأ البناوير، والإضاءة تعتمد على اللمبات الموفرة، وهو ما يتنافي مع طبيعة الإضاءة المسرحية، بالإضافة إلى سوء حالة الأبواب، والتهوية، وغياب وسائل الأمن والآمان والحماية المدنية".
يعلق أشرف عبدالباقي: " بالفعل كان الوضع مأسويا، وللحقيقة شعرت بغضب شديد وحزن عميق، فكيف لنا أن نترك مسرح يحمل اسم الريحاني يتدهور إلى هذه الدرجة، ولكننى حولت هذا الشعور إلى نوع من التحدي، لأعيد الروح إلى مسرح الريحاني، في وقت قياسي، وتحديت أنا وكل فريق العمل من كان يقول لنا لن تستطيعوا الانتهاء في خلال شهر، ولكننا بروح فريق العمل من عمال وفنيين ومسؤولين عن الحماية المدينة، والمواهب الشابة التي ستقدم عرضها الأول على خشبة الريحانى استطعنا النجاح، ومن المفترض أن يتم افتتاح العرض المسرحي بعنوان "مسرحية كلها غلط"، في الأول من نوفمبر 2018.
تكريم خاص للضاحك الباكي واحتفاء بملوك الكوميدية المصرية
ليس ذلك فقط بل قام أشرف بالاتفاق مع عدد من طلبة كلية الفنون الجميلة بنحت عددا من التماثيل، لنجوم الكوميديا المصرية ومنهم "الريحاني، وإسماعيل ياسين، وماري منيب، وفؤاد المهندس، وعلى الكسار، وزينات صدقي لوضعها في بهو المسرح، وقبل الدخول إلى خشبة المسرح، إضافة إلى مجموعة صور بالأبيض والأسود لنجوم الكوميديا في مصر لوضعها على واجهة المسرح من الخارج".
مجموعة جديدة من الفنانيين الناشئين من مسارح الجامعات
يضيف عبد الباقي: أشتريت الحقول الأدبية للنص المسرحي "مسرحية كلها غلط"، من أحد الشركات الإنجليزية الكبري، حيث سبق وشاهدت هذا العرض على واحد من مسارح لندن في 2004 ، ومن وقتها وأنا أفكر في ضرورة تقديمه، وبالفعل قمت بتمصيره، وإخراجه مسرحيا ومن خلاله سأقدم أكثر من 40 شاب وفتاة من الموهوبين، الذين اكتشفتهم من خلال مسارح الأقاليم والجامعات، والفرق المستقلة.
تجربة أشرف عبد الباقي الجديدة تختلف كثيرا عن تجربته مع مسرح مصر ونجومه، وهي التجربة المستمرة أيضا بالتوازي مع تجربة مسرح الريحاني وينفي أشرف كل ما يتردد عن انفصال فريق مسرح ، ورفض على ربيع ومصطفي خاطر العمل معه مجددا، حيث يؤكد عبد الباقي أن هذا الكلام عار من الصحة، وان عروض مسرح مصر مستمرة، ووصل عددها حتى هذه اللحظة إلى 106 عرض مسرحي".
نص إنجليزي يقدمه فريقان مختلفان
التجربة التي يقدمها عبد الباقي على مسرح الريحاني ستكون مختلفة حيث قال" سأقدم نفس العرض يوميا بفريقين عمل مختلفين لتتاح فرصة لمشاركة أكبر عدد من الموهوبين، وهي تجربة تقدم على مسارح لندن وبروداوي، بمعنى أن العرض يبدأ في السادسة مساء مثلا بفريق عمل، وبعد ساعتين يقدمه فريق آخر لجمهور مختلف".
أشرف عبد الباقي النجم الكوميدي الموهوب، وصاحب التاريخ الفنى المتنوع، والذي عمل مع كبار مخرجي السينما المصرية ومنهم صلاح أبو سيف، ورأفت الميهي وعاطف الطيب وخيري بشارة وسعيد حامد وغيرهم، كان من الممكن أن يكتفي بمشروعه في "مسرح مصر"، أو تجربته في "مسرح السعودية"، ولكن رغبته وسعيه الدائم لاكتشاف المواهب، وإطلاقها فنيا، وحبه واخلاصه لفنه ومهنته هو ما يحركه دائما للعمل على تقديم التجارب الجديدة ويعلق أشرف: " ما أفعله ببساطه هو رد جميل لأساتذتى، وحبا في مهنتي"، وتساءل أشرف: من قال إن دور الفنان يجب أن يقتصر على التمثيل فقط خصوصا إذا كان يستطيع فعل أكثر من ذلك؟ وكل ما أحاول عمله هو أن يستعيد مسرح الريحانى وهذا الشارع التاريخي جزءا من سحره، رغم المعوقات التى تصادفني، حيث زادت قيمة ضريبة الملاهي التي تفرض على المسارح، والمفارقة أننى الوحيد الذي أقدم مسرح خاص حاليا".
