قبل يومين، أسدل الستار على الدورة الـ71 لمهرجان كان السينمائي الدولي، وذلك بعد فعاليات استمرت لمدة 12 يوما على التوالي.
شهدت الدورة مشاركة كم هائل من الإنتاجات السينمائية من مختلف دول العالم، وتضمنت عروض المسابقة الرسمية 21 فيلما، فيما بلغ عدد الأفلام في مسابقة نظرة ما 18 فيلما وفي مسابقة الأفلام القصيرة 8 أفلام، بالإضافة إلى البرامج الموازية مثل أسبوع النقاد ونصف شهر المخرجين.
وفي السطور التالية، نرصد أفضل الأفلام الروائية الطويلة التي تمكنا من رؤيتها خلال هذه الدورة، مع الأخذ في الاعتبار أن هناك العديد من الأفلام خارج هذه القائمة لضيق الوقت المتاح للمشاهدة.
Cold War
فيلم البولندي بافيل بافليكوفيسكي، الفائز بجائزة أفضل إخراج من قبل لجنة التحكيم التي رأستها الممثلة الأمريكية كيت بلانشيت. في مدة لا تتجاوز 85 دقيقة، يتمكن المخرج من إمتاع المشاهد بلوحات فنية مصورة بالأبيض والأسود وموسيقى تصويرية تعلق في الأذهان، وحالة كلاسيكية عذبة.
الفيلم الذي تجمع قصته بين الحب والأحداث السياسية في أوروبا منتصف القرن الماضي، يركز على حبيبين من خلفيات ثقافية مختلفة يلتقيان خلال تجارب اختبارات أداء، وتستمر علاقتهما في أجواء قمعية ممتدة بين حدود بولندا وألمانيا ويوغسلافيا وفرنسا.
Blackkklansman
بعدما أعلن المخرج الأمريكي سبايك لي عن عدم تسامحه مع فكرة خسارته في عام 1989 عندما شارك بفيلم Do the Right Thing، فاز فيلمه الجديد المشارك في المسابقة الرسمية بالجائزة الكبرى. لكن هذا لا يعني أن لجنة التحكيم منحت الفيلم الجائزة لمراضاة المخرج، وإنما لأنه يعد واحدا من أفضل أفلام الدورة.
اعتمد سبايك لي على أحداث حقيقية لتقديم فيلمه الذي يدور في فترة السبعينيات كي ينتقد بشكل لاذع وساخر ما يجري في الولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة الحالية، مؤكدا أن التاريخ يعيد نفسه وأن العنصرية فكرة مترسخة في أذهان الشعب منذ سنوات طويلة.
تركز الأحداث على ضابط من أصحاب البشرة السمراء يدعى "رون ستالورث"، يلتحق بشرطة كولورادو في وقت يحيط الانقسام ومشاعر الكراهية بين السود والبيض. يتولى مهمة يقوم خلالها بتغيير نبرة صوته ويتصل هاتفيا بأحد زعماء منظمة الكو كلوكس كلان العنصرية، ليقنعه بأنه ينتمى إلى العرق الأبيض ويمقط الملونين. وعندما يحين موعد اللقاء وجها لوجه، يتم التحايل على الموقف وإرسال ضابط آخر أبيض اللون يهودي يخفي ديانته المضطهدة ويقنع الأعضاء بأنه "ستالورث".
Happy as Lazzaro
شاركت إيطاليا بفيلمين في المسابقة الرسمية للمهرجان، وتميز الاثنان بأسلوبهما المختلف وقصصهما الخارجة عن المألوف. الأول فيلم المخرجة الإيطالية أليشيا روروتشر الذي نال جائزة أفضل سيناريو مناصفة مع فيلم Three Faces للإيراني جعفر بناهي.
الفيلم ينقسم إلى نصفين بطلهما شاب ساذج طيب القلب يدعى "لازارو"، يستغل من قبل المحيطين به لكن لا يأبه بالمعاناة بطريقة تضفي عليه هالة من القدسية.
النصف الأول من الفيلم يدور في منطقة ريفية حول مجموعة من الأشخاص يتعرضون للاستغلال على يد سيدة لديها مزرعة للتبغ؛ بطريقة أشبه للعبودية. هؤلاء الأشخاص رغم ما يتعرضون له، يقسون بدورهم على "لازارو" الشاب الذي يعيش معهم ولا يعيرونه اهتماما ويلقون على عاتقه المزيد من المتاعب، التي يتقبلها بنفس راضية.
