ضمن مجموعة قصصية صدرت عام 1965 للكاتب الكبير "إحسان عبد القدوس" بعنوان (بنت السلطان) كانت قصة (امبراطورية ميم) التي تحكي عن أب اسمه "محمد مرسى" يفني عمره كله من أجل أبنائه الستة، ويجعل أسمائهم جميعا تبدأ بحرف الميم، ظنا منه أنه سيصنع من خلالهم امبراطورية تمثل امتدادا له، كما كان هو لوالده، ثم يفاجئ بعد مرور 25 عاما أنهم يرفضون سيطرته عليهم، ويتخلصون من القيود التي يحاول فرضها من منطق الأب المحب الذي لا يتمكن من استيعاب طموح ابنائه ورغباتهم والتي بالطبع لا توافق رغباته.
اقرأ أيضا: "راجعين يا هوى" ... عندما أعادنا "بليغ أبو الهنا" ورفاقه إلى الدراما الساحرة
وفي عام 1972، أعد القصة للسينما الكاتب الكبير "نجيب محفوظ" وقدمها المخرج "حسين كمال" في فيلم يحمل نفس الإسم يعد من كلاسيكيات السينما المصرية، بعد أن تم تغيير البطلة لتصبح سيدة لعبت دورها الفنانة القديرة "فاتن حمامة" وبعد أن أضيفت أيضا بعض الإسقاطات السياسية، عن معنى السلطة، والعلاقة مع الآخر، وفي كل الأحوال، فقد كان "إحسان" بقصته تلك يرغب في أن يشير إلى وجود حلقة مفقودة بين جيل الستينيات، والجيل السابق له، وأن يقدم ترجمة أدبية رائعة لمقولة "جبران خليل جبران" الشهيرة (أولادكم ليسوا لكم، أولادكم أبناء الحياة المشتاقة إلى نفسها، بكم يأتون إلى العالم، ولكن ليسوا ملكا لكم) ليلقي حجرا في الماء الراكد، ويدعو إلى تأسيس كل العلاقات على الحب والحرية، وهو محور مشروع "إحسان عبد القدوس" في كل رواياته.
ومع مرور السنوات واختلاف الأجيال، زادت الفجوة، واتسعت الهوة، ولم يستطع أي عمل فني أن يحدث ذات الأثر الذي أحدثه فيلم (امبراطورية ميم) وأن يناقش القضية دون شيطنة طرف على حساب آخر، حتى فعلها صناع مسلسل (مين قال) وناقش قضية صراع الأجيال بما يتوافق مع مقتضيات العصر، وظروفه التي هي أقسى بالطبع من فترات زمنية سابقة، ولا سيما الفترة التي كتبت فيها القصة، وصنع فيها الفيلم.
الجميل في المسلسل الذي استطاع أن يحجز لنفسه مكانا مميزا ضمن قائمة المشاهدات، برغم المنافسة الدرامية الشرسة طوال الشهر الفضيل هو أن فكرته الأساسية قد بدت واضحة في أذهان صناعه، ويظهر ذلك من اختيار السؤال الاستنكاري (مين قال؟) ليكون هو عنوان المسلسل، والذي تم استخدامه مرة أخرى في التتر الرائع الذي كتبه، ولحنه، وغناه "شاهين" (مين قال لازم أبقى تابع ليك؟) لكن هذا السؤال ليس علامة الاستفهام الوحيدة التي طرحها المسلسل، فهناك أفكار أخرى تمت مناقشتها ضمن أحداثه بشكل يحفز على التفكير، ويدفع إلى التغيير، وفي هذه الأيام، قليلة هي المسلسلات التي تحرض المشاهد على التفكير في حياته، وما بها من مسلمات -التي أحيانا ما تكون هي ذاتها المنغصات- وهو أمر يحسب لورشة سرد "مريم نعوم" بكل تأكيد.
