أصبح موسم عيد الأضحى هو الموسم الأهم سينمائيًا منذ عدة أعوام حيث يتزامن مع الأجازات الصيفية وانتهاء السنة الدراسية ولذلك أصبح هدفًا للمنتجين وشركات التوزيع لعرض أفلامهم خلاله، كما أصبح يتسم بتنوع محمود في أنواع الأفلام التي يتم طرحها خلاله ما بين أفلام الحركة والأفلام الكوميدية وأفلام الإثارة والتشويق وهو ما يُعد مكسبًا هامًا لصناعة السينما خاصة ولجمهور السينما عامة، ومن بين ما تم عرضه خلال موسم عيد الأضحى الحالي فيلم "الكويسين، للمخرج أحمد الجندي ومن تأليف أيمن وتار، بطولة أحمد فهمي، أسماء أبو اليزيد، بيومي فؤاد، شرين رضا، حسين فهمي، أحمد فتحي وعمرو وهبة.
تدور أحداث الفيلم في إطار كوميدي حول مفتاح وغزال (أحمد فهمي وأسماء أبو اليزيد) شقيق وشقيقته يحترفان النصب والسرقة تضطرهما عملية سرقة فاشلة وتحت تهديد زعيم العصابة الذي يعملان لحسابه أن يتوجها إلى عائلة "الكويسين" لتنفيذ عملية نصب جديدة كنوع من أنواع التعويض عن العملية الفاشلة، وتبدأ رحلتهما مع العائلة من خلال كذبة يكذباها وتنطلي على العائلة حتى ينكشف سر عملية النصب وسر كذبتهما في نهاية الفيلم.
بعد عدة تجارب لأيمن وتار ككاتب سيناريو كان منها الناجح عل سبيل المثال المسلسل التلفزيوني "الوصية" ومنها ما لم ينل نصيبه من النجاح مثل فيلمه "الأبلة طمطم" الذي طُرح في موسم عيد الفطر وما بين الكتابة للسينما والكتابة للتلفزيون، يعتبر فيلم "الكويسين" هو أفضل ما كتب وتار حتى الآن، حيث نجح من خلاله في بناء الفيلم بناءًا كوميديًا يتفق مع فكرته البسيطة والحفاظ على تسلسل منطقي للأحداث يتفق أيضًا مع الفكرة والبناء الخطي البسيط.
الفكرة ببساطة من الممكن أن نقول أنها مكررة وليست بجديدة على الإطلاق، عائلة تفقد طفل لها وهو صغير في مدينة ملاهي وبعد سنوات عديدة ينتحل نصاب شخصية الطفل المفقود بعد أن صار شابًا ويدعي أنه ابن هذه العائلة، ولكن وعلى الرغم من قدم الفكرة وتكرارها في العديد من الأفلام على مدار تراث السينما المصرية سواء من خلال أفلام كوميدية أو تراجيدية -حتى أنه جاء ذكر هذا التعليق على لسان غزال حينما يخبرها شقيقها النصاب بفكرته- إلا أن كوميديا الفيلم لم تكن مستهلكة بل حاول صناع الفيلم سواء على صعيد الكتابة أو على صعيد إخراج المواقف الكوميدية الخروج من فخ الاستهلاك بداية من اختيارهم اسم العائلة "الكويسين" وأسماء أفرادها (حافظ كويس– بوسي كويس- مزاج كويس- عايشة كويس) حيث يعتبر كل اسم هو "افيه" أو نكتة في حد ذاته.
وقد نجح صناع الفيلم في البعد عن الاستهلاك بالفعل في كثير من أحداث الفيلم إلا أن هذا لم يتحقق في عدة مواقف أخرى وربما على صعيد بعض الشخصيات، حيث نلاحظ تشابه بعض الخطوط الكوميدية بالفيلم مع خطوط درامية أو شخصيات بأفلام أخرى مثل الشخصية التي قام بها أحمد فتحي "الرجل القزم" مع فيلم التحريك The Baby Boss على سبيل المثال ولكن وحتى مع هذا التشابه الواضح إلا أنه تم استغلال وجود شخصية القزم المجرم في الفيلم بطريقة تخدم المواقف الكوميدية حيث دعم وجوده من البداية فكرة المفارقة التي تعتبر من أسهل الوسائل الدرامية في كتابة الكوميدية لانتزاع الضحكات، ذلك القزم الذي يعتبر الساعد الأيمن للجعفراني زعيم العصابة الذي يهدد مفتاح وغزال، القادر على تعذيب والبطش بأعتى المجرمين، ثم التحايل بأنه طفل بعد مرافقته لمفتاح وغزال لمراقبتهما أثناء تنفيذهما عملية سرقة "القرموط الكرمزي" من فيلا حافظ كويس، وهو ما ساعد في انتزاع الكثير من الضحكات في مشاهد مثل مشهد السبوع ومشهد رقصه مع الخادمة هو وبيومي فؤاد في المطبخ، ولكن يعيب هذا الخط هو التنفيذ السيئ أو الفقير بمعنى أدق للجرافيك الخاص بتركيب وجه أحمد فتحي على جسد طفل صغير، فلم يكن متقنًا ولا مُقنعًا بالمرة.