بعد فضح السيدة وتحرير الأشخاص جميعهم عدا البطل الذي تعرض لحادث ودخل في غيبوبة، ننتقل إلى النصف الثاني من الفيلم الذي يوجد فارق زمني طويل بينه وبين النصف الأول لم يتم تحديده بشكل دقيق. إذ نرى الأطفال الذين عاشوا في الزرعة أصبحوا رجالا وسيدات، ورغم تحررهم وأسرهم لم يتمكنوا من عيش حياة كريمة، بل ظلوا على هامش المجتمع يحاولون كسب قوتهم معتمدين على النصب. يعود "لازارو" من الغيبوبة دون تغير في شكله كأن الزمن توقف عنده وكأنه قديسا عاد من الموت ليحيى من جديد بين أناس يحاولون التأقلم مع تطور العالم الحديث ومتطلباته التي تقتل الإنسانية وكأنها عبودية حديثة.
Dogman
الفيلم الإيطالي الثاني الذي يحمل بصمة المخرج ماتيو جارون، فاز بطله مارشيلو فونتى بجائزة أفضل ممثل، وحصل الكلب المشارك فيه على سعفة الكلب التي تم تأسيسها منذ عام 2001.
أحداث الفيلم مبنية على واقعة حقيقية، وتركز على ضاحية إيطالية يسيطر عليها أجواء الجريمة والعنف بطريقة تدفع البشر إلى فقدان إنسانيتهم. بطل الفيلم "مارشيلو" رجل هزيل منفصل عن زوجته ولديه ابنة صغيرة، ويمتلك صالونا للاعتناء بالكلاب وتنظيفهم، لا يخشى من أحجامهم الضخمة بل ينجح في ترويضهم ويجيد التصرف معهم، لكنه يخاف من "سيمون" فتوة الحي الذي يهابه الجميع ويحصل على ما يريد بقوة ذراعه.
يورطه "سيمون" في عدد من المصائب ويتسبب في دخوله السجن، ورغم أن هذا يحدث رغما عن إرادته فإن "مارشيلو" في كل مرة يتعامل بطريقة جيدة كأنه أًصبح يمتلك صفة الوفاء مثل الكلاب التي يعاشرها. تزداد الضغوط النفسية، ويتحول معها من إنسان مسالم إلى آخر ينتقم ببشاعة.
كفرناحوم
فيلم المخرجة اللبنانية نادين لبكي الذي بدأت رحلتها مع مهرجان كان السينمائي منذ عام 2005 بسيناريو فيلم "سكر بنات". تمكنت المخرجة من اقتناص جائزة لجنة التحكيم عن الفيلم الذي يشهد مشاركتها الأولى في المسابقة الرسمية، كما نالت جائزة لجنة التحكيم المسكونية التي تمنح لأعمال فنية تكشف عن أعماق البشر وما يثير قلقهم وألمهم وإخفاقاتهم في الحياة.
اختارت نادين لبكي أن تقتحم عالم من يعيشون على هامش النظام ومحرومين من الاحتياجات الأساسية، وغير مدرجين بالأوراق الرسمية متعمدة على فكرة خيالية لطفل متورط في جناية يقرر إقامة دعوى قضائية ضد والديه لأنهما أنجباه دون الحق في هوية شخصية أو حياة كريمة.
الفيلم الذي يحمل خطابا سياسيا في طيته لا يركز على قضية الهوية فقط، بل يتطرق إلى عدد من المشكلات الأخرى ويغرق في عرض تفاصيلها أحيانا مثل الزواج المبكر ومعاناة المهاجرين والعبودية الحديثة، وذلك من خلال رحلة طفلين أحدهما رضيع، في عشوائيات لبنان.
Image Book
تجربة مشاهدة أحدث أفلام المخرج جان لوك جودار مختلفة عن باقي الأفلام المشاركة في المهرجان، نظرًا لأن أسلوبه مغاير للسائد. خصصت لجنة تحكيم كيت بلانشيت جائزة تحمل اسم "السعفة الذهبية الخاصة" لتمنحها إلى المخرج صاحب الـ87 عامًا وفيلمه الجديد.
يعتمد الفيلم على السرد البصري والصوتي طارحا مجموعة من الأزمات المختلفة التي تواجها الإنسانية منتقدا الأوضاع السياسية والاستغلال الديني والفكري. وقد اعتمد جودار في بناء فيلمه على لقطات ومقاطع من أفلام روائية وتسجيلية من مختلف أنحاء العالم، مصحوبة بموسيقى أو حوار من المقطع أو تعليق صوتي على الحدث.
