هذا ليس خلافا فنيًا على مسلسل، بل هو فصل جديد في معركة بدأت قبل خمسين عامًا لتغيير هوية المصريين، معركة أنفقت فيها دول وأنظمة مليارات الدولارات، وجندت آلاف العمائم والجلابيب تحت مسمى علماء كي يعلموا المصريين دينهم الجديد. وقد نجحت في "سلفنتنا" و"وهبنتنا" حتى تحولت عبارة "المصري متدين بطبعة" إلى نكته لاتقل سماجة وسخافة عن فتاوى "الشيخ مجانص" ورفاقه ممكن جعلوا المصري "متطرف بطبعه" .
أكتب عن مسلسل "فاتن أمل حربي" بطل خناقة العشرة الأوائل من رمضان، بعد "الاختيار3" طبعًا ، والغريب أن كلا العملين تحولا إلى هدف لقصف المدفعية الثقيلة لكتائب الإخوان والسلفيين ومن يحترمونهم.
اقرأ أيضًا للكاتب: ضحايا "أصحاب ولا أعز" .. هذه بضاعتكم ردت إليكم !
تصدر صناع مسلسل "فاتن أمل حربي" معركة فكرية وقانونية تدور رحاها في المجتمع المصري ، منذ سنوات ليست بقليلة ، النبش في قانون الأحوال الشخصية في بلد مازال أهله محكومون فكريا بسلطة العمة واللحية والجلباب هو أشبه بالسير في حقل ألغام ، مغامرة لم يقدر عليها كبار السياسيين وعلماء الاجتماع والقانون فجاء دور الدراما لعلها تلقي حجرًا في بركة الحصانة المقدسة للتراث الاسلامي، وليس النصوص القرآنية المقدسة.
"كلام ربنا" ودس السم في "المعسل"
خدعوك فقالوا أن ابراهيم عيسى وشركاه يريدون تحريف "كلام ربنا"، والحق أن "كلام ربنا" الواضح والصريح في سورة النساء مثلا لم يضع قانون الأحوال الشخصية المصري ، الذي عدلت فاتن حمامة بعض بنوده بفيلم "أريد حلا" ولم تقوم قائمة الأمة وقتها، ثم جاءت سوزان مبارك في عصر ماقبل السوشيال ميديا لتضيف عليه حق "الخلع" على مرأى ومسمع ومباركة المؤسسات الدينية الرسمية التي تُصدر الآن بعض صغارها عبر مواقع التواصل الاجتماعي ليستعرضوا عضلاتهم ورسائلهم الملغمة بتخويف الناس من أي تغيير أو مناقشة أو رؤية .
"إنهم يدسون السم في العسل" يصرخ المتزمتون تحذيرًا للناس من المسلسل الذي يهاجم الإسلام والمسلمين ويريد أن يحرر المرأة من دينها لا من قيود المجتمع ، والحقيقة أن لا "قصة تونة" دست سمًا في عسل أو معسل حتى، طفل صغير من المختطفين ذهنيا عبر لجان السوشيال ميديا يشتم ويهاجم ويكفر ويسخر من المرأة وواقعها ، في أنه ربما كانت أمه المرأة العاملة التي تنفق عليه هو واخوته بل وتشتري لوالده "دخان" اليوم هي من اشترت له هاتفه المحمول ليبول فيه تلك التدوينات والتغريدات .
هل تعلم أسرة في مصر تعولها سيدة تعاني من مرار الطلاق أو وفاة الزوج أو "نطاعته"؟
3 ملايين و300 ألف أسرة وفقًا لأرقام الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء الصادرة عام 2018 .
هل تعلم كم قضية حبيسة في أدراج محاكم الأسرة المصرية ؟
60 مليون قضية والرقم وفقا لتصريح سابق للمستشار محمود علاء مساعد وزير العدل عام 2015 .
هل ترى أن قوانين الأحوال الشخصية بما فيها قانون الولاية التعليمية وقانون الرؤية – التي فيها إجحاف لحق الرجل بالمناسبة- ، وقانون الحضانة كلها قوانين تحافظ على الشريعة والدين الذين؟
في مقابلة مع التليفزيون المصري عام 2017 قال فضيلة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب بالحرف : "لا يوجد نص صريح في القرآن أو السنة يقضي بأنه إذا بلغ الطفل 7 سنوات والبنت 9 سنوات ينزع من الأم ويذهب للأب".
