منذ عدة سنوات لم يتخط المعروض 40 فيلما خلال عام واحد، في عام 2017 وحتى كتابة هذه السطور، عرض خلال العام 44 فيلمًا، وبإضافة الأفلام التي عرضت بشكل محدود في سينما زاوية وبعض دور العرض الأخرى، وعددها 4 هي: "موج" و"أنا الشعب" و"صيف تجريبي" والوثائقيLes Petits Chats، يصبح العدد الإجمالي 48 فيلمًا خلال عام واحد.
نحن نتحدث فقط عن الأفلام التي عُرضت تجاريًا لمدة أسبوع أو أكثر في دور العرض المصرية.
هذا الرقم الكبير من الأفلام بالتأكيد جدير بالتحليل، إذ لم يأت من فراغ وبالتأكيد يحمل في طياته الكثير من الظواهر الجديرة بالتحليل.
لاعبون جدد
حتى العام السابق لم يكن لدينا سوى شركات محدودة هي التي تقدم عددًا من الأعمال في كل سنة وتستحوذ على الشريحة الأكبر من الإيرادات، يمكن حصرها في: السبكي للإنتاج السينمائي (محمد السبكي)، والسبكي فيلم للإنتاج السينمائي (أحمد السبكي)، ونيو سينشري وفيلم كلينك التابعة لمحمد حفظي والتي تقدم عادة نوع مختلف عن الأفلام التجارية السائدة.
قدمت عدة شركات جديدة فيلمها الأول أو الثاني، وسنمر هنا على الشركات التي حققت أفلامها نجاحًا سواء على مستوى الجمهور أو النقاد.
من هذه الشركات ”مقام للإنتاج الفني“ التي قدمت فيلم "الهرم الرابع" في العام الماضي وكان واحدًا من أنجح الأفلام إذ لم يعتمد على نجوم وحقق إيرادات جيدة، تواصل الشركة نجاحاتها مع فيلم "القرد بيتكلم" ومرة أخرى في تجربة من تأليف وإخراج بيتر ميمي، وكان الفيلم أحد أنجح أفلام يناير الماضي، بل إنه تخطى إيرادات فيلم الفنان محمد رمضان ”آخر ديك في مصر“ رغم الشعبية الكبيرة لهذا الأخير، وإن كان محمد رمضان يستحق إشارة أخرى ستأتي لاحقًا. شركة ”مقام“ تراهن على نوعية مختلفة من الأفلام التجارية، أمريكية الطابع بشكل ملحوظ، إلا أنها تنجح في جذب شريحة كبيرة من الجمهور.
أطل كذلك المنتج وليد منصور بشركته Talent Media Production بفيلم ”تصبح على خير“، ويواصل وليد منصور سياسة اللعب في المضمون، إذ كما تعامل في فيلم الأول مع أحمد السقا وعدد من النجوم في ”من 30 سنة“، يقدم في ”تصبح على خير“ تامر حسني المعروف عنه النجاح على المستوى السينمائي.
تجدر الإشارة أيضًا لشركة ”Red Star“ التي قدمت فيلمها الثاني ”الأصليين“ في موسم عيد الفطر، وسيعرض لها أيضًا ”فوتوكوبي“، وقد حقق الأول حالة كبيرة من الجدل بين النقاد بعد عرضه، بينما جمع إيرادات تخطت الثمانية ملايين، وهو رقم ليس كبيرًا وإن كان جيدًا بالنسبة لموضوع الفيلم، بينما حصد الفيلم الثاني جائزة أفضل فيلم عربي عند عرضه الأول في مهرجان الجونة السينمائي. حتى الآن تحاول هذه الشركة محاولة تقديم أعمال مختلفة لكنها قريبة من الجمهور في الآن ذاته.
شهد العام أيضًا ظهور Birthmark Films التي قدمت فيلمها الروائي الأول ”بشتري راجل“ الذي لم يحقق نجاحًا كبيرًا في شباك التذاكر، وإن كان بمثابة بداية جيدة على المستوى الفني للشركة، خاصة وقد أعاد الفيلم نيللي كريم للكوميديا بعد طول غياب، وقدم محمد ممدوح في أول ظهور له كبطل سينمائي.
ورغم عدم تألق العام السينمائي بشكل لافت، إلا أنه قدم لنا عدد من المخرجين في أفلامهم الروائية الطويلة الأولى.
