صدق أو لا تصدق .. صفحة شهيرة عبر موقع فيس بوك تفتح النار على أهالي الإسكندرية وتعايرهم بالموسيقار العظيم سيد درويش وتصفه بمدمن المخدرات !
على مدار الأيام الماضية شهدت الإسكندرية حالة كبيرة من الشد والجذب بسبب حملة مقاطعة حفل محمد رمضان، لا أعرف من وراء حملات المقاطعة ولا الهدف منها ، بل أرفض شخصيًا أن تُدشن حملات لمنع فنان من حفل في مكان ما، صحيح أن رمضان سافر إلى الإسكندرية ورد بطريقته الخاصة ليثبت للناس حقيقة شعبيته في الشارع ، إلا أن الموقف شهد تطورًا غريبًا مساء أمس عندما صدر قرار رسمي من الشركة المنظمة للحفل بالغائه ، أزمة توابعها لن تنتهي سريعًا لماذا ؟ لأن اللعبة دخلت مرحلة جديدة بإهانة الإسكندرية وأهلها عبر أحدى الصفحات التي تدعي أنها صفحة فنية .
نشرت الصفحة اليوم منشورًا قالت فيه :
أمس تم الإعلان رسميا عن إلغاء حفل محمد رمضان في الإسكندرية، ولا نعرف هل هو مخطط أم ماذا يجري خلف الكواليس!، لكن دعنا نصدق الحملة في إسكندرية ضد محمد رمضان باعتبار أن المدينة الفاضلة ترفضه لأنه رمز الصياعة والبلطجة.. العجيب أن الرفض يأتي لأسباب تتناقض مع احتفاء الإسكندرانية بسيد درويشهم وهو واحد من أعلام المدينة، والذي كان فنانا بدرجة بودرجي ومات بجرعة هيروين زيادة. . وعجبي.
بعيدًا عن تذييل المنشور بكلمة وعجبي التي تم ابتذالها من مدعي الحكمة والثقافة ، لا أفهم على وجه التحديد سر غضب الصفحة وانحيازها لمحمد رمضان لدرجة تدفعها لإهانة رمز "خالد" من رموز الفن المصري وهو فنان الشعب الموسيقار سيد درويش، وتختصر مشواره وحياته وسيرته ومسيرته في اتهامه بإدمان المخدرات !
الغريب أن محمد رمضان نفسه لا يجروء "بشكل مباشر" على كتابة هذا المنشور عبر صفحاته وحساباته على مواقع التواصل الإجتماعي ، فما الداعي وما السبب الحقيقي لتتبنى صفحة – تصف نفسها بالفنية- هذا الاتجاه لترتدي ثوب المدافع عن محمد رمضان وكأنها تعمل لحسابه ؟!
الكارثة الأكبر التي قد يسببها هذا المنشور لن تتوقف عند حد أهانة أهالي محافظة كاملة ، ولا إهانة موسيقار عظيم صاحب مواقف وتاريخ ونضال وطني حقيقي بفنه لا يمكن مقارنته بفنان آخر ، الكارثة أن هناك ملايين المراهقين ممن يشكلون ثقافتهم ومعرفتهم عبر السوشيال ميديا قد لا يعرفون سيد درويش حقًا ، ولن يعرفوا عنه سوى ما ورد في هذا المنشور "القميء" .
سيد درويش رحلة كفاح وعطاء قصيرة ولكنها مؤثرة متغلغلة في وجدان المصريين ، سيد درويش الذي انتفض خلال ثورة 1919 وقدم رائعته "قوم يامصري" التي كانت واحدة من أيقونات وشرارات انتفاض المصريين ضد الاحتلال .
سيد درويش مُلحن نشيدنا الوطني "بلادي بلادي " الذي كتبه محمد يونس القاضي وألقاه الزعيم مصطفى كامل لأول مرة أمام جمهور المصريين في أحدى خطبه عام 1907 .
سيد درويش لحن وغنى العديد من الأغاني التي أصبحت جزءًا من التراث المصري مثل "شد الحزام" و "أنا هويت" و "قوم يامصري" و "سالمة يا سلامة"، "أهو ده اللي صار" ، "زوروني كل سنة مرة" ، و"الحلوة دي" ، وأعمال كثيرة أعاد غنائها كبار المطربين مثل فيروز.
سيد درويش هو من أدخل الغناء "البوليفوني" في الموسيقى المصرية للمرة الأولى، وقام بتلحين أوبريت "العشرة الطيبة" مع فرقة نجيب الريحاني و أوبريت "شهرزاد والبروكة"، وفي عام 1920 لحن أوبرا كاملة بعنوان "مارك أنطوان وكليوباترا" على خشبة المسرح المصري.
صحيح أن موت سيد درويش كان غامضًا ، والروايات التاريخية عنه لا تنفي تهمة تعاطي الكوكايين والحشيش حتى أنه غنى لهما، ولكن أثر سيد درويش الفني والوطني أكبر بكثير من سقطات حياته الشخصية، ولا يجوز أن نختصر منجزه الفني وتاريخه في عبارة ساذجة كتبها أحدهم من أجل الدفاع عن شخص لا يكف عن السقوط في الأفخاخ الأخلاقية من حين لآخر، يكفي أن سيد درويش غير شكل الموسيقى المصرية وأخرجها من عصر الموشح والطقطوقة وأدخلها عالم الموسيقى الحديثه، وقدم أغاني ساهمت في تحرير وجدان المصريين من الخضوع للاحتلال ، كل ذلك قبل أن يرحل عن عالمنا وهو ابن الواحد والثلاثين عامًا فقط.