"ما يقولونه من أمور غبية هذه الأيام أمر جنوني، وهن يحدثن أضرارًا جانبية جسيمة". "عندما أسمع النساء يقلن إن الرجال لا يهتمون إلا بمؤخراتهن، أقول لهن: استمتعن بالأمر لأنه لن يدوم".
الاقتباسات السابقة قالتها المخرجة والممثلة الفرنسية مايوين في حديثها المنشور مع مجلة "باري ماتش" عام 2020، في أوج اشتعال حركة "مي تو" المناهضة للتحرش والاعتداء الجنسي. عبارات كهذه كفيلة بإنهاء مسيرة المخرجة بالكامل لو أتت داخل صناعة السينما الأمريكية، بل وحتى في أماكن أخرى لا تحترم الصوابية بشكل مفرط كما تفعل هوليوود الآن. لكن في فرنسا فقط يُمكن لصاحبة تلك التصريحات أن تصعد بعد أقل من ثلاث سنوات الدرجات الشهيرة لقصر مهرجان كان، كي تعرض فيلمها الجديد في افتتاح الدورة السادسة والسبعين.
الجدل المحيط حول مايوين وفيلمها "جين دو باري Jeanne du Barry" لا يتوقف عن تصريحاتها المذكورة، بل يكاد يمتد لكل ما يتعلق بالفيلم ومخرجته، التي اختارت النجم الأمريكي جوني ديب للعب دور البطولة أمامها، في وقت تسببت المحاكمة الشهيرة ضد زوجته السابقة في هزة عنيفة لمسيرته تجعل اختياره للعب بطولة فيلم بهذا الحجم في الولايات المتحدة أمرًا يحتاج بعض الوقت.
مايوين أشعلت المزيد من النيران خلال العام الحالي عندما فوجئ صحفي التحقيقات إدوي بلينل خلال جلوسه في مطعم بامرأة لا يعرفها تجذب رأسه وتبصق في وجهه، ليُدرك بعدها أنها مايوين، التي اعترفت علنًا بالبصق عليه في حديث تلفزيوني، دون أن توضح سبب فعلها، الذي تؤكد التقارير أنه ينطلق من الحملة التي قادها بلينل في الموقع الذي أسسه "ميديا بارت" للهجوم على المخرج لوك بيسون، زوج مايوين السابق، والذي نشر الموقع تسع شهادات مختلفة تتهمه بالتحرش والانتهاك الجنسي، القضية التي وصلت إلى المحكمة لينال بيسون البراءة عام 2021.
ولنزيد الشعر بيتًا، مايوين التي انفصلت عن بيسون بالفعل أنجبت منه طفلًا عندما كان عمرها لا يتجاوز 16 سنة، وقيل إن علاقتهما بدأت عندما كانت في الرابعة عشر من عمرها فقط، بين سن التراضي الرسمي للعلاقات في فرنسا هو 15 سنة!
لماذا نذكر ما سبق؟
لا نكتب تلك المعلومات من باب النميمة الصحفية، ولا لإثارة السخط على المهرجان الذي لا يراعي القواعد التي صارت مقدسة، بل تحديدها نكتبها للعكس: كي نشير إلى قيمة الموقف الذي اتخذه مهرجان كان دومًا، ليس فقط بدعم حرية صناع الأفلام في التعبير، وإنما بدعم حريتهم في الشطط والخروج عن المألوف أحيانًا.
قد يبدو ما نقوله عجيبًا في كل سياق آخر بخلاف كان، سواء كان السياق تقليديًا محافظًا يصعب فيه قبول من يجاهر بالخروج عن الأعراف عمومًا، أو حتى في سياقات أكثر تحررًا لكنها صنعت من الصوابية دينًا جديدًا يُنبذ من يتركه. وحده كان بين المهرجانات، والثقافة الفرنسية بقدر ما، يمكنها قبول مايوين وجوني ديب في عمل واحد، بل وتختاره لافتتاح المهرجان.