المسلسل الذي انتهت حلقاته الخمسة عشر في النصف الأول من رمضان، استطاع بعذوبة شديدة، وبإيقاع متماسك نجى من فخ المط والتطويل أن يجمع كل عناصر النجاح، ولعل أهم الأسباب التي ساهمت في جذب الجمهور لمتابعته هو قدرة صناعة على صياغة فكرتة بواقعية شديدة انعكست على أداء الممثلين، ولغة حوارهم، وبإنسانية كبيرة أيضا، حيث وُضعت هموم جيل ال Sweatpants وال oversize تحت المجهر، لكنه لا يشبه المجهر الذي كان يستخدمه الأب "جلال" في مصنعه، فهو مجهر كاشف لكل الحقائق، وقادر على فك الاشتباك بين جيلين لم يحاولا يوما أن يبحثا عن نقاط تلاقي بينهما.
في المسلسل تدور الفكرة الرئيسية حول شخصية "شريف" الذي يقوم بدوره النجم الشاب "أحمد داش" حيث تصتطدم رغبته في السعي وراء حلمه برغبة والده "جمال سليمان" في أن يدرس الهندسة، فيضطر إلى السير في طريق حلمه خلسة، متحديا سطوة الأب، وقد قدمت الفنانة العائدة بقوة "نادين" دور الأم بشكل يتسم بالتلقائية الشديدة، مما جعلها تشبه العديد من الأمهات المصريات في الواقع، ولا سيما في المحاولة المستمرة في إحداث التوازن داخل المنزل، وتقريب وجهات النظر.
وإذا كانت قضية "شريف" هي القضية الرئيسية في المسلسل، فقد تفرع منها العديد من القضايا التي لا تقل عنها أهمية، والتي تتعلق بشلة الأصدقاء المحيطين بالبطل، والذين تم التأسيس لشخصياتهم بشكل رائع داخل السيناريو، كما تم تسليط الضوء من خلالهم على مشاكل نفسية يمر بها كثير من المراهقين، مثل نوبات الهلع، واضطراب الخوف الإجتماعي، وإنعدام الثقة بالنفس، وغيرها من المشكلات التي يعاني منها الشباب دون وعي من أسرهم.
وقد قدم المسلسل عددا من الوجوه الشابة مثل "هنا داوود، وأميرة أديب، وإلهام صفي الدين، ويوسف مصيلحي، ومروان وليد، وترنيم" وجميعهم برعوا في أداء أدوارهم، وخلقوا بينهم حالة من الإنسجام والتجانس لا تتوافر في مسلسلات كبيرة، أما "يوسف جبريل" الذي قدم دور "أكرم" الصديق المقرب ل"شريف" وأحد أبرز الداعمين له، والمؤمنين بفكرته، ففي ظني أنه سينطلق سريعا نحو النجومية، حيث يمتلك أدواته، ويستطيع التعبير عنها بسلاسة.
وإخراجيا، استطاعت "نادين خان" أن تقدم الفكرة دون فذلكة، وأن تترجم مشاعر هؤلاء الشباب عن طريق الكاميرا بشكل هادئ، لكنه جعل من صرختهم مدوية، أو كما قال "شاهين" في التتر (سيبوني اشوط يمكن تيجي جون)>
اقرأ أيضا:
بعيدا عن الكاريزما.. أسباب تدفعك لحب "بليغ أبو الهنا" في "راجعين يا هوى"
لماذا نجح "الكبير أوي" طوال مواسمه الستة؟ إليكم 5 أسباب أهمها "حارس البوابة"
زيزي عادل تعلن اعتزالها الغناء : حابة أموت وربنا راضى عني
هنادي مهنا: قطعت إصبعي وخفت على المانيكير.. ولهذا السبب لم أغن في "ستو أنا"
لا يفوتك- أحمد خشبة لـ «في الفن»: "أول شخصية قلدتها كانت مدرس اللغة العربية .. وشهرتي بدأت من على القهوة
حمل آبلكيشن FilFan ... و(عيش وسط النجوم)
جوجل بلاي| https://bit.ly/36husBt
آب ستور|https://apple.co/3sZI7oJ
هواوي آب جاليري| https://bit.ly/3LRWFz5