هل يجب أن يكون هدف الفنان هو تصدر شباك التذاكر، أم تقديم فيلم ينجح من خلاله في الوصول إلى الصدارة؟
بعد ثلاثة أفلام قدمها محمد رمضان في العام الماضي، أصبح من المؤكد أنه يبتعد عن الصدارة، تحقق أفلامه إيرادات جيدة بالفعل، لكنه ليس رقم واحد كما يحب أن يكون أو يصف نفسه دائمًا.
لم يكن أيًا من هذه الأفلام السابقة مختلفًا أو قويًا بالفعل لينتزع الصدارة في كل مرة، والأفلام بترتيب عرضها هي: "آخر ديك في مصر" و"جواب اعتقال" و"الكنز": الحقيقة والخيال". أقربها لطبيعة أفلام الأكشن التي يفضلها جمهور رمضان كان الثاني، لكنه احتل المركز الثالث في إيرادات موسم عيد الفطر في العام الماضي، لأسباب خاصة بالمتسوى الفني للفيلم، وقلة مشاهد الأكشن، بالإضافة لأن الشخصية الرئيسية التي قدمها رمضان كانت لإرهابي قاتل، ومهما كان تعلق الجمهور به ففي النهاية يصعب أن يكون هذا هو البطل الذي يبحثون عنه.
إذن حان الوقت لإعادة ترتيب الأوراق لمصالحة الجمهور، لكن لجعل العودة مختلفة، يجب التخلي عن بعض الأشياء التي تكررت في الأفلام السابقة، من باب التجديد.
ما الذي تخلى عنه محمد رمضان؟
كتب سيناريو الفيلم الثلاثي أمين جمال ومحمود حمدان ومحمد محرز، بينما تولى الإخراج كريم السبكي في ثاني تعاون له مع محمد رمضان بعد فيلم ”قلب الأسد“.
تدور الأحداث عن منفذ المشاهد الخطرة (الدوبلير) بدر الديزل (محمد رمضان) الذي يعمل أيضًا سائقًا للممثلة دنيا الصياد (ياسمين صبري). يتورط الديزل مع عصابة تمارس عملًا إجراميًا من خلال لعبة سادية تُعرض حياة من يمارسونها للقتل، ويبدأ في التحرك للتخلص من هذه أفراد هذه العصابة التي يتزعمها راغب (فتحي عبد الوهاب)، مدفوعًا بالرغبة في الانتقام.
أول ما يتخلى عنه المؤلفون من العلامات المتكررة في أفلام رمضان هو فكرة البطولة المبالغ فيها، فسابقًا كنا نشاهده شجاعًا ويقف في ظهر أصدقائه، ومحبوبًا بشكل مبالغ فيه من كل من حوله، بالذات النساء.
في "الديزل" نشاهد شخصية تقليدية إلى حد كبير، شاب يعمل في السينما ويبحث عن عمل آخر لزيادة دخله، والأمر يخلو من المبالغة في البكائيات والحديث عن ضيق الحال، إلا في مشهد وحيد، ولم يكن على لسان الديزل.
هل هو مثالي؟ على الإطلاق، نشاهده يرفض الزواج من حبيبته بسبب ماضيها، رغم ماضيه الملوث أيضًا. وحتى سقوط جميع النساء في هواه بدون مبرر لا يحدث هنا، علاقة دنيا الصياد به ليس بها من الحب -خاصة في النصف الأول- قدر ما بها من لطف المعاملة من فنانة لأحد العاملين معها، وهو لطف نلاحظه منها مع جميع الشخصيات الأخرى.
إذن نحن أمام بطل غير خارق، يعاني الكثير من النقائص بالفعل، فما الذي يميز بدر الديزل؟
اهتم السيناريو بإضافة تفاصيل لخلفية الشخصيات، لتمنحها عمقًا ومنطقية. فالسؤال التقليدي عن إمكانيات البطل القتالية الموجودة لدى الشخصية التي يلعبها محمد رمضان، إجابته هنا هو أنه من الأساس منفذ للمشاهد الخطرة، صحيح لم يحدث أن تعرفنا على ماضيه في هذه المهنة، لكنها على الأقل تتيح له الحد الأدنى من منطقية الشخصية.
لكن إن أردنا اختيار أهم ما تخلى عنه محمد رمضان، فهو أن التوقف عن أن يكون محمد رمضان، هذا الأمر الذي كان أبرز عيوب دوره في ”الكنز“، الكوميديا في غير محلها والكلام المقفى هنا أقل بكثير، وربما ليس لهم وجود إلا في النصف الأول، وبوجه عام نشاهد رمضان أكثر التزامًا بالشخصية، ويتحول معها بعد الصدمة التي يتعرض لها في منتصف الفيلم إلى شخص آخر، الأمر يصل إلى حد سخرية محمد رمضان من نفسه.
ما الذي كان يجب أن يتخلى عنه السيناريو؟
لكن الاهتمام بشخصية الديزل لم يقابله اهتمامًا مماثلًا بتفاصيل بقية الشخصيات، بل نجد الكثير من التفاصيل غير المنطقية أو المبررة.