ونحن هنا لا ندافع عن خطايا بيسون أو عنف ديب أو تصريحات مايوين أو عن أي خطأ آخر، ولكن عن حرية البشر في الخطأ، دون أن يكون ذلك سببا في إلغائهم وإيقاف مسيرتهم. ولنؤكد دوما أن معايير الصوابية لو تم تطبيقها بأثر رجعي، كانت الإنسانية لتفقد قدرًا لا بأس به من تراثها الإبداعي، لما كنا عرفنا آرثر رامبو ولا شهدنا المسيرة الأيقونية لتشارلي تشابلن ولا احترمنا المتنبي أشعر العرب.
الفيلم مواصلةً للموقف
في رأيي، لا يمكن نزع فيلم "جين دو باري" عن كل هذا السياق المحيط به، لا سيما مع موضوع التي يتابع مسيرة امرأة خاصة في التاريخ الفرنسي، العاهرة التي شقت طريقها باستخدام ذكاءها وجمالها لتصير محظية الملك لويس الخامس عشر، وتعيش ست سنوات داخل قصر فرساي ليعتبرها كل البلاط فضيحة ملكية مكتملة الأركان، ويجعل بنات الملك الثلاثة خصومًا مباشرين لبطلة الحكاية. قبل أن تأتي امرأة أخرى لتنضم إلى قائمة الخصوم هي ماري أنطوانيت، زوجة وريث العرش والتي ستصبح بعد أعوام قليلة أشهر ملكة في التاريخ الفرنسي عندما أطاحت الثورة بعرش زوجها وبأعناق الجميع.
لاحظ ما فعلته مايوين هنا: وضعت بطلتها المدججة بمزيج الجاذبية الجنسية والذكاء والجرأة في مواجهة القواعد السائدة للعالم، والتي تلتزم بها النساء بالأساس، اللاتي تصمن من تقرر الخروج عن هذا التوافق العام بأي صورة أيًا كانت، بداية من ممارسة الجنس مع الملك، وصولًا إلى ارتداء فستان من لونين أو حضور حفل بشعر طبيعي لم يتم رفعه للأعلى بالقوة على طريقة الباروك!
ما يدافع عنه الفيلم هو الحق في الاختيار المستقل بعيدًا عن الجموع، والالتزام بتبعات هذا الاختيار وما يأتي به من مزايا ومتاعب، ويكفي أن جين دو باري الحقيقية قررت عندما اندلعت الثورة الفرنسية أن تنحاز لصف مليكها الراحل، لتموت على المقصلة مع عائلته التي لفظتها. وكأنها تنسلخ بذلك من الطبقة التي انتمت أساسًا لها، منحازة حتى آخر نفس إلى اختيارها الحر.
وفي النهاية
قد يبدو "جين دو باري" فيلمًا متوسطًا بالمعايير الفنية، وسريعًا ما سيسقط من حسابات النقاد في المهرجان مع توالي عرض أفلام أفضل وأهم، لكنه يظل بكل ما أحاط به من تحفظات، وبقرار مهرجان الشجاع باختياره فيلمًا للافتتاح، نموذجًا لما تبقى في الثقافة السينمائية من رحابة وتحمل للفن والفنانين على شططهم. فهل يستمر الحال أم تُجبر الظروف المهرجان على تعديل بوصلته في السنوات المقبلة؟ سؤال لن يجيب عنه سوى الانتظار والمراقبة.
اقرأ أيضا:
تامر حسني يحتفل مع بسمة بوسيل بعيد ميلاد ابنتهما الكبرى تاليا.. ما علاقة اتحاد كرة القدم؟
حميد الشاعري يرقص على غناء عمرو دياب في حفل زفاف ابنته نبيلة - فيديو
عمرو أديب: رفقا بشريف عامر...تصرف بإنسانية ولم يضايق عادل إمام
#شرطة_الموضة: عمرو دياب بساعة سعرها يتخطى 4 مليون جنيه في حفله بالكويت
لا يفوتك: أسرار يوسف عثمان في الحفاظ على أناقته
حمل آبلكيشن FilFan ... و(عيش وسط النجوم)
جوجل بلاي| https://bit.ly/36husBt
آب ستور|https://apple.co/3sZI7oJ
هواوي آب جاليري| https://bit.ly/3LRWFz5