انتهت فعاليات مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي في دورته الحادية عشر، عُرض خلالها 46 فيلمًا في المسابقات الأربعة للمهرجان وهي: مسابقة الأفلام الروائية القصيرة ومسابقة الأفلام التسجيلية ومسابقة الأفلام الروائية الطويلة وبانوراما الفيلم الجزائري القصير.
حُجبت جائزة المسابقة الأخيرة لضعف مستوى الأفلام الثمانية المشاركة، بينما شهدت المسابقات الثلاثة الأخرى منافسة قوية، وسنتناول بالتحليل جوائز المهرجان.
مسابقة الأفلام الوثائقية:
-جائزة الوهر الذهبي لأفضل فيلم وثائقي: طعم الأسمنت للمخرج زياد كلثوم
-جائزة لجنة التحكيم الخاصة: معركة الجزائر .. فيلم في التاريخ للمخرج خالد بن إسماعيل
-تنويهات: آلات حادة للمخرجة نجوم الغانم - النحت في الزمن للمخرج يوسف ناصر - مرايا الشتات للمخرج قاسم عبد
كانت هذه هي المنافسة الأقوى في المهرجان، ضمت المسابقة 14 فيلمًا، عدد كبير منها جاء متميزًا فنيًا، مثل الفيلمين الفائزين وأفلام "آلات حادة" للمخرجة، و"كباش ورجال" للمخرج كريم الصياد. تميزت المسابقة لاحتوائها على تنوع حقيقي على مستوى الموضوعات، والتقنينات السينمائية.
ما قدمه المخرج زياد كلثوم في فيلمه يجعله دائمًا المنافس الأقوى في أي مسابقة يشارك فيها، الفيلم لا يتابع شخصية أو حدثًا بعينه، لكنه يصور لقطات متفرقة لبعض عمال البناء وبعض المباني تحت الإنشاء في لبنان، ويحكي على لسان راوي ذكريات عامل بناء سوري -لا نشاهده- يتذكر طفولته مع والده الذي كان عامل بناء، ثم ذكريات الحرب مؤخرًا وانتقاله أيضًا للعمل في البناء في لبنان.
الحوار في الفيلم لا يتجواز دقائق قليلة من مدته، لكنه يُوظف بشكل مناسب ليعبر عن حالة المعاناة، ليتحول البنائين الذين نشاهدهم على الشاشة لنموذج مصغر لما يحدث مع الشعب السوري. كل لقطة داخل الفيلم يظهر أن وراءها رؤية للمخرج، تظهر في التكوينات المميزة اوستغلال الإضاءة، وكذلك شريط الصوت الذي استُخدم بأسلوب فني رفيع، خاصة في المشاهد التي نشاهد فيها الأسمنت السائل وهو ينتشر على الأرضية بينما نستمع إلى صوت موج البحر، الماء والرمل اللذان كان يحلم بهما الراوي تحولا في النهاية إلى الأسمنت.
فيلم "معركة الجزائر.. فيلم في التاريخ" يتناول شهادات ومواد أرشيفية "معركة الجزائر" الشهير للمخرج جيلو بونتكورفو إنتاج عام 1966 والحاصل على الأسد الذهبي من مهرجان فينسيا. شهدت هذه الدورة من مهرجان وهران عرض فيلم ”قصة فيلم معركة الجزائر“ في المسابقة الوثائقية وهو أيضًا يتحدث عن نفس الموضوع، ولم يكن من الموفّق اختيار فيلمين عن نفس الموضوع ليُعرضا في نفس المسابقة، خاصة مع تفوق الفيلم الفائز بجائزة لجنة التحكيم بالفعل، واستخدامه لشكل سينمائي مميز وظف فيه المشاهد الأرشيفية وسط المشاهد المصورة حديثًا داخل أماكن التصوير في الجزائر وذكريات الكثير من الشخصيات التي عاصرت التصوير.
من الأفلام المهمة التي لم تحظ بجوائز أو تنويهات لجنة التحكيم، فيلمي "كباش ورجال" و"17" للمخرجة وداد شفاقوج.
