هل تعرف حكاية دكتور فاوست؟
الرواية الشعبية الألمانية الشهيرة التي قدمت قصة كيميائي يبحث عن الحقيقة المطلقة فيعقد صفقة مع الشيطان ليسلمه روحه مقابل المعرفة .
كانت ومازلت الرواية مصدرًا لعشرات الأعمال الأدبية والمسرحية حتى تحولت إلى واحدة من أيقونات المسرح العالمي منذ أن قدمها يوهان جوتة عام 1806 وتوالى تقديمها على خشبات المسارح وشاشات السينما والتليفزيون لنصل إلى أحدث نسخة منها في مسلسل "وعد إبليس" الذي بدأ عرض أول حلقتين منه عبر منصة "شاهد".
قصة "فاوست" تنوالتها السينما والدراما المصرية عبر سنوات طويلة ، أشهرها فيلم "موعد مع ابليس" إنتاج عام 1955 وبطولة محمود المليجي ، وكذلك فيلم "المرأة التي غلبت الشيطان" بطولة عادل أدهم وحكمت مختار ونور الشريف ، وبالطبع مسلسل "ونوس" للنجم الكبير يحيى الفخراني.
ولكن ما الذي اختلف في "وعد إبليس" عن كل الأطروحات المصرية السابقة لقصة فاوست ؟
أول مفاجأة ستفجرها الحلقات الأولى من المسلسل هي عناصر التأليف والاخراج ، فريق أجنبي بالكامل انضم يقوده المخرج كولين توج ، وتأليف ورشة تضم توني جوردان "صاحب المعالجة"، و كل من انجي لوفمان، والكاتبة والمخرجة البحرينية سهى آل الخليفة.
نحن أمام عمل أبطاله مصريين وتدور أحداثه في مصر ، ولكن الكتابة والاخراج من جنسيات أخرى ، وهذا قد يثير بعض المخاوف حول هوية النص ومدى اتساقه مع الموروث المصري الروحي والديني لفكرة الحرب بين الإنسان والشيطان ، ولكن هذه المخاوف لم تظهر بوضوح في أول حلقتين خاصة وأن رواية "فاوست" في حد ذاتها أرضية أدبية مناسبة لكل الثقافات .
بعيدًا عن ذلك يبدو اختيار شخصية خليجية متمثلة في الدكتور "عيدان" الذي يجسد دوره الممثل السعودي يعقوب الفرحان كمفجر رئيسي للأحداث أمرا غير مستساغ للمتلقي المصري إلى حد كبير، سيطرح المنطق تساؤلات عديدة حول سبب وجود عالم آثار خليجي في القاهرة يبحث عن أسرار الأهرامات ، ثم يخرج بنظرية حول أبناء إبليس وعلاقتهم بالآثار المصرية ، وتربطه علاقة حميمه بعالمة آثار أجنبية في جامعة القاهرة وتجسد دورها الممثلة الأمريكية باولا باتون .
هذا الخط الدرامي باختيارات ممثليه من الواضح أنه قرار انتاجي بحت يتعلق بسياسة المنصة السعودية وأهدافها التسويقية والثقافية لا أكثر، حسنًا لا مانع من أن نتقبل وجود عالم آثار سعودي – من وحي الخيال- وسنرى ما الذي تخبئه الحلقات القادمة من العمل .
بعيدا عن التساؤلات التي طرحتها أول حلقتين من المسلسل هناك نقاط مضيئة واضحة جدا ، أبرزها مدير التصوير محمود يوسف الذي أبدع في تقديم كادرات أقرب إلى لوحات فنية في كل مشهد بالإضافة إلى قدرته على تقديم شوارع الحسين والغورية والسيدة زينب وأزقة وحواري القاهرة الفاطمية بشكل مشحون بالروحانية والغموض المتماشيان مع أسطورية الفكرة.
هذا بجانب مهندسة الديكور الموهوبة هند حيدر والتي ظهرت لمساتها المميزة في ديكور منزل إبليس وكذلك بيت الدكتور "عيدان" ، بالإضافة الى الاستخدام المتميز للمرايا ومواقع التصوير المختلفة .
كل ماسبق يمكن الحديث والخوض فيه على مستوى الصورة والكتابة ، ولكن عندما نتحدث عن التمثيل فلا يمكن لشيء آخر أن يضاهي الحضور الطاغي لفتحي عبد الوهاب في شخصية "إبليس" ، تقديم هذه الشخصية تحديدًا يمثل تحديًا أمام أي ممثل خاصة وأن هناك "فطاحل" سبقوا فتحي في تناولها كل من رؤيته وزاويته.
أحيانا يفكر الممثل في التقاط مصدر أو عنصر إلهام لتكنيك الأداء أو ما يسمى بـ reference للشخصية ، ولكن يبدو أن فتحي قرر أن يخلق تفاصيل خاصة بالأداء نابعة من فهمة لطبيعة الشيطان وطريقة إغوائه للبشر ، ظهر ذلك بوضوح في مشهد عقد الصفقة بينه وبين ابراهيم الذي يجسد شخصيته عمرو يوسف ، لم يكن ابليس مرعبا ، بل كان لطيفا لعوبًا مغويًا يصف نفسه بالجدع الشهم صاحب الكلمة السيف.
أداء انعكس على تقطيع الجُمل ونبرة الصوت والحركة وحتى تعبيراته التي بدت أقرب إلى "الإنتشاء الجنسي" في لحظة توقيع ابراهيم على عقد الصفقة ، تفاصيل لا يقدر عليها سوى ممثل قدير حقًا ، حتى أداءه في الحوار وهو يصف طرده من الجنة بـ"خلاف في وجهات النظر" ، كانت هذه الجملة عميقة جدًا وجريئة جدًا لدرجة يصعب أن تمررها رقابة شاشات التليفزيون .
هناك نقاط مضيئة أخرى تتمثل في تطور أداء عمرو يوسف كممثل ، وإن كانت الحلقات القادمة هي الفيصل في ذلك أمام نجم شباك مر بعثرات كثيرة خلال العامين الماضيين، هذا بجانب الظهور المميز لنيللي كريم في شخصية "موظفة الدعم الفني لإبليس" ، كذلك الحضور الجيد لمراد مكرم وأحمد مجدي .
مسلسل "وعد إبليس" عمل لطيف مسلي يخاطب جمهور المنصات وهواة مسلسلات الرعب والإثارة ، يظهر في تفاصيله ميزة الإنتاج الضخم عندما يُنفق في محله.