احتفل محرك البحث الشهير "جوجل" اليوم، بذكرى ميلاد بهيجة حافظ إحدى رائدات السينما المصرية، والتي يعود لها الفضل في تأسيس أول نقابة للمهن الموسيقية، حيث تعددت مواهبها فكانت أول سيدة تقتحم مجال الموسيقى، بالإضافة لمشاركتها في الإخراج والإنتاج والكتابة، لذا استطاعت حفر اسمها في سجل الفن المصري بمختلف مجالاته من خلال 30 عملًا سينمائيًا، لكن رغم ذلك لم تحصل على ما تستحقه من الشهرة الواسعة.
بهيجة من مواليد 4 أغسطس 1908، بحي محرم بك بالإسكندرية، لأسرة من الأعيان؛ حيث كان والدها إسماعيل محمد حافظ ناظر الخاصة السلطانية في عهد السلطان حسن كامل، وابن خالتها إسماعيل صدقي رئيس وزراء مصر الأسبق، ثم تزوجت أميرا إيرانيا ولكنهما انفصلا سريعًا، فعادت إلى الإسكندرية.
تلقت تعليمها بين مدرستي الفرنسيسكان والميردي ديو، وسافرت إلى باريس حين كان عمرها ١٥ سنة لدراسة الموسيقى، وحصلت على دبلوم تأليف الموسيقى وعادت بعد عام واحد، لتسجل ١٨ قطعة موسيقية كانت تذاع في محطات إذاعة فرنسا. كما كانت تعزف على البيانو ضمن الفرقة الموسيقية التي كان يقودها المايسترو الإيطالي جيوفاني بورجيزي، في أحد عروض الفرقة بالإسكندرية.
لم تكتفي بهيجة بدراسة الموسيقى بل درست أيضا فن الإخراج والمونتاج في برلين، ونُشرت صورتها فى مجلة "المستقبل" التي كان يمتلكها إسماعيل وهبي شقيق الفنان يوسف وهبي، بالبُرقع والطرحة وكُتب تحتها عبارة "أول مؤلفة موسيقى مصرية"، حيث لحنت مجموعة من الأغاني، في مقدمتها الموسيقى التصويرية لفيلم "زينب".
تعرفت بهيجة علي الفنان يوسف وهبي والتقت من خلاله بالمخرج السينمائي محمد كريم الذي رشحها للعمل في الفيلم السينمائي الصامت "زينب"، عام 1930، حيث قامت بدور البطولة أمام سراج منير وزكي رستم، والذي مثّل أول بطولة لها، فكانت أول وجه نسائي يظهر على شاشة السينما المصرية.
لكن قبولها للمشاركة بالفيلم سبب لها أزمة كبيرة، فبحسب ما ذكره الكاتب أيمن عثمان في "موسوعة تراث مصري" أن المخرج محمد كريم عندما اختار بهيجة للقيام بدور "زينب" تغاضى عن مفرداتها التي تمتلئ باللكنة الإنجليزية لأن الفيلم صامت، وكانت الدعاية قبل الفيلم وأثناءه قائمة على ابنة الحسب والنسب بطلة الفيلم، فثار البعض لهذه الأخبار وهاجموا يوسف وهبي، معتبرين أن عمل ابنة أسرة كبيرة في السينما يتنافى مع التقاليد والكرامة، ونشر بعضهم في الصحف يناشدون أسرة "بهيجة" أن يمنعوها من العمل في السينما حرصًا على سمعتهم.
أقامت أسرتها عزاءً على روحها باعتبارها ماتت في نظرهم، وانتشر وقتها خبر أن أحد شباب أسرتها قرر قتلها تخلصًا من العار الذي ألحقته بالأسرة، بسبب اشتغالها في السينما، فاضطر يوسف وهبي إلى الاستعانة بإدارة الأمن العام لتضع بهيجة حافظ تحت الحراسة المشددة خوفًا على حياتها، فكانت تذهب إلى مكان التصوير وتعود إلى منزلها وحولها عدد كبير من رجال البوليس الذين يحملون السلاح.
