لدي شعور دائم باللخبطة تجاه علاء عبد الخالق ، منذ أن غنى "يا أجمل مافي البيض يا أحلى ما في السمر" من وقتها وأنا متلخبط ، الصورة الأولى تأتي في ذهني لحبيبة بيضاء اللون ثم تنقلب سمراء ، وبعد قليل أتخيلها قمحية لو نيلك يامصر ، ولكن أغلب الظن أن جمال حبيبته شامل كل الألوان حتى "الشامبين المط" ، فهمي أجمل من كل البيض وأحلى من كل السمر ، الأغنية التي كتبها عادل عمر ولحنها العملاق أحمد منيب ووزعها حميد الشاعري كانت بمثابة عربون صلح أعاد الصداقة الى مجاريها بين حميد وعلاء .
رغم أن عمار الشريعي هو من فتح أبواب الفن أمام علاء عبد الخالق في فرقة "الأصدقاء" إلا أن بصمة حميد الشاعري في مشواره هي الأبرز ، بل ربما هي المشوار الحقيقي لعلاء الذي ابتعد عن الشاعري في محطات قليلة وسريعا ماعاد له بحثًا عن معادلة نجاح مضمون لايقدر على كتابة عناصرها سوى حميد ، بعد ظهوره في فرقة الأصدقاء مع حنان ومنى عبد الغني عرف الجمهور علاء عبد الخالق.
قدمت الفرقة وقتها أغاني لطيفة وخفيفة مثل "مطلوب موظف" ، ولكن الفرقة تعرضت للإيقاف أكثر من مرة لأسباب قيل أنها سياسية ، اتهمت الرقابة وقتها عمار وأولاده بأنهم يغنون موضوعات مُحرضة ، كانت تهمة ساذجة ومضحكة ولم تلتصق بالشريعي الذي أثبت طوال مشواره الفني أنه دائمًا على بعد خطوة من السُلطة ، يقترب منها بالأوبريتات مثل "اخترناك"، ويبتعد عنها بالتفرغ لتترات المسلسلات، أما علاء فلم يكن من طموحة الإنضمام لفرقة الأصدقاء أصلًا.
يحكي علاء عن البدايات قائلًا : " كنت أحلم بالإنضمام لفرقة المصريين لهاني شنودة، حضرت لهم حفلات كثيرة، ولكن الفرصة لم تكن متاحة في "المصريين"، ووقتها أعلن عمار عن تأسيس فرقة الأصدقاء، كنت قد تقدمت أنا ومنى عبد الغني التي كانت في نفس دفعتي وحنان في دفعة أصغر منا ، سمع الشريعي أصواتنا وأعجب بها وانضممنا للفرقة ".
أطلق عمار على علاء وقتها لقب "ديك البرابر" لأنه الشاب الوحيد في الفرقة ، ولكن ديك البرابر كان آخر الركب في العربة الأخيرة من قطار النجومية ، انطلقت منى وحنان لشركة سونار التي قدمت كل منهما كنجمة منفردة ، وذهب علاء بحثًا عن دورة في قائمة الأصوات الجديدة التي قدمتها الشركة فقالوا له : ملكش مكان على الخريطة !
بصمة حميد ومشروع علاء
يحكي علاء عن هذه الصدمة قائلأ : ولدت فنيا وأن مسنود على ظهر قامة فنية كبيرة هي عمار الشريعي ، اسم هذا الرجل اختصر على نصف الطريق بل هو بالنسبة لي أهم من كلية التربية الموسيقية ، كان مرحلة التعليم الحقيقية ، وعندما خرجت من جلبابه إلى سوق الفن بمعناه التجاري المعروف صُدمت ، تخيلت أنني مطلوب ولكن هناك أصوات كانت حجزت مكانها ، ذهبت وعدت مرة أخرى بعد فترة ولكن في هذه المرة قابلت حميد الشاعري وكانت البداية ".
كان حميد قد سبق علاء في مشواره بألبوم ، ولكنه رأى في صوت علاء مايدفعه لتولي توزيع ألبوم كامل لمطرب آخر للمرة الأولى ، وبدأ التعاون في ألبوم "مرسال" الذي صدر عام 1986 ، يقول علاء : " مرسال كان أول ألبوم يوزعه حميد بالكامل لمطرب آخر ، وبعدها تهافت كل المطربين على حميد كي يتولى توزيع ألبوماتهم ، كان مرسال قفزة حقيقية في مجال التوزيع الموسيقي وقدم حميد فيه أفكاره الموسيقية الحديثة ، واقتربت من حميد بشكل كبير وقدمنا دويتوهات سويا كان أهمها "أجيلك من ورا الأحزان" التي لحنها احمد منيب " .
قدم حميد وعلاء دويتوهات عديدة منها "بحبك كون" ، " صديق " ، و"تعدي مواسم وفصول" ، " متاخدش بالمظاهر " ، و"أجيلك" ، صوتين تم ضبطهما على موجة مزاجية واحدة ، وامتزاجهما أقرب لمزيج الحلو والمالح ، قال الشاعري عن علاء أنه أجمل صوت وزع ولحن له، ربما لاحساسه بقرب صوته واحساسه، وأصدر علاء ألبومه الثاني "وياكي" من توزيع حميد وانتاج سونار أيضًا.