الأول يقدم لنا مصارعة الكباش الموجودة في الجزائر من خلال شخصيتين رئيسيتن، موضوع مختلف ومنفذ بشكل سينمائي جيد، والثاني في سيناريو ذكي يعرض تحضيرات المنتخب النسائي الأردني لكرة القدم قبل كأس العالم عام 2016 الذي أقيم في الأردن أيضًا، ويكشف السيناريو الكثير من الكواليس التي قادت إلى الهزيمة في النهاية.
مسابقة الأفلام القصيرة:
-الوهر الذهبي لأفضل فيلم روائي قصير: شحن للمخرج كريم الرحباني
-جائزة لجنة التحكيم الخاصة: رقصة الفجر للمخرجة آمنة النجار
-تنويهات: بلاك مامبا للمخرجة آمال قلاتي - البنفسجية للمخرج باقر الربيعي - المخاض للمخرج سدير مسعود
تأتي هذه المسابقة في المنقطة الوسطى في ما يتعلق بقوة المنافسة، 14 فيلمًا عُرضت، بينها أفلام مميزة بالفعل، وأفلام لم تكن على المستوى المطلوب.
الفيلمان التونسيان الذان حصلا على جائزة لجنة التحكيم والتنويه "رقصة الفجر" و"بلاك مامبا" على الترتيب، كانا من أفضل الأفلام المعروضة، سواء في اختيار الموضوع أو في طريقة التنفيذ. أفضل ما في الفيلمين كان السيناريو المُحكم والسريع، الذي يستغل الدقائق القليلة في نقل الصورة كاملة، دون تطويل زائد عن الحد كما في أفلام أخرى مثل "ندى" للمخرج عادل أحمد يحيى.
فيلم "شحن" على مستوى الصورة السينمائية والأداء التمثيلي هو الأكثر اكتمالًا وإن كان السيناريو أقل نسبيًا من بقية العناصر، وإن كان هذا ليس عائقًا بالتأكيد لحصوله على الوهر الذهبي.
بينما كان الفيلمين الآخرين الذين حصلا على التنويهات أقل في المستوى من أفلام أخرى في المسابقة، خاصة "البنفسجية" الذي كان أداء الأطفال فيه مفتعلًا، عكس فيلم ”شحن“ مثلًا، بالإضافة لأن مسار الفيلم كان متوقعًا، ومفردات الصورة ضعيفة مقارنة بأفلام أخرى في المسابقة مثل "العبور".
يتفوق "المخاض" على المستوى السينمائي، وإن وقع أيضًا في بعض المشكلات الخاصة بالسيناريو وجاءت نهايته متبورة، بالإضافة إلى تأثره الواضح بأفلام الزومبي الأمريكية في تنفيذ مشاهد حلم بطلة الفيلم بالأطفال المشوهين والتي تكررت لأكثر من مرة دون داعٍ.
من الأفلام الأخرى المميزة على مستوى السيناريو كان "حقول المعركة" للمخرج أنور سماعين، وبعدم فوز هذا الفيلم بأي جائزة تُصبح هذه هي المسابقة الوحيدة التي لم يحصل فيها أي فيلم جزائري على جائزة أو تنويه.
مسابقة الأفلام الروائية الطويلة:
-الوهر الذهبي لأفضل فيلم روائي طويل: إلى آخر الزمان للمخرجة ياسمين شويخ
-جائزة لجنة التحكيم الخاصة: واجب للمخرجة آن ماري جاسر
-جائزة أفضل إخراج: عز العرب العلوي عن فيلم كيليكيس دوار البوم
-جائزة أفضل سيناريو: هيثم دبور عن سيناريو فيلم فوتوكوبي
-جائزة أفضل ممثل: مناصفة بين محمد بكري وصالح بكري عن دورهما في فيلم واجب
-جائزة أفضل ممثلة: أميرة شبلي عن دورها في فيلم تونس الليل
-تنويهات: فيلم الرحلة للمخرج محمد دراجي - شيرين رضا عن دورها في فيلم فوتوكوبي.
ضمت المسابقة 10 أفلام، يمكن أن يخرج معظمها من المنافسة بسهولة لضعف مستواه، مثل ”نور“ للمخرج خليل زعرور، و“رجل وثلاثة أيام“ للمخرج جود سعيد.
