كان خبر انفصال أحمد فهمي عن هشام ماجد وشيكو مفاجأة غير سارة للجمهور الذي اعتاد مشاهدتهم معًا، وخاصة أن الانفصال جاء بعد نجاح كبير لآخر أفلامهم ”الحرب العالمية الثالثة“.
بعدها مالت الكفة أكثر إلى أحمد فهمي، فتفوق أولًا بفيلمه ”كلب بلدي“ على فيلم ”حملة فريزر“ للثنائي ثم في العام التالي أيضًا تفوق مسلسله ”ريح المدام“ على مسلسلهما مع أحمد مكي ”خلصانة بشياكه“.
فيلم ”قلب أمه“ يبتعد عن منافسة فهمي، لكنه لا زال يحمل أهمية خاصة لشيكو وهشام ماجد حتى يثبتان أنفسهما بعد هذا الانفصال بعمل جيد، أو تكون النتيجة أنهما الخاسران من الانفصال.
زمن ”سمير وشهير وبهير“ الجميل
نتابع في الفيلم شخصيتين رئيسيتين، مجدي تختوخ (شيكو) زعيم العصابة المشهود له بالإجرام، ويونس عبد الحي (هشام ماجد) الشاب ضعيف الشخصية الذي يعيش مع أمه (دلال عبد العزيز) ذات الشخصية القوية.
يقع حادث لتختوخ ويصاب في قلبه، فيكون الحل نقل قلب الأم التي كانت على وشك الوفاة إلى تختوخ ليواصل حياته بقلب أم يونس، ويجد نفسه يضعف أمام هذا الأخير ويتعامل معه بنفس سلوك الأم، مما يؤثر على حياة كل منهما.
كتب سيناريو الفيلم أحمد محي ومحمد حمدي، عن فكرة لتامر إبراهيم، عدد كبير من المسلسلات الكوميدية الناجحة في العامين الأخيرين كان تامر إبراهيم شريكًا فيها، مثل ”ربع رومي“ و“ريّح المدام“، بينما لم ينل الثنائي محي وحمدي نفس النصيب من النجاح بأعمالهما التي يعد أشهرها ”خلصانة بشياكة“، لكن تعامل الثلاثة معًا أسفر عن نتيجة جيدة جدًا نشاهدها في ”قلب أمه“، بل لا نبالغ إن قلنا أن السيناريو هو أحد أهم أبطال العمل.
”سمير وشهير وبهير“ أحد أفضل أفلام الثلاثي، وأكثرها شهرة، لم يكن مميزًا فقط لطرافة الفكرة واستغلال الانتقال للزمن في مفارقات كوميدية غير مسبوقة، لكن بالإضافة لذلك قدم الفيلم رسمًا جيدًا للشخصيات الرئيسية والثانوية للفيلم، صحيحٌ أنها كانت شخصيات أحادية البعد في أغلبها، ولكن هذا لم يتعارض على الإطلاق مع منطق الفيلم وطبيعته الكوميدية.
على نفسى الخطى، يأتي رسم الشخصيات في ”قلب أمه“، وبالذات شخصية مجدي تختوخ.
لماذا نحب مجدي تختوخ؟
سريعًا، وبشكل مناسب للفيلم الكوميدي، يعرفنا كتاب السيناريو على زعيم العصابة بطل الفيلم، وفي مشهد واحد نتعرف على تفاصيل هذه الشخصية.
نشاهد مجدي تختوخ يهدد أحد الرجال الخائنين بالقتل، ويسأله عدة أسئلة تعرّف المشاهد عليه، مثل: ”إنت عارف مجدي تختوخ أول مصروف خده في حياته عمل بيه إيه؟“ فيكون الرد ”أكيد جبت بيه أسلحة طبعًا“ وهو الرد المتوقع أيضًا من قبل الجمهور، الذي يتوقع أن يكون هذا هو ما يفعله زعيم العصابة المهيب الذي على الشاشة، لكن تختوخ يجيب: ”جبت بيه كيس شيبسي بالطماطم، كان حلو أوي“. هكذا نتعرف على الشخصية ببساطة، الصورة تخبرنا أن هذا الرجل له أتباع، وله تأثير مخيف يظهر من الشخص الخائف منه، والحوار يخبرنا أن زعيم العصابة هذا ساذج ومن هنا تبدأ المفارقات.
يستمر السيناريو في الانتقال بين الأحداث بشكل جيد، بالتوازي في البداية نتعرف على يونس وعلاقته بأمه وخطيبته، قبل أن يلتقي الخطان لاحقًا، ويضاف إليهما ضابط الشرطة الساذج عاطف الشعلة (محود الليثي) الذي يحاول الإيقاع بتختوخ، ورغم كثرة تقديم شخصية الضابط الساذج الذي يحاول أن يبدو ذكيًا بينما هو أبعد ما يكون عن ذلك، لكن الفيلم ينجح في تقديم مواقف جديدة خاصة بهذه الشخصية، بعضها أقرب لفكرة البارودي التي يحب الثنائي شيكو وهشام ماجد تقديمها، مثل محاولة إقناع يونس الضابط ليقبض على تختوخ في أكثر من موقف متلبسًا بجريمة ما، لكن عاطف شعلة يصر على تركه حتى يقبض عليه في العملية الكبرى، عملية لبن العصفور.