أبرز هؤلاء شريف البنداري ومحمد حماد كما سنذكر لاحقًا، وينضم إليهما أيضًا روماني سعد بفيلم ”ممنوع الاقتراب والتصوير“ الذي كان يمكن بالتأكيد أن يخرج بمستوى أفضل في معظم تفاصيله، وفي الكوميديا أيضًا كان هناك محمود كريم بفيلم ”ياباني أصلي“ الذي نجح في إعادة أحمد عيد إلى الأضواء بعد طول غياب، وأخيرًا يجب ذكر أحمد خالد موسى الذي قدم أول أفلامه ”هروب اضطراري“، واستمر فيه موسى في إجادة تقديم نمط الأكشن الذي يفضله، الفيلم يعد كذلك أحد أعلى الأفلام تحقيقًا للإيرادات خلال العام، وربما في تاريخ السينما، و“ربما“ هذه تنقلنا للنقطة التالية.
الأعلى ثم الأعلى
في كل موسم تخرج بعض الشركات لتشير إلى تلاعب الشركات الأخرى لترفع إيرادات أفلامها وتقلل من المنافسين، وفي الموسم التالي، عندما ينقلب ترتيب الإيرادات، تنقلب الاتهامات. بنظرة متفائلة، قد يعني هذا أن الإيرادات التي تصل إلينا هي الأقرب إلى الصحة طالما الكل يشكو، وإلى أن نصل إلى أرقام رسمية معلنة، فسنعتمد على الأرقام المتاحة حاليًا.
يجب في البداية توضيح أن الطريقة التي تعتمد عليها الشركات لإعلان فوزهم بلقب ”الأعلى إيرادات في التاريخ“ تفتقر إلى الدقة، إذ أن المتابع لصناعة السينما في السنتين الأخيرتين، يعلم جيدًا أن أسعار التذاكر زادت على الأقل 3 مرات، في الوقت ذاته زاد عدد دور العرض، وخاصة في المولات الجديدة والتي تضم أكثر من شاشة، وهكذا كانت النتيجة هي فوضى ”الأعلى“.
في العام الماضي حصل على اللقب فيلم ”جحيم في الهند“ في عيد الفطر بإيرادات تخطت الثلاثين مليونًا، قبل أن يأتي فيلم ”لف ودوران“ لينتزعه منه سريعًا بعد أن تخطى الأربعين مليونًا.
السيناريو نفسه تقريبًا تكرر في العام الحالي، ”هروب اضطراري“ حصد اللقب بعدما تخطى الخمسين مليون بعد عرضه في عيد الفطر، ثم جاء ”الخلية“ الذي عُرض في الأضحى ليأخذ اللقب منه، حاليًا كلاهما يدور حول الـ 55 مليونًا.
الدخول في التفاصيل الحسابية يستلزم مقالًا منفصلًا، ولكن ما يمكن الإشارة إليه هو أن هذه الإيرادات تعني وجود إقبال جماهيري كبير على هذه الأفلام، الملاحظ هنا استمرار الفيلمين الأخيرين في دور العرض لعدة أسابيع رُغم وجود عدة أفلام أخرى منافسة، إلا أنهما صمدا وأزاحا المنافسين، هذا يشير إلى أمر مهم.
لا شيء يعلو فوق صوت المعركة
لعدة سنوات، ربما منذ الثورة التي أطلقها ”إسماعيلية رايح جاي“ قبل 20 عاما، كان من النادر جدًا أن يحتل فيلم غير كوميدي صدارة الإيرادات، الاستثناءات محدودة جدًا، لكن الجمهور في عام 2017 كان له رأيٌ آخر.
احتل قمة الإيرادات فيلمي ”الخلية“ و“هروب اضطراري“ وكلاهما يندرج تحت فئة أفلام الأكشن، بينما لم تنجح أفلام الكوميديا في احتلال مكانة مميزة، باستثناء ”تصبح على خير“ الذي ينتمي أكثر إلى الرومانتيك كوميدي، إذ تجاوز 27 مليونًا.
بينما لم تنجح معظم الأفلام الكوميدية الأخرى حتى في تجاوز حد الـ10 ملايين، ومنها أفلام ”خير وبركة“ و“آخر ديك في مصر“ و“ياباني أصلي“، وبالطبع ”عنتر ابن ابن ابن ابن شداد“ الذي يعد أحد أبرز إخفاقات العام، لاعتماده على نجم كوميدي مهم ومحبوب هو محمد هنيدي، لكنه تذيل قائمة الإيرادات وقت عرضه في عيد الأضحى مع إيرادات لم تتجاوز السبعة ملايين.