هذا هو رأي شيخ الأزهر، ولكنكم تحبون رأي الشيخ مجانص، ونعيق محمد حسين يعقوب، ودموع محمد حسان وهي تبلل لحيته، والمشايخ التي صدرت لنا أجيالًا من المزدوجين فكريًا، "ميكس السرسجي المتطرف" الذي مازال يترحم على مرسي ويقدس تريكة ويبرر التحرش ويضمن للمواقع الإباحية في ذات الوقت أعلى مصدر مشاهدات في العالم .
اقرأ أيضًا للكاتب: "رانيا وسكينة" .. قليل من الكوميديا كثير من السذاجة
يحاول البعض أن يقدم نفسه بصورة المنتقد المثقف فنيًا ، خوفًا من اتهامه بالانحياز إلى حظيرة السلفية المتطرفة ، فيهاجم المسلسل متهما صناعة بتقديم لغة درامية مباشرة وخطابية ، هذا رأي أتفق معه بالمناسبة، ولكن منذ متى والدراما المصرية لم تعتمد لغة الخطابة المباشرة في أعمالها التي تناقش قضايا فكرية وسياسية ، اسمح لي أن أصدمك أكثر؟ الكاتب الراحل العظيم أسامة أنور عكاشة عم أعمام كتاب الدراما المصرية هو أهم مؤسسي مدرسة الخطابة والمباشرة ، وارجع إلى مسلسلات مثل "الراية البيضا" و "أرابيسك" ستكتشف ذلك على لسان الشخصيات .
ثم إن المشاهد المصري المحشور بين طرفي مقص الأمية ومشاكل التعليم، من المرهق له فكريا فك شفرات القراءات العميقة لرسائل الفن، وهل هذا الجمهور قادر على هضم قضايا المرأة والحريات والتشدد بالإيماءة والنظرة والحوار المستتر.
تكرهون فاتن أم ابراهيم؟
هل تعرف لماذا تهاجمون مسلسل "فاتن أمل حربي"؟ لأنكم ببساطة تكرهون ابراهيم عيسى، لأنه الوحيد الذي قرر مواجهة المواطن المتطرف بطبعة الساكن تحد جلد عشرات الملايين ، مهما تنوعت خلفياتهم الاجتماعية والإيدولوجية والطبقية والفكرية والمهنية، هم في النهاية أبناء مشروع "الخمسون عاما الكبيسة" ، المشروع الذي بارك اغتيال فرج فودة بعد تكفيرة ، وحاول اغتيال نجيب محفوظ، وهدد وحيد حامد ، وأخترع مصطلح "الفنانات التائبات"، وأطلق قنوات السلفنة والوهبنة في سمواتنا المفتوحة بأعلى سعر .
تكرهون ابراهيم عيسى لأنكم تكرهون الخروج من تحت عباءة سلطة "عُرفية" تلعب بالجنة والنار، وتضع بينهما كلام ربنا الذي هو بريء منهم إلى يوم الدين ، تكرهون ابراهيم عيسى لأنه قرر وحده أن يدفع فاتورة مواجهة اختراق التطرف والمتطرفين للمؤسسات الدينية ، وجماهير كرة القدم ، وصناعة الاعلام والصحافة ، وحوائط التواصل الاجتماعي، التي تحولت إلى حوائط مبكى منذ مطلع الشهر الفضيل تبللها دموع التغريدات الحزينة على ثوابت كاذبة هشه تفتت أمام مسلسل أو إثنين.
اقرأ أيضًا :
وحيد حامد في مواجهة الأزهر بسبب "عذاب القبر" .. قصة مشهد أنقذ مسلسل "العائلة" من "الإيقاف الديني"
هل يروج "ويجز" للأزياء "اللاجنسية"؟ حقائق عن الموضة والجنس وصناعة المشاهير
قصة الموهوبة رحمة أحمد "مربوحة" .. من مسارح الثقافة الجماهيرية إلى تريند رمضان مع "الكبير أوي"