تاريخ فني لشارع عماد الدين
كان شارع عماد الدين يشبه إلى حد كبير شوارع الفن في المدن العالمية ومنها شارع «برودواي» في نيويورك، وحي «وست إند» في لندن، وحي «البوليفار» في باريس، لكن الفارق الوحيد أن شارع عماد الدين هجره أصحابه، وفضلوا البعد عنه، عن زحام وسط القاهرة.
شارع عماد الدين كان مضيئا بإبداع يوسف وهبي وعلى الكسار ونجيب الريحاني، وبموسيقى سيد درويش ومحمد عبد الوهاب وأم كلثوم، و تألقت فيه منيرة المهدية والفنانة ملك وروز اليوسف، وأمينة رزق وأحمد علام وحسين رياض، واستيفان روستي، وكما وصفه الكاتب المسرحي الراحل ألفريد فرج: كان عماد الدين مضيئا باستمرار، مزدحما باستمرار، وكانت به محطة النهاية لخط مترو مصر الجديدة، وكان به تقاطع معظم خطوط مواصلات القاهرة، وكان مركز شعاع للأقاليم، حيث تنتشر فرقه في عواصم المحافظات في رحلات منتظمة في الشتاء بالصعيد، وفي الصيف بالوجه البحري.
ومع بداية النهضة الفنية تركز النشاط الفني كله حول شارع عماد الدين، فظهرت التياتروهات والسينمات والمقاهي، وكانت الأوبرا القديمة في ميدان الأوبرا بالقرب من الشارع، وشيئا فشيئا انتشرت المسارح والسينمات والمقاهي ودور الغناء والطرب، وفي مقدمتها مسرح الماجستيك الذي كان يمثل عليه على الكسار، وعلى غير بعيد منه كان هناك مسرح منافسه اللدود نجيب الريحاني.
عماد الدين كان يمتلئ بدور السينماالتي لم يهتم أحد بإصلاحها بعد حريق القاهرة، وظلت كما هي، وتحول الشارع إلى مكان لبيع اكسسوارات السيارات والمطاعم، والأدوات الكهربائية.
وكان يضم مسرح الرينسانس على يسار مدخل شارع عماد الدين، وعليه قدم جورج أبيض مسرحيات أوديب وهاملت، ولويس الحادي عشر، وعلى الجانب الآخر من المدخل كان هناك مقهى متروبول وعلى موائده كان يجتمع نجيب الريحاني واستيفان روستي مع سائر الفنانين، وكان هناك مسرح برنتانيا وتألق على خشبته يوسف وهبي ونجيب الريحاني ومنيرة المهدية، وشهد فيه الجمهور «كشكش بيه»، و«راسبوتين»، و«أوبريت حورية هانم»، وكان هناك مسرح الكورسال القديم (مكانه عمارة حديثة الآن) وعليه قدم سيد درويش أوبريت العشرة الطيبة، وكان به مسرح «البيجو بالاس» وعليه قدمت منيرة المهدية أوبريتات «الغندورة» و«قمر الزمان»، وكانت هناك أول دار للسينما بعنوان الكوزموجراف الأميركاني، وكانت دارا مسرحية، كما وصفها ألفريد فرج، وعليها قدمت سارة برنار مسرحية النسر الصغير، وغيرها من ضمن خمسة عشر مسرحا كانت بالشارع، لم يبق منها سوى واحد فقط.. وهو مسرح نجيب الريحانى والذي أنقذه النجم أشرف عبدالباقي من الإهمال والإنهيار.
اقرأ أيضا
5 نجوم في قائمة المرشحين لتجسيد "جاك سبارو" بعد الإطاحة بجوني ديب
مسلسل The Haunting of Hill House في عيون النقاد.. مهرجان رعب يكسر قالب الأفلام النمطية