وربما يعطينا سقوط هنيدي تفسيرًا بسيطًا لتراجع الكوميديا في شباك التذاكر، إذ أن ما قدم خلال العام لم يكن فيه ما يلفت الأنظار بشكل قوي، حتى يُقبل عليه الجمهور، وإن كان إقبال الجمهور على الأكشن يعني أننا سنشهد موجة أكبر من أفلام هذه الأفلام في السنوات القادمة.
خلاف حاد
على الرغم من كثرة الأفلام التي عُرضت، إلا أن الأفلام المميزة فنيًا والتي تبقى في الذاكرة قليلة جدًا، بجانب أن بعض الأفلام شهدت خلافًا حادًا بين النقاد.
الأفلام الأبرز التي يمكن الوقوف عندها هذا العام يأتي في مقدمتها ”علي معزة وإبراهيم“ الفيلم الروائي الطويل الأول لشريف البنداري، الذي لم يلق إقبالًا جماهيريًا لكنه تجربة قوية ومبشرة.
كان هناك أيضًا فيلم ”مولانا“ لمجدي أحمد علي الذي كان فيلم افتتاح العام، وشهد إقبالًا جماهيريًا جيدًا يندر تكراره مع فيلم بهذا الموضوع، وقد كان أداء عمرو سعد في الفيلم لافتًا.
ثم في الربع الأخير من العام كان لقاءنا مع ”شيخ جاكسون“ لعمرو سلامة و“أخضر يابس“ لمحمد حماد، حظى الأول بالطبع بتوزيع وإقبال جماهيري أكبر من الثاني، دعمه في هذا اعتماده على عدد من الممثلين المعروفين، بينما يعد ”أخضر يابس“ تجربة سينمائية خاصة ومختلفة.
جدير بالذكر أنه هذه الأفلام باستثناء ”شيخ جاكسون“ عرضت في مهرجانات مختلفة خلال عام 2016 قبل أن تعرض في مصر تجاريًا خلال العام الحالي.
أما الخلاف الحاد فكان على فيلمي ”الأصليين“ لمروان حامد و“الكنز: الحقيقة والخيال“ لشريف عرفة، وصلت إلى حد وصف نفس الفيلم بأنه أعظم ما كتب للسينما في رأي، وبأنه خدعة في رأي آخر، وبعيدًا عن المستوى الفني للفيلمين، هذه الحالة من الجدل والنقاش صحية إلى حد كبير، ومن المفيد وجود آراء نقدية متعددة حول الأفلام المعروضة.
العائدون من 2007
واحدة من العلامات الأخرى على النشاط السينمائي لهذا العام، هي عودة عدد من الأسماء في مختلف جوانب الصناعة للمشاركة مرة أخرى.
على مستوى الإنتاج، شهد العام عودة المنتج الفلسطيني الكبير حسين القلا من خلال فيلم ”يوم من الأيام“، القلا صاحب ”الشركة العالمية للتلفزيون والسينما“ كان له فضل كبير في ظهور عدد من أهم أفلام السينما المصرية لمخرجي الواقعية مثل ”الكيت كات“ و“أحلام هند وكاميليا“، وقد توقف عن الإنتاج منذ عام 2007 قبل أن يعود العام الحالي وإن كانت العودة غير موفقة إذ لم يصمد الفيلم في شباك التذاكر، ورُفع سريعًا.
يشهد العام أيضًا عودة الفنانة ميرفت أمين لأدوار البطولة في ”ممنوع الاقتراب أو التصوير“ وإن لم يحقق الفيلم أيضًا نجاحًا يذكر، ميرفت أمين كانت متواجدة من خلال البطولة الجماعية في ”من 30 سنة“ عام 2016 لكنها لم تقدم أدوار بطولة منذ ظهورها مع عادل إمام في ”مرجان أحمد مرجان“ عام 2007.
ويبدو أن 2007 هو العام الذي قرر الكثيرون أن يتوقفوا فيه عن مواصلة نشاطهم حتى العام الحالي، إذ يعود أيضًا هذا العام المخرج محمد علي للسينما مع ”بشتري راجل“ بعد أن كان آخر أفلامه هو ”الأولة في الغرام“، ولا شك أن عودته كانت جيدة بهذا الفيلم الرومانسي الكوميدي الهادئ، الذي كان البطولة الأولى لأحد أنشط الممثلين هذا العام.
4 أفلام في عام واحد
محمد ممدوح كان حضوره لافتًا خلال العام، الفنان الوحيد الذي شارك في 4 أفلام بينها فيلمين في دور رئيسي ”بشتري راجل“ و“بنك الحظ“ ودور مساعد في فيلم واحد ”الخلية“ وظهور شرفي في فيلم ”الأصليين“.