وإن كان المأخذ الأقوى على السيناريو هو اتخاذه لتفاصيل أمريكية جدًا سواء في ما يخص الشخصيات أو الأحداث. يحاول السيناريو أن يُدخل عصا كرة القاعدة (البيسبول) كسلاح في يد الديزل، ويؤسس لهذا بأنه يعلق في غرفته صورًا للاعب بيسبول شهير، لكن ما الذي يجعل شاب يعيش في منطقة متوسطة ولا يبدو عليه أي اهتمام بهذه الرياضة غير المعروفة من الأساس في مصر لتعليق صور هذا اللاعب في غرفته؟ كانت هذه محاولة كتاب السيناريو لتبرير حصوله على المضرب، المضرب الذي هو من الأدوات المحببة للقتال في الكثير من الأفلام الأمريكية بالفعل.
ربما تكون هذه تفصيلة بسيطة، لكن بالانتقال إلى أحد التفاصيل المهمة في الفيلم، وهي اللعبة المسؤول عنها راغب، سنجد أن الأمر أمريكي الطابع والشكل بما لا يدع مجالًا للبس، حتى مع محاولات السيناريو إدخال أساسًا للعبة من خلال مشاهدة راغب لفيلم ”Gladiator“ (المصارع).
يُضاف إلى هذا بعض الصُدف التي أتت في غير محلها، والتي لم تكن ذات ضرورة درامية حقيقية ويسهل الاستغناء عنها، مثل نسيان عفاف (هنا شيحة) لهاتفها المحمول قبل خوضها تجربة مهمة لا يمكن خلالها على الإطلاق أن تفعل هذا.
عناية كتاب السيناريو ومحاولاتهم التي تُحسب لهم في صنع تاريخ وسبب للأحداث والشخصيات، لم ينجحوا فيها عندما وصلوا إلى شخصية فايز (تامر هجرس) مساعد راغب، الذي عندما ننظر إلى دوره في نهاية الفيلم لن نجده يضيف إلا المزيد من مشاهد الأكشن داخل الفيلم.
ما الذي كان يجب أن يتخلى عنه المخرج؟
الفيلم هو الثالث لكريم السبكي بعد فيلمين ليس فيهما الكثير للتوقف عنده، هما "قلب الأسد" و"من ضهر راجل". يحاول المخرج في هذا الفيلم أن يجد له طابعًا بصريًا خاصًا، فنجده يعتمد على زوايا تصوير غير موفقة في عدة مشاهد وغير مبررة أيضًا.
ورغم إن الكاست يضم أسماء مميزة بالفعل إلا أننا لا نجد منها الأداء المنتظر، أو حتى الضروري للمشاهد، فتحي عبد الوهاب ليس في ألقه المعهود، خاصة بعد ما قدمه في مسلسلات رمضان الماضي، بينما ياسمين صبري افتقدت الحد الأدنى من الانفعالات في الكثير من المشاهد، حتى عندما تشاهد جريمة قتل تحدث أمام عينيها، فإنها تقدم انفعالًا يليق بتلقيها إهانة وليس بمشاهدة جريمة.
تيمور تيمور هو مدير تصوير الفيلم الذي تعرفنا عليها مسبقًا بلمسات مميزة في مسلسلات مثل ”طريقي“ و“جراند أوتيل“، لكن تصميم الإضاءة في الفيلم لم يكن موفقًا بحال، يمكن تقبل الإضاءة الخضراء والحمراء في الملهى الليلي في أول مشاهد الفيلم، لكن الأمر يمتد لاستخدام هذه الألوان في المستشفى وداخل ثلاجة الموتى!
مدير التصوير هو المسؤول الأول عن تنفيذ الإضاءة، لكنه يتشارك مع المخرج بالطبع في اختيار الطابع اللوني للفيلم، وهو ما لم يكن في محله هنا على الإطلاق، بالفعل كان جديدًا ولافتًا للنظر، لكنه لم يكن مناسبًا لمعظم مشاهد الفيلم.
ما الذي أضافه الفيلم؟
ما المطلوب من فيلم الحركة؟ بطل يمكن التعلق به، ومشاهد حركة جيدة الصنع وحبكة مُقنعة وإيقاع سريع لكل هذا حتى لا يمل المشاهد، وكل هذه المتطلبات حققها الفيلم.
"الديزل" بمقاييس أفلام الأكشن فيلم جيد جدًا، بطل يمكن التفاعل معه دون مبالغة، دوافعه للانتقام مكتوبة بشكل جيد، والأهم أنه فيلم يخلو من المواعظ التي اعتاد الكثير من صناع السينما تصديرها بشكل فج في أفلامهم الأخيرة، دون وجود مكان لها في الفيلم، بدافع من أن "الفن رسالة".
رمضان نجح هذه المرة من خلال اهتمامه بالفيلم نفسه وليس بنفسه.
اقرأ أيضا
فيلم بني آدم.. هل توجد فرصة بعد الموت؟
تحليل جوائز مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي 11.. الوثائقي والروائي القصير الأفضل