يحتفظ فيلم "إلى آخر الزمان" بتميز خاص يجعله يستحق جائزة الوهر الذهبي، الفيلم الجزائري الذي كان آخر فيلم يُعرض في المسابقة، كان مسك الختام، وجاء مميزًا على كل المستويات، سواء الإخراج واختيار أماكن التصوير، والسيناريو الذي نجحت من خلاله المؤلفة ياسمين شويخ في تقديم قصة حب فريدة من نوعها، بين اثنين مسنين، في منطقة مقابر، وفي ظروف خاصة، إذ تأتي جوهر إلى المقابر استعدادًا للموت، ويقع في حبها علي العامل في المقابر.
يتشابه السيناريو في الفكرة الرئيسية مع فيلم "فوتوكوبي"، قصة حب بين اثنين مسنين يتحديان الظروف المحيطة بهم، لكن الأفضلية تأتي للفيلم الجزائري، خاصة في بناء الشخصيات وخلفياتها، ثم مراحل تطور قصة الحب وصولًا إلى نهاية الفيلم، عكس الفيلم المصري، الذي انشغل بعدد من الخطوط الفرعية التي لم تضف الكثير إلى الفيلم، بالإضافة للبطء الواضح في إيقاعه.
بجانب جائزة السيناريو حصل "فوتوكوبي" أيضًا على تنويه لشيرين رضا عن دورها في الفيلم، حاولت الممثلة بالفعل أن تبدو لائقة لأداء
شخصية سيدة عجوز تجاوزت الستين من عمرها، ولكن محاولتها كانت ظاهرة بشكل أكثر من اللازم، سواء في طبقة صوتها أو حركتها، فلم يبدُ أداءها طبيعيًا بالقدر الكافي رغم اجتهادها، ويعود هذا من الأساس لاختيارها لأداء هذه المرحلة السنية التي لم تناسبها.
بوجه عام لم تكن المنافسة على جائزة أحسن ممثلة قوية، كان هناك أداء جيد من جميلة عراس في "إلى آخر الزمان"، بجانب منافسة قوية بين آمال الهذيلي وأميرة شبلي في فيلم "تونس الليل" لتذهب الجائزة في النهاية إلى أميرة شبلي التي قدمت دور الفتاة المشتتة بين هويتها وأسرتها بقدر كبير من الإجادة، رغم وجود انفعالات زائدة كانت تحتاج إلى المزيد من الضبط في بعض المشاهد.
بينما كانت المنافسة أقوى في جائزة أفضل ممثل بين محمود حميدة عن أدائه في فيلم "فوتوكوبي" ورؤوف بن عمر في فيلم "تونس الليل" الذي حصل على الجائزة في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عن نفس الدور، وجيلالي بو جمعة عن دوره في "إلى آخر الزمان"، لتذهب الجائزة في النهاية إلى "واجب" مناصفة بين محمد بكري وابنه صالح بكري، وقد سبق وحصلها عليها مناصفة أيضًا في مهرجان دبي العام السينمائي، تأتي هذه المناصفة رغم تفوق محمد بكري في الكثير من المشاهد بشكل ملحوظ على صالح.
لكن هذه المنافسة في الأداء بين الأب والابن أضافت بالتأكيد للسيناريو المميز الذي كتبته وأخرجته آن ماري جاسر، والذي قدم طرح عدة أفكار عن صراع الأجيال والنظرة المختلفة للاحتلال الإسرائيلي، من خلال فكرة بسيطة هي توزيع دعوات حفل الزفاف على الأصدقاء وأفراد الأسرة في الأماكن المختلفة.
تبقى جائزة أخيرة هي الإخراج التي ذهبت للمخرج المغربي عز العرب العلوي، لا يمكن إغفال الاهتمام الواضح بعناصر الصورة المختلفة في الفيلم، وإن كان السيناريو مشتتًا في نصفه الأول.
ربما راعت اللجنة -وهو ما يحدث عادة- التنوع في الجوائز، وبالنظر إلى عدم وجود منافسة قوية في المسابقة فقد كانت الاختيارات التي يمكن التحرك فيها محدودة في النهاية.
انتهت الدورة الحادية عشر من المهرجان، التي كانت عليها بعض الملاحظات في ما يخص التنظيم، وإن كان المتسوى الجيد للكثير من الأفلام عوض هذه النقائص.
اقرأ أيضًا:
مهرجان وهران للفيلم العرب.. 5 محطات في الأفلام القصيرة