وبرغم من محاولات السيناريو السير في تسلسل منطقي للأحداث كما ذكرنا إلا أن هذا لم يمنعه من الانزلاق بعض الشئ لمواقف أو مشاهد لم يكن لوجودها مبررًا دراميًا مثل المشاهد الخاصة بأكرم حسني، فكان وجوده مجرد وجود لضيف شرف مجاملة لصديقه أحمد فهمي الذي شاركه بطولة مسلسل "ريح المدام" وكون معه ثنائي في محاولة منه لسد فراغ انفصاله عن شيكو وهشام ماجد ولكن مشهديه هما في آخر الأمر مشاهد خارج السياق العام للفيلم وقصته بغرض مضاعفة الجرعة الكوميدية، فما الداعي لأن تذهب ناشطة في مجال حقوق الطيور وخاصة الدجاج أن تذهب لإنقاذ أو تهريب أسد من السيرك سوى ظهور أكرم حسني حيث أنه هو الشخص المسئول عن تهريب الأسد فيقوم الأسد بالتهام ساقيه في تتابع كوميدي مضحك ولكنه خارج سياق الفيلم وفكرته، وهو تقريبًا نفس ما حدث مع المشهد الذي ظهر فيه هشام ماجد كسائق أوبر يقوم بتوصيل ليلًا لمراقبة الجد عارف كويس، فعلى الرغم من أن المشهد كان كوميديًا ومضحكًا إلا أنه كان خارج السياق أيضًا ولم تكن ضرورة وجوده أكثر من كونه مجاملة من ماجد لفهمي وهو نفس ما حدث مع محمد ثروت الذي ظهر في دور عم دكتور لطيف (عمر وهبة) الطبيب النفسي الذي يقوم بعلاج عايشة كويس وفي نفس الوقت خطيبها حيث أن مشاهده ليس لها فائدة درامية على صعيد الفكرة الرئيسية للفيلم وخطه الأساسي ولكنه فقط لخلق موقف كوميدي اعتمد على المبالغة بعض الشئ، هذا على عكس وجود أحمد مالك الذي قام بشخصية "بولوناكي" الصبي الذي تولى زعامة عصابة بولوناكي بعد وفاة والده دون علم والدته التي يخشاها كثيرًا والذي كان وجوده ليس مجرد وجود لنجم شاب كضيف شرف ولكن كان لدوره أهمية درامية في ظل أحداث الفيلم كما انه كان اختيار موفق من المخرج أحمد الجندي.
من أهم عوامل المتعة في فيلم الكويسين: الشخصيات حيث أن كل الشخصيات المشاركة في الفيلم تقريبًا لها أهمية ومساحات فاعلة على مدار أحداث الفيلم، فلم يدور الفيلم في فلك الشخصية الرئيسية شخصية البطل أحمد فهمي الذي يظهر في الكويسين بشكل أفضل بكثير مما ظهر عليه في أولى بطلاته المطلقة "كلب بلدي" بعد انفصاله عن شيكو وهشام ماجد، ولكن شهد الفيلم تواجد جيد لأسماء أبو اليزيد في دور شقيقته التي استطاعت أن تثبت أنها ممثلة جيدة جدًا قادرة على أداء أدوار متنوعة ما بين الأدوار الجادة والمركبة مثل أدوارها في الدراما التلفزيونية أو أدوار كوميدية مثل دورها في الكويسين بأداء كوميدي جيد جدًا دون مبالغة أو افتعال أو استظراف الذي أصبح آفة أداء الأدوار الكوميدية عند الكثير من ممثلي الأدوار الكوميدية، كما شهد الفيلم ظهور مميز لبيومي فؤاد في واحد من أفضل أدواره الكوميدية من بعد فيلم الحرب العالمية الثالثة إلى جانب واحد من مفاجآت الفيلم هو الممثل عمرو وهبة أحد أبطال برنامج "SNL بالعربي" في دور الطبيب النفسي لطيف بأداء تلقائي ومميز جدًا.
أكثر ما يميز فيلم الكويسين هو أنه ليس من الأفلام التي تعتمد اعتمادًا كليًا على المفاجأة أو "التويست" الذي تتبدد أكثر من نصف متعة مشاهدة الفيلم بمجرد معرفته وربما معرفته تُنقص من رغبة مشاهدته مرة أخرى ولكن الكويسين لم يعتمد على هذا التويست بل أن نهايته كانت نهاية غير تقليدية، ففي العادة تنتهي الأفلام الكوميدية نهايات سعيدة حيث يتسامح ويتصالح الجميع ولكن نهاية الكويسين كانت أكثر واقعية ومفاجأة!.
عاد المخرج أحمد الجندي ليؤكد على أنه أحد أهم مخرجي الكوميديا الحاليين بعد عدد من الأعمال مثل "يوم مالوش لزمة" و"بنك الحظ" التي لم تكن على نفس مستوى أعماله الأولى، عاد ليؤكد على أنه من المخرجين القلائل اللذين لديهم الحس المنضبط في إخراج الأفلام الكوميدية، فهو مخرج لديه القدرة على توظيف عناصر الفيلم في خدمة الكوميديا مثل شريط الصوت على سبيل المثال سواء على صعيد توظيف الموسيقى التصويرية أو على صعيد ضبط المؤثرات الصوتية مثل مشهد مطاردة مفتاح لـ"درينك وتر" في نهاية الفيلم وتوظيف قطعة موسيقى فالس عليهما وهما في الهواء قبل سقوطهما على الأرض، بالإضافة إلى ضبط أداء الممثلين وإدارتهم بشكل جيد حيث لم ينجرف الفيلم إلى الاستسهال والاستظراف.
أخيرًا، يعتبر فيلم "الكويسين" فيلمًا مناسبًا لأجواء الأجازات والعطلات الصيفية ولكن من المؤكد أنه سيكون صالح للمشاهدة فيما بعد انقضاء مواسم الصيف والعطلات حيث أنه فيلم ممتع ومبهج بالأساس.
اقرأ أيضًا:
6 أسباب تدفعك لمشاهدة آخر مواسم مسلسل House of Cards