واستمرت بهيجة مهددة بالقتل حتى تزوجت من محمود حمدي، الذي نشر في الصحف أنه موافق على عمل زوجته بالسينما، فهدأت العاصفة وخرج فيلم "زينب" إلى النور عام 1930.
بعد تجربة فيلم "زينب" رشحت لبطولة فيلم "أولاد الذوات" ثم اختلفت مع يوسف وهبي وكونت شركة سينمائية مع زوجها باسم "فنار فيلم" كان لها دورًا كبيرًا في الإنتاج السينمائي في فترة الثلاثينات والأربعينات، فأنتجت فيلم "ليلى بنت الصحراء" والذي تكلف نحو 18 ألف جنيه مصري، وهو مبلغ ضخم قياسًا بإنتاج تلك الفترة، وقد لاقى نجاحًا كبيرًا وعُرض في "مهرجان برلين الدولي" كأول فيلم عربي ناطق يعرض في هذا المهرجان ويحصل علي جائزة ذهبية، وأخرجت أفلام "ليلى البدوية" و"الضحايا".
لكن سرعان ما تعرضت شركتها للإفلاس فاضطرت للتوقف عن الإنتاج السينمائي لمدة عشر سنوات، ثم عادت عام 1947، لتُنتج فيلم "زهرة السوق" من إخراج حسين فوزي، لكنه تركه ليكمله المونتير كمال أبو العلا، وتولت هي كتابة القصة وعهدت إلى إبراهيم حسين العقاد، كتابة السيناريو.
شارك في الغناء بالفيلم المطرب وديع الصافي والذي لم يكن مشهورًا وقتها، ورغم ذلك لم يحالفهم الحظ وتسبب الفيلم في خسارتها مرة أخرى، فأشهرت إفلاسها وتوقفت عن الإنتاج السينمائى نهائيًا، ولم تظهر مرة أخرى في التمثيل حتى قدمها المخرج صلاح أبو سيف في عام 1966 في مشهد بالألوان في فيلم "القاهرة 30".
رغم ابتعادها عن السينما بعد إعلان إفلاسها، عاودت بهيجة نشاطها الموسيقي وأنشات أول نقابة عمالية للموسيقيين عام 1937 واستمرت حتى 1954، بالإضافة إلى صالونها الثقافي داخل قصر هدى شعراوي بشارع قصر النيل وكان يحضره العديد من الفنانين، مثل القصبجي، بالإضافة إلى الأصوات الجديدة التى يتم اكتشافها في تلك الندوات الثقافية الغنائية، التي كان يحضرها العديد من الشعراء أمثال علي الجنبلاطي وروحية القليني.
بعد سنوات غابت فيها بهيجة حافظ عن الأضواء، رحلت في صمت عام 1983، ولم يكن أحد بجانبها، ويقال إن الجيران اكتشفوا الأمر بعد يومين من وفاتها، حيث كانت تقيم في عمارة بشارع قصر النيل بوسط القاهرة، وبعد أن شعروا بغيابها لمدة يومين، ارتابوا في الأمر، فدقوا عليها باب الشقة ولم يجدوا أحدا، فأبلغوا الشرطة التي استطاعت فتح الباب بالقوة، ليجدوها جثة هامدة فوق سريرها.
وفي اللحظة التي انتشر فيها خبر وفاتها تعرّضت شقتها للسرقة من قبل الذين صعدوا ليشاهدوا نهايتها المؤلمة، وذلك قبل أن تتحفظ الشرطة على ما في الشقة من بقايا أثاث ومحتويات مكتبتها الضخمة.
شيعت جنازتها شقيقتها سومة وابن شقيقها من الإسكندرية دون أن يحضرها أحد من الفنانين، ودفنت في مدافن القاهرة ولم تتم كتابة نعى في الصحف أو يقام لها عزاء، بعد أن عاشت طويًلا في عالم الأضواء والشهرة، ورغم ما قدمته لعالم السينما والفن.
اقرأ أيضا: