مرحلة جديدة من التحدي سيتوجب على صناع الدراما التلفزيونية العربية خوضها خلال المرحلة المُقبلة. بعد سنوات من العمل وفقًا لآليات كلاسيكية لتقديم محتوى لا يملك المشاهد العربي إلا الاختيار من بينه حسب تفضيلاته، ليخُرج صُنّاع كل مسلسل في نهاية الشهر مؤكدين أنهم في صدارة ترتيب المشاهدة، دون أن يعرف أحد يقينًا معيار هذا الزعم أو كيف يمكن لهذا القدر من الأعمال أن تكون كلها في الصدارة!
التحدي الجديد يتمثل في دخول شبكة "نتفليكس" ـ المنصة الأكثر نموّا في صناعة الترفيه العالمية ـ إلى المنطقة. وانطلاقها ليس فقط في إنتاج محتوى درامي عربي، وإنما في دراسة سلوك المشاهد العربي وتفضيلاته، بما يعني فهمًا أكبر لما يريده الجمهور من أعمال، وكيف يقومون بمشاهدة هذه الأعمال، وبالتالي توجيه بوصلة الإنتاج صوب ما يريده الجمهور حقًا.
دراسة قيمة عن 90 ساعة إضافية
في أستوديو شارع 8 بإمارة دبي، نظمت Netflix لقاءً صحفيًا للكشف عن أحدث دراسة أجرتها من خلال مؤسسة يوغوف للبحوث على المشاهدين في ثلاثة من أكبر الأسواق العربية (مصر والسعودية والإمارات). دراسة أجريت على 1548 شخصًا عمرهم أكبر من 18 سنة، يمثلون كافة شرائح المشاهدين في البلدان الثلاثة، انطلاقًا من رصد Netflix لسلوك جمهورها خلال رمضان الماضي 2017، والذي أسفر عن كون أغلب المشاهدين يمتلكون ثلاث ساعات إضافية لمشاهدة الدراما خلال الشهر، هي الساعات بين الثانية والخامسة صباحًا.
تلك الساعات تشهد إقبالًا واضحًا على المشاهدة مقارنة بباقي شهور السنة، الأمر الذي تطلب إجراء الدراسة لتحديد آليات هذا السلوك، وتفضيلات المشاهدين خلاله، خاصةً وإن ثلاث ساعات يوميًا تعني 90 ساعة كاملة في الشهر، أي إن المشاهد لو بدأ مشاهدة المسلسل الشهير "فريندز" في بداية الشهر، يمكنه أن يُنهي الحلقة العاشرة في الموسم الثامن مع نهاية الشهر.
هدف Netflix كما شرحت ليلى غيلاني ليارد ـ المتحدثة باسم Netflix الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ـ هو تقديم محتوى جذاب يلائم ذوق مشاهدي هذه الساعات الثلاث، سواء كانوا ممن يشاهدون الدراما مع العائلة أو بشكل منفرد، مع مراعاة الفروق الطفيفة بين الأسواق الثلاثة موضوع البحث، والتي أظهرت نتائجًا مثيرة للاهتمام سنقوم باستعراضها.
المُشاهد في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
غالبية الأشخاص في المنطقة (78%) يشعرون بأنهم يمتلكون وقتًا إضافيًا في رمضان لممارسة أنشطة يحبونها، وقت يصل لثلاث ساعات لدى 28% من الناس وإلى ساعتين لدى 28% آخرين. أكثر من ثلث الناس (35%) يستخدمون الوقت الإضافي في مشاهدة التلفزيون والأفلام، ومثلهم (35%) لا يدخلون للنوم كل ليلة قبل الخامسة صباحًا.
30% من سكان المنطقة يشاهدون التلفزيون بين ساعة وساعتين في الليلة مع عائلتهم، وتأتي الأعمال الكوميدية في مقدمة تفضيلاتهم، وهي نفس النوعية المفضلة لدى 31% يشاهدون التلفزيون وحدهم، وإن كان المشاهدون المنفردون أكثر ميًلا لنوعيات أخرى هي الدراما الاجتماعية والأكشن والتشويق.
المشاهدة باللغة العربية هي السائدة في مصر والسعودية، بينما يميل سكان الإمارات أكثر لمشاهدة الأعمال باللغة الإنجليزية.