وخصص الجزء الأخير من الفيلم لحكاية تتناول شخصية الشيخ بن كاظم من ولاية دوفو الخليجية، يستعرض من خلالها الوضع في المنطقة العربية والثورات. وتضمن الفيلم لقطات من أعمال مصرية وعربية شهيرة، إلى جانب مقطوعات موسيقية، تستعرض هذا الجزء من العالم وتظهر طبيعته الثقافية.
Girl
فيلم المخرج البلجيكي لوكاس دونت، الذي يمكننا أن نقول عليه أنه نال إعجاب كل من شاهده خلال عرضه ضمن مسابقة نظرة ما. وقد فاز بعدد من الجوائز منها الكاميرا الذهبية التي تمنح لأفضل عمل أول وتنافس عليها هذا العام 19 فيلما، وجائزة أفضل ممثل لصالح فيكتور بوليستر.
تدور الأحداث حول شاب يمر بمرحلة علاج كي يتحول إلى فتاة تحمل اسم "لارا"، بمساندة الأب والشقيق الأصغر. تنتقل العائلة إلى مكان جديد وتسعى الفتاة إلى تحقيق حلمها في أن تصبح راقصة باليه، وسط معاناة إخفاء جسدها الذكوري أثناء التدريب، وصعوبة اقتحام عالم الفتيات المختلف.
يوم الدين
العمل الروائي الطويل الأول للمخرج المصري أبو بكر شوقي، الذي توج بجائزة فرانسوا شاليه، التي تمنح سنويا منذ عام 1997 في مهرجان كان السينمائي.
اقتحم شوقي عالم يعرفه جيدا منذ إخراجه الفيلم التسجيلي "المستعمرة" قبل ما يقرب من 10 سنوات، عندما التقى بمرضى الجذام المنعزلين داخل مستعمرة بعيدا عن أسرهم وتأثر بحكاياتهم وتفاصيل حياتهم الصعبة.
فضل أن يكون بطل فيلمه الروائي، شخص غير محترف التمثيل متعافي من المرض لكن الأثر لا يزال محفورا على وجهه. راضي جمال الذي يجسد دور "بيشاي"، رجل أسمر، قصير القامة، تضررت ملامحه وتلفت أطرافه بفعل المرض. وبعدما أخذت منه الحياة زوجته، قرر خوض رحلة للبحث عن عائلته في محافظة قنا حتى يجد من يتذكره بعد أن يموت. يشاركه في الرحلة، طفل يدعى "أوباما" تجمعهما حالة الهجر؛ فالأول هجرته عائلته في الصغر أمام مستعمرة الجذام، والثاني هجرته أسرته دون إرادة بسبب الموت فأصبح يتيما. ومعهما حمار هزيل يجرهما بعربة حتى منتصف الرحلة ثم يموت في سلام.
Shoplifters
خلال تواجده للمرة السابعة في المهرجان السينمائي الأهم في العالم، نجح المخرج الياباني هاروكازو كويردا، في اقتناص السعفة الذهبية عن فيلمه العائلي الجديد.
تدور الأحداث حول عائلة تعيش على سرقة المتاجر، لكنها ليست عائلة بالمعنى المعروف بل مجموعة من الأشخاص يعيشون معا في أجواء دافئة وحميمية.
يطرح الفيلم مجموعة من التساؤلات حول معنى العائلة الحقيقية، وأهمية رابطة الدم التي تجمع الآباء والأبناء، ومفهوم العدالة الاجتماعية في ظل أشخاص يعيشون على فتات الآخرين.
Burning
فيلم المخرج لي تشانج دونج الذي حقق رقما قياسيا جديدا في تاريخ لجنة تحكيم مجلة Screen Internation المكونة من نقاد وصحفيين تابعين لمجلات ومواقع سينمائية عالمية شهيرة، وذلك بعد حصوله على متوسط تقييم 3.8 من 4. كما نال الفيلم جائزة لجنة تحكيم الاتحاد الدولي للنقاد (فيبريسي) نظرًا لكونه مبهر بصريا ويقدم صورة عاطفية تنتقد المجتمع المعاصر.
الفيلم مأخوذ عن قصة قصيرة للكاتب الشهير هاروكي موراكامي، وتدور أحداثه حول شاب بسيط يتمنى أن يصبح كاتبا، يلتقى بجارته القديمة التي تتقرب منه ثم تطلب أن يعتنى بقطتها خلال سفرها في رحلة إلى أفريقيا. تعود الفتاة مرة ثانية لكن بصحبة شاب غني يمتلك كل شيء.
يوضح الفيلم الفرق بين الطبقات الاجتماعية والصراع بين الأغنياء والفقراء في كوريا، كما يتضمن مجموعة من الأفكار الفلسفية حول الهدف من الحياة والبحث عن الذات وقيمة الحب في مواجهة المادة.