ولكن الموجة بين علاء وحميد طرأ عليها بعض التشويش عندما قرر علاء منح الفرصة لمحمد عبد الجواد عازف الجيتار في فرقته ليوزع أغنيات ألبومه الثالث "علشانك" ، وقتها كان حميد مشغولًا بمشروع علي حميدة ثم تعاونه الأول مع عمرو دياب، شعر علاء أن التغيير هنا مطلوب ولكنه لم يكن موفقًا ، لم ينجح الألبوم ، وغضب الشاعري من تخلي صديقه عنه فقرر ألا يوزع أو يلحن له أغنيته في ألبوم "نجوم الشرق 2 " الذي صدر سنة 1991، ووزع حميد جميع الأغنيات باستثناء أغنية "ما يهمش" التي غناها علاء ولحنها رياض الهمشري وكتبها محمد فضل ووزعها طارق مدكور .
يحكي علاء موقفًا طريفًا حدث وقت التحضير للألبوم : " اتصل بي المنتج هاشم يوسف صاحب شركة الشرق ، كنا وقتها في مرحلة ماقبل المحمول ولهذا كان مهمًا أن تمتلك تليفونات في سيارتك ، سألني الرجل عن الأغنية التي سأحضرها بعيدًا عن حميد فقلت له "مايهمش" ، فقال لي ازاي ما يهمش أنا لازم أبعت اسم الأغنية للمصنفات ، دخلنا في حوار لمدة ربع ساعة تقريبًا هو لايفهم قصدي ويظن أن اسم الأغنية ليس مهما الأن ، بينما أنا لا أجد طريقة أشرح له بها أن اسم الأغنية هو "مايهمش" ، فتوقفت بالسيارة وغنيت له أول مقطع منها وقلت له اسمها "مايهمش" ".
طلاق فني غير رسمي
يصف علاء علاقته بحميد في هذه الفترة بالإنفصال غير المعلن ، كان خلافًا صامتًا لم يظهر أمام عدسات المصورين ولا في صفحات الجرائد ، يعترف علاء أنه تعلم إدارة خلافاته الإنسانية من حميد الذي يتعامل معها بمنطق الصمت يعالج ما يتلفه الكلام ، ولهذا عاد الثنائي للتعاون مجددًا في ألبوم "راجعلك" ، ثم اختلفا مجددًا وعاد علاء للعمل مع طارق مدكور في ألبوم "هتعرفيني" الذي ضم أغنية "داري رموشك" أحد أنجح أغاني علاء على الإطلاق والتي ظن البعض أنها توزيع حميد .
يحكي علاء عن حميد قائلًا : " هو شخص الدخول لعقله يحتاج مفاتيح ، ورغم صداقتنا إلا أنني لم أملك مفاتيحة في سنواتنا الأولى ، وبالعشرة والزمن عرفت مفاتيح حميد النفسية التي تدفعه للعمل وقبول وجهات نظري بل وتطويرها ، ولهذا عدنا مجددًا في ألبوم "مكتوب" ، كان حميد قد طور من توزيعاته واعتمد على خط الوتريات بشكل كبير ، بالإضافة إلى الالات الحية ، وهذه كانت قفزة جديدة في شكل الموسيقى صنعها حميد أيضًا ، أصبح هناك حالة حنين لشكل الموسيقى القديم ، وقلد كل الموزعين حميد بعدها واستنسخوا أفكاره " .
عاد علاء بعد عدة أعوام وتحديدا في 97 بألبوم "طيارة ورق" الذي نجح بعد عدة ألبومات لم تترك أي أثر لدى الجمهور ، احتل عمرو دياب ومحمد فؤاد الساحة في التسعينات ، نافسهما من بعيد أصوات جديدة مثل مصطفى قمر ، إيهاب توفيق ، هشام عباس ، وجاء من لبنان راغب علامة وديانا حداد ، انتعش سوق الكاسيت بهذا الزخم واختفى أصحاب النفس القصير والهاديء.
برر علاء كثيرًا هذا الهدوء برغبته في صناعة مشروع فني خاص به ، ولكنه لم يكن كذلك ، تمسك بمحمد فضل كشاعر لأغنياته ورغم موهبته إلا أنه دفعه لاختيارات لم تتماشى مع أذن الجمهور ، ولهذا لم تنجح ألبوماته التالية "الحلم" سنة 98 ، و "الليلة" سنة 2000 ، وانتهى مشواره مع الألبومات عام 2002 بألبوم "عين بعين" والذي جاء متأخرًا عن كل ماتشهده الموسيقى من تطور أو تجديد وبدى كنسخة من موسيقى بدايات التسعينات.
اختفى علاء ست سنوات تقريبًا ، وحاول العودة بألبوم صدر على الإنترنت فقط حمل اسم "حب مش عادي" ولكنه الألبوم طلع "عادي" ، مر ككل الأشياء التي مرت دون أثر ، وبقي أثر علاء في أغنياته القديمة ونجاحات نفضت برامج التليفزيون الغارقة في شجن "النوستالجيا" غبار الزمن عنها واعادتها للصورة ، فعاد علاء ليغني على مسرح ساقية الصاوي هو ومحمد محيي وحسام حسني وآخرون .
اقرأ أيضًا للكاتب :
معارك التسعينات – عمرو دياب ومحمد فؤاد .. رحلة البحث عن القمة من الكاسيت إلى السينما (1)
معارك التسعينات – عمرو دياب ومحمد فؤاد .. حروب صحفية وشائعات اعتزال في حضرة الشعراوي (2)
معارك التسعينات – عمرو دياب ومحمد فؤاد .. عالمية "نور العين" في مواجهة " شعبية "كامننا" (3)
معارك التسعينات – عمرو دياب ومحمد فؤاد .. الفرق بين المشروع والمشوار (4)