نصل إلى البطل الآخر يونس وهو شاب ساذج لا يستطيع أن يفعل شيء بمفرده، وهو ما يضيف المزيد إلى مفارقات الفيلم بعد احتلال تختوخ مكان أم يونس، ليذلل له كل الصعاب في حياته بشكل مفاجئ وغير مناسب لشخصية الشاب الهش، من التفاصيل الممِّيزة للشخصية حبه لكتابة سيناريوهات أفلام رعب تحديدًا، وهي سيناريوهات يسخر منها كل من يقرأها، لكن هذه التفصيلة لم تُستغل بشكل جيد إلى نهايتها، وأضاع الفيلم بعض المشاهد في عرض محاولات الشاب ثم زعيم العصابة لإقناع بعض الفنانين بتنفيذ هذه السيناريوهات، ما لم يُستغل هنا هو تفصيلة أنها أفلام رعب يكتبها شخص جبان.
لكن الاهتمام كان أقل في بناء الشخصيات الثانوية الأخرى، بخلاف عاطف الشعلة، مثل شخصية عليا (نور قدري) حبيبة يونس وبوهيمي (محمد ثروت) زعيم العصابة عدو تختوخ، وكلاهما لم يحمل أي اختلاف على أي مستوى الكتابة أو الأداء.
في انتظار عملية لبن العصفور
العامل الأضعف في ”حملة فريزر“ كان السيناريو الذي احتوى على شخصيات ثانوية غير مهمة، واعتمد على الصدف ولي الأحداث ليصل إلى النهاية، وهو ما لا يحدث في ”قلب أمه“.
يسير سيناريو الفيلم بشكل جيد، منذ بدايته وحتى النهاية، يعرفنا بالشخصيات من خلال الأحداث نفسها، ولا يقع كثيرًا في إضافة مشاهد كوميدية بغرض الإضحاك فقط دون أن يكون لها توظيف داخل الأحداث، وتستمر الأحداث في السير، يحركها بشكل رئيسي محاولات الضابط للإيقاع بتختوخ، وبالتوازي ثلاثة صراعات أخرى مع تختوخ، الأول مع عصابة بوهيمي، والثاني مع أتباعه الذين يلاحظون تراجع نشاطه الإجرامي منذ بدأ الاهتمام بيونس، والثالث هو صراعه مع هذا الأخير لإقناعه بأنه يحبه ويبحث عن مصلحته.
هذه الصراعات الفرعية المختلفة سارت بشكل جيد طوال الفيلم، لتجتمع هذه الخيوط معًا قرب النهاية، حتى يصعب أن يشعر المشاهد بالملل طوال مدة الفيلم تقريبًا.
ليس السيناريو فقط
بينما يعد السيناريو هو نقطة الانطلاق الأولى للفيلم، وهو أحد الأبطال بوضوح، إلا أنه لا يمكن الاكتفاء به وحده إذا كانت هناك الكثير من العناصر الأخرى التي جاءت بشكل جميل أيضًا لتضيف إلى الصورة النهائية للفيلم.
أهم هذه العناصر كانت تصميم الملابس لمي جلال، تحديدًا ملابس تختوخ، استخدام المعطف الطويل الذي يرتديه بعض رجال العصابات في السينما الأمريكية، والذي كان زي الجزار في فيلم ”مافيا“، أضاف للمفارقة المحيطة بالشخصية، فهو يرتدي زي العصابات، لكنه بنيانه الجسماني بالتأكيد لا يشبه هؤلاء الذين يرتدون نفس الملابس، مع ملاحظة أنه لم يرتدِ معطفًا تقليديًا بل كان هناك دائمًا شريطًا بلون مختلف يحيط بالياقة، ويضفي عليه المزيد من الاختلاف والمزيد من الكوميديا. ويمكن أن تعد الملابس أيضًا هي العنصر الأفضل في شخصية بوهيمي -بجانب اسمها بالطبع.
فيلم ”قلب أمه“ هو العمل الأول لمخرجه عمرو صلاح، ويبدو مما شاهدناه أننا سنتابع مخرجًا لديه حس جيد في الأعمال الكوميدية، ويظهر استفادته بتجربته كمونتير، في جعل إيقاع الفيلم سريعًا، دون وجود الكثير من المشاهد التي ليس هناك حاجة لها، ليقدم واحدًا من أفضل الأفلام الكوميدية في العامين الأخيرين، ويقدم شخصية مجدي تختوخ التي سيصبح واحدًا من أفضل زعماء العصابة الكوميديين في السينما المصرية.
اقرأ أيضًا:
”حرب كرموز“.. هل هو "العالمي" أم "المضحك"!