إذا كنتي تبحثين عن الحب عبر تطبيقات المواعدة الشهير مثل "تندر" أنصحك بمشاهدة هذا الفيلم قبل أن تقبلي دعوة أي شاب وسيم يشاركك اهتماماتك وتعجبك صوره في رحلاته هنا وهناك ، فالنهاية عادة لن تكون عرض زواج مرفقًا بجزيرة ويخت فضي على غرار أغنية محرم فؤاد الشهيرة .
"محتال تندر" أو Tinder Swindler فيلم طرحته Netflix منذ أيام وتحديدًا في الثاني من فبراير الجاري ، لتعيد فتح ملف قضية أثارت الجدل في وسائل الاعلام والصحافة الاسرائيلية والأوروبية منذ سنوات حول المحتال الاسرائيلي شمعون هايوت .
اسمع أو للدقة اسمعي معي القصة من البداية .. "شمعون هايوت" شاب اسرائيلي يقدم نفسه لضحاياه عبر تطبيق "تندر" باعتباره ملياردير اسرائيلي يدعى "سيمون ليفيف" إبن عائلة ثرية تتاجر في الألماس .
صور على متن يخوت بحرية وفي طائرات خاصة ، ورحلات لأجمل الأماكن في العالم ، ومقاطع فيديو من سهرات صاخبة في أفخم النوادي الليلية بين باريس ولندن ونيويورك ولوس أنجلوس .
محتوى مغري يثير فضول الباحثات عن مواعدة رجل ثري ووسيم عبر تطبيق "تندر". ومن هنا تبدأ القصة، يقبل سيمون الطلب ويحدد موعد اللقاء، عادة ما سيكون في فندق شهير من ذوي السبع نجوم، أو مطعم فاخر لا يرتاده سوى الأثرياء.
بالطبع اللقاء سيكون محددًا بالدقيقة لأن "سيمون" دائم الرحلات حول العالم من أجل أعماله واجتماعاته التي لا تنتهي ، فلا مانع أن يستقل الملياردير الوسيم طائرة خاصة من أمستردام صباحا ليقابل الصديقة المرتقبة في لندن بعد الظهر لمدة ساعة!
تلك الحالة بالطبع تحطم أسوار الحذر في عقل أي فتاة، ليبدأ المحتال في نصب الفخ المحكم، لدينا فتاة باحثة عن الحب، فما بالك لو أحبها ملياردير وسيم يدفع فاتورة طعام في أول لقاء قد تتجاوز ألف يورو ؟!
ثنائية الحب والمال .. من ستقاوم الإغراء ؟
يسرد الفيلم بشكل يمزج بين الطابع الوثائقي والدرامي كيف نجح سيمون في الإيقاع بضحيته الأولى "سيسيلي فيلهوي" وهي فتاة نرويجية تعيش في لندن، تحكي سيسلي في البداية كم كان سيمون مبهرًا ولطيفًا، حتى أنه بعد أول لقاء بينهما دعاها لرحلة إلى التشيك عبر طائرته الخاصة، عرض يدغدغ مشاعر فتاة، خاصة لو كانت مغتربة تعاني من الوحدة وتبحث عن الحب فتجده أمامها مغلفًا بحلم الثراء الفاحش .
على متن الطائرة تقابل طليقة سيمون وإبنه ، موقف غريب ولكن المحتال الذكي يكمل الصورة بهذه التفصيلة التي حكى عنها قبل ساعات ، مدهش "سيمون" حقًا فهو لم يترك شيئًا بلا إجابة ، يحبك التفاصيل حتى لو كانت تافهة ليمنح قصته مزيدًا من الواقعية والإعجاب .
يرسم بدهاء صورة الملياردير البائس الذي يعيش أيامًا مشحونة بالمسئوليات، ولكنه في ذات الوقت أب نموذجي يرعى إبنه وطليقته أيضًا، ولكن المدهش أن هذه السيدة أيضًا ضحية أخرى تكتشف حقيقتها في النهاية.
لحظات تجسد كل الألاعيب النفسية التي يمكن أن تمارس على فتاة لتقتنع بصورة رجل لا يمكن رفضه ، وتتكمل اللعبة برسائل الغرام عبر "واتس آب" وباقات الورورد باهضة الثمن، فلقاء آخر بعد أيام ينتهي بتقاسم الفراش والحب، وأفكار وأحلام حول مستقبل وحياة مشتركة بعد أن يسافر إلى "أوسلو" مسقط رأس الضحية ويعرض عليها الانتقال للعيش معه في امستردام !