الفروق بين الأسواق الثلاثة
النتائج عمومًا تظهر تجانسًا بين الجمهور في الدول الثلاث، الأعمال الكوميدية تتقدم التفضيلات مثلًا لكل الفئات في كل مكان. لكن هناك أيضًا فروق يمكن رصدها بل وربطها بطبيعة الحياة في كل بلد. فسكان الإمارات مثلًا أقل ميلًا للسهر بوجود 15% فقط ينامون بعد الخامسة صباحًا، في مقابل 50% من سكان السعودية و39% من سكان مصر يخلدون للنوم في هذا الوقت المتأخر.
نسبة مشاهدي الدراما التلفزيونية في الإمارات تقل عمومًا عن مصر والسعودية، والمشاهدة في البلدين تختلف نسبياً بميل المصريين للمشاهدة مع العائلة (35%) عن المشاهدة المفردة (27%)، بينما يفضل السعوديون المشاهدة المنفردة (31%) عن الجماعية (26%).
وحتى الأنواع المفضلة تختلف بين البلدان وبين نوعية المشاهدة، وإن كانت الكوميديا صاحبة الصدارة في كل مكان، لكن ما يليها يختلف. فنجد أن التفضيلات في الإمارات هي الكوميديا ـ التاريخي ـ الدراما الاجتماعية (مع العائلة) التاريخي – الكوميديا – الدراما العائلية (الفردية). في السعودية التفضيلات هي الكوميديا – الدراما الاجتماعية – التاريخي (مع العائلة) الكوميديا – التاريخي – الرعب (الفردية). أما مصر فيميل مشاهدوها إلى الكوميديا – الدراما الاجتماعية – الأكشن والتشويق والتاريخي (مع العائلة) الكوميديا – الدراما الاجتماعية – التاريخي (الفردية).
Netflix في رمضان
الدراسة تكشف عن اهتمام كبير توليه Netflix بموسم رمضان في المنطقة العربية، ورغم أن سياسة الشبكة لا تتضمن إنتاج أعمال لموسم بعينه، إلا أن قائمة الأعمال الجديدة التي يتم طرحها خلال شهر مايو تعكس رغبة في منافسة الدراما التلفزيونية التقليدية بمحتوى جذاب وملائم للمشاهد العربي.
ففي قائمة الأعمال الجديد نجد المسلسل الدنماركي "المطر The Rain" عن مجموعة من الناجين بعد ست سنوات من هطول أمطار محملة بالفيروسات قضت على الحياة في اسكندنافيا. وفي أجواء مشابهة تدور أحداث الفيلم الإسترالي "شحن Cargo" عن أب مصاب بوباء مخيف لديه 48 ساعة فقط لإنقاذ طفله الوحيد من الوباء. في الفيلم الإسباني "مفكرة ساره Sara’s Notebook" تسافر امرأة إلى كينشاسا في قلب منطقة يحكمها أمراء الحروب بحثًا عن شقيقتها المختفية.
ومن الأعمال العربية يستمر مسلسل "جراند أوتيل" المعروض باسم "Secret of the Nile" بين أكثر الأعمال شعبية، ومعه الفيلم اللبناني "فيلم كتير كبير" والأردني "انشالله استفدت". وبشكل عام تسعى الشبكة ـ وفق غيلاني ليارد المتحدثة باسم Netflix الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ـ لإنتاج وشراء رخص عرض أعمال تنتمي لثقافات مختلفة، لكنها صالحة لجذب المشاهدين حول العالم، ضاربة المثل بالنجاح الكبير للمسلسل الألماني "دارك Dark" والإسباني "سرقة المال La Casa de Papel" في كل مكان بالعالم.
قائمة كبيرة من الأفلام والمسلسلات والبرامج تطلقها Netflix خلال شهر مايو، ستدخل تلقائيًا المنافسة مع المسلسلات العربية التي سيبدأ عرضها مع بدء شهر رمضان. أي إننا بصدد دخول لاعب جديد للساحة بقوة مسلحًا بأكبر الإنتاجات في العالم، وبأبحاث تسويقية جادة تهدف للنجاح عبر تلبية تفضيلات الجمهور حقًا، وليس عبر زعم الجميع بأنهم في صدارة المشاهدة.