لفت ممدوح الأنظار في المسلسلات التلفزيونية، ثم بظهوره في أدوار صغيرة المساحة وكبيرة التأثير في فيلمي ”ولاد رزق“ و“شد أجزاء“، أداء محمد ممدوح نال استحسانًا من النقاد، بالإضافة لرضى الجمهور عنه، خاصة بعد تقديم شخصية أمين في مسلسل ”جراند أوتيل“.
باستثناء ماجد الكدواني، لم يكن لدينا في السنوات الأخيرة ممثل ينتقل بسلاسة بين المساحات المختلفة قبل الشخصيات المختلفة، فمن يصل إلى البطولة يفضل البقاء فيها إلى الأبد، حتى الآن لا يزال ممدوح قادرًا على هذا الانتقال، مؤديًا بشكل جيد في معظم هذه الأدوار، ومنتقلًا من الكوميديا البحتة في ”بنك الحظ“ إلى دور أكثر جدية في ”الخلية“ دون مشكلة.
يحل تاليًا له في الأكثر مشاركة في أدوار رئيسية، محمد رمضان، ورقم 2 سيتكرر عنده.
لا بأس برقم 2
شعبية كاسحة يتمتع بها محمد رمضان، ازدادات بشكل ملحوظ بعد عرض مسلسل ”الأسطورة“ في 2016، لكننا لن نتحدث عن الشعبية هنا بل عن الغزارة، في عام واحد عُرض لرمضان: ”آخر ديك في مصر“ ثم ”جواب اعتقال“ وأخيرًا ”الكنز الحقيقة والخيال“.
لا يوجد فنان واحد أو نجم بالمعنى التجاري السائد قدم أكثر من فيلم واحد خلال السنة، وأحيانًا خلال سنتين، استثناءات نادرة قدمها كلًا من أحمد حلمي وأحمد السقا، منذ عدة سنوات، ولم يعودوا إلى ذلك كثيرًا.
الملاحظة الأولى على رمضان هي أن الأفلام التي قدمها منوعة بين الكوميديا والأكشن والتاريخي، منها فيلم لا ينفرد فيه بالأفيش وحده هو ”الكنز: الحقيقة والخيال“ ومع مخرج كبير هو شريف عرفة. يعد ما قام به رمضان مغامرة جيدة تحسب له، مع الأخذ في الاعتبار كونه فنانًا لديه الجمهور الذي يحبه ويذهب إليه بالفعل لكنه في الوقت نفسه ينتظر منه تقديم نوع معين من الأفلام، هذا التغيير بالتأكيد انعكس على إقبال الجمهور، وهذه هي الملاحظة الثانية.
في المواسم المختلفة التي قدم فيها رمضان أفلامه، لم ينجح في حصد المركز الأول في الإيرادات أو المشاهدة الذي يفضله، ولكن هذا لم يمنع احتلاله مراكز متقدمة في الإيرادات.
من المتوقع أن يقدم رمضان في 2018 فيلمين حتى الآن هما ”الديزل“ والجزء الثاني من الكنز، ومواصلته لتقديم عدد من الأفلام أمر ربما يدفع ممثلين آخرين لخوض التجربة، وهو ما يتماشى مع الشهية المفتوحة حاليًا للمنتجين، وإن كان الرهان في النهاية على الجودة الفنية لهذه الأفلام.
كل هذه الملاحظات على عام واحد تعني أن صناعة السينما في مصر في مرحلة جيدة، وتشهد إقبالًا قرر معه بعض المنتجين عرض أفلامهم المحفوظة دون عرض منذ عدة سنوات مثل وهي ”هروب مفاجئ“ و“كارت ميموري“ ولا داعي لذكر أن كلاهما لم يحقق أية إيرادات تذكر أو حتى قبولًا نقديًا.
من المتوقع، إن سار الوضع على ما هو عليه، أن يتخطى المعروض في العام القادم الخمسين فيلمًا، لكن ما نتمناه حقًا هو أن يكون هناك 5 أفلام على الأقل تتنافس بينها على مكانة ”الأفضل“ في العام ولا تكون الحرب المشتعلة على ”الأعلى“ فقط.
اقرأ أيضا
5 أزمات تضرب هوليوود في 2017.. انهيار شباك التذاكر والمتحرشون جنسيًا
قائمة Sight & Sound لأفضل 25 فيلمًا في 2017.. مسلسل أمريكي لأول مرة وهذه الحكايات تسيطر