ينتقل الفيلم لبقية ضحايا سيمون أو شمعون ، امرأة أخرى ولكنها اكثر واقعية ، هي فتاة سويدية تدعى برينيلي ، اقتحام هذه المرأة لن يكون عبر أوهام الحب ، بل بالحياة والسفر ودعوات العشاء والسهرات الصاخبة ليمد جسور الصداقة المتينة بينهما ووعود بمشروعات مشتركة ، وليؤكد أنه لا يفكر في الحب أو الجنس يقدم لها حبيبته الأوكرانية وهذه قصة أخرى .
تتطور الأحداث فجأة ، يتحول سيمون إلى شخص مطارد عندما يرسل مقاطع فيديو مصورة لاعتداءات عليه هو وحارسه الشخصي من قبل منافسيه في تجارة الألماس ، ويصبح التخفي والهرب أمرا إجباريا عليه وعلى من يحبه ، ولهذا فلا يمكن أن يستغل حساباته البنكية للإنفاق على نفسه ولا على جيش المساعدين الذي يرافقه لأنها مراقبة وهذا يهدد حياته!
تتلاقى شباك الفخ المنصوب بدقة عندما يطلب اقتراض المال وبأرقام ضخمة، تبدأ من 20 ألف يورو لتصل إلى مئات الالافات ، الطلبات تزيد والحجج تتنوع وتكثر، وسيمون هارب من أعدائه، وعلى حبيبته أن تحصل على قرض واثنين وثلاثة من البنوك، بل وتفتح حسابات بنكية جديدة وبطاقات ائتمانية لا محدودة، على شرف وعود الملياردير الوسيم التي بلا شك هي محل ثقة .
هنا وقعت الحبيبة النرويجية في الفخ، وكذلك الصديقة السويدية، وإنضم لهما حبيبة ثالثة فنلندية تعرضت لنفس اللعبة التي تطول بارسال "شمعون" أو "سيمون" بالشيكات التعويضة لهن وبأرقام أكبر مما منحنه كنوع من الاغراء ولكن بجميعها غير قابلة للصرف .
كلما مرت الدقائق وأنت ترى لعبة سيمون وتكتشف جزءا من حقيقته لا تملك سوى تحية مخرجة الفيلم فيليسيتي موريس على المجهود الكبير الذي بذل لتعقب القصة وتحديدا عندما تلجأ إحدى الضحايا للصحافة النرويجية لتتبنى القصة وتبدأ في كشف حقيقة المحتال من خلال تحقيق استقصائي طويل يجريه فريق صحفي تنقل بين انجلترا والنرويج واليونان واسبانيا والسويد واسرائيل !
شيئًا فشيئًا تقفز حلول المعادلة أمام الشاشة ، فسيمون الملياردير الوسيم يعيش حياته الصاخبة على حساب ضحاياه ، كل صور موائد العشاء الفاخرة والحفلات الصاخبة ورحلات الطائرات الخاصة هي بالفعل حقيقية ولكنها ليست بأمواله بل يبرع في جعل كل ضحية تنفق على قصته المثيرة مع ضحية أخرى ، وكل واحدة منهم تعرفه باسم مختلف وربما حساب مختلف على تندر ، وإن كانت نفس الفيديوهات والرسائل الغرامية ترسل نصا لكل واحدة منهن في نفس الوقت !
من هو سيمون ليفيف ملياردير الألماس ؟
في حي فقير متشدد في تل أبيب نعرف من هو سيمون ملياردير الألماس الوسيم ، فهو في الحقيقة الشاب المحتال شمعون هايوت ، الذي طردته والدته من منزله منذ سنوات لكثرة مشاكله ، فقد زور عشرات جوازات السفر بأسماء وهمية لكي يحتال على الناس ، لدرجة جعلته مطلوبًا من السلطات الاسرائيلية التي لاتعرف كيف خرج من البلاد وأين يقيم .
خطط شمعون للعبته بمنهتى الدقة ، أسس موقعا اليكترونيا مزيفا للشركة التي تملكها عائلة "ليفيف" أباطرة الألماس في اسرائيل ، زور لقاءت صحفية مكتوبة معه عبر تقنيات الجرافيك والفوتوشوب ، ارتدى أغلى ماركات الملابس في العالم ، واستعان بفريق من المساعدين والحرس الذين يجهلون حقيقة عمله ، هم فقط يتقاضون أجرا على المشاركة في التمثيليات وهم مقتنعون انه بالفعل الملياردير سيمون ليفيف!
يتحرك الانتربول بالتعاون مع الضحايا بعد أن يظهرن في وسائل الاعلام المختلفة ويحكين قصتهن ، ورغم ذلك مازال شمعون يطاردهن ويطلب منهن الأموال ، ويرسل صوره وهو مقيم في نزل متواضعة ويأكل على الرصيف ، وأن كل مايتردد عنه في وسائل الاعلام مؤامرة يحيكها أعداؤه .
يتم القبض على سيمون بعد عدة أشهر ، بتهمة النصب على سيدات والحصول على مايقرب من 10 ملايين دولار منهم ، ولكن القانون وحده لا يحمي الباحثين عن الحب الأعمي ، فشمعون وضع خططا قانونية بديلة لكل مافعله ، لم يتورط في سرقة قانونية ، فالطائرات حقيقية ، والرحلات حقيقية ، لم يسرق بل طلب اقتراض اموال من السيدات ولكنه غير مدان أمام بنك أو جهة رسمية ولا تلمك إحداهن أو ورقة رسمية تثبت أنه مديون لها .
انها نهاية حزينة وواقعية جدًا خاصة وأن السلطات الاسرائيلية حكمت عليه بالسجن لمدة 15 شهرا ، وخرج بعد 5 أشهر لحسن السير والسلوك!
حاولت جاهدًا أن استبعد الانحياز الطائفي والديني من قبل السلطات الاسرائيلية في هذه القصة، خاصة وأن الضحايا من دول أخرى، ولكن المدهش أن شمعون خرج من سجنه ليعود لممارسة حياته الطبيعية ، بل وينشر مجددًا على مدار العام الماضي صور رحلاته وملابسه الفخمة وسياراته الفارهة وطائراته الخاصة .
النصاب مستمر وصناع الفيلم في ورطة
أثار الفيلم ضجة واسعة على مدار الأسبوع الماضي، وقالت صحيفة "ديلي ميل" في تقرير لها أن هايوت الذي خدع نساء أوروبيات طوال عامين باستخدام تطبيق المواعدة تندر، فوجئ بالتغطية الاعلامية الهائلة وردود الفعل العنيفة تجاهه.
الأمر الذي دفع شمعون للرد على صناع الفيلم وشبكة Netflix بأنه سيتخذ ضدهم الاجراءات القانونية وسيطلب تعويضًا ماليًا ضخمًا .. من أين أتى بكل هذه الجرأة ؟!
كتب شمعون في حسابه على انستجرام : "سأروي القصة الحقيقية في الأيام القليلة المقبلة، عندما أتوصل إلى أفضل الطرق وأكثرها احتراماً لسردها، حتى لا أجرح الأطراف المعنية، وحتى ذلك الحين، من فضلك، كن منفتح الذهن والقلب".
ولكن بعدها بقليل أغلق حسابه على إنستجرام الذي يتابعه أكثر من 100 ألف شخص ، في حين أصدر تطبيق المواعدة "تندر" بيانا نشرته صحيفة "فارايتي" يوم الجمعة الماضي جاء فيه : "لقد أجرينا تحقيقات داخلية ويمكننا أن نؤكد أن شمعون لفيف لم يعد نشطا على تيندر تحت أي من الأسماء المستعارة المعروفة له".
ولكن الأزمة هنا ليست في توقفه عن النشاط على "تندر" ، ولكننا أمام جرائم نصب حقيقية وواضحة ، ولكن المذنب مازال حرًا طليقًا ، وربما يحصد ملايين الدولارات بتهمة التشهير ، في حين أن ضحاياه مازلن مكبلات بديون البنوك حتى الآن، وهي الصدمة التي فجرتها الضحيتان النرويجية والسويدية عندما ظهرتا في مقابلات تليفزيونية قبل وبعد عرض الفيلم الوثائقي لتؤكدان أن حياتهما تحولت إلى "فيلم رعب" ، وأن البنوك تسحب بلا رحمة كل مدخراتهما ودخلهما لسداد ما تم اقتراضه مضافًا إليه قيمة الفوائد.
تصدر الفيلم قوائم الأعلى مشاهدة في عدة دول ، وحتى على مستوى الدول العربية حيث احتل المرتبة الخامسة للأعلى مشاهدة عبر Netflix في الإمارات ، بينما وصل للمرتبة الثالثة في مصر حتى كتابة هذه السطور، ومتوقع أن يثير ضجة أكبر خلال الساعات القادمة، ولكن هل سيعيد هذا الحق إلى الضحايا أو ينقذهن من السجن !
صحيح أن القانون لا يحمي المغفلين ، ولكن لا مانع من الاعتراف أن النظام العالمي المتوحش قرر أن يجعلنا جميعًا على شفى حفرة من "التغفيل" ، عالم يعتصرك ويستنزفك مهنيا وإنسانيا، ويمنحك الأمل خلف شاشة هاتف تفتح لك أحلاما مشروعة وغير مشروعة أيضًا ، أحلام في الواقع ماهي إلا وسيلة لإنعاش "بيزنس" عملاق تحت مسمى التواصل الاجتماعي، كيانات ديناصورية تتربح من وراء غرائزك الإنسانية الأساسية كالبحث عن الحب، وهنا لا مانع لديها من أن تترك ضباعًا مفترسة مثل شمعون هايوت لتلتهم ماتبقى منك.