بعد 100 مليون محلل سياسي، و100 مليون مدير فني، يمكننا أن نؤكد الآن بكل ثقة أنه أصبح لدينا 100 مليون ناقد فني.
متابعة الأعمال الدرامية في رمضان متعة من نوع خاص، مهما تابعت طوال العام تظل الدراما الرمضانية ذات طابع خاص يمزج الفن بالذكريات.
اعتاد صناع الدراما على تلقي ملاحظات فنية على أعمالهم، صورة مختلفة، أو لقطة غير منطقية، أو "راكور" متغير، كانت هذه الملاحظات دائما مقتصرة على صناع الدراما أنفسهم وشريحة ضيقة من دارسي الفنون، أو شريحة المثقفين الذين قد تلفت انتباههم تفصيلة فنية أو موسيقية فيما يشاهدون.
وهذه ظاهرة ليست بجديدة، وأذكر مثالا عليها حدث مع واحد من أجمل الأعمال الدرامية التي نعشقها وهو مسلسل "حديث الصباح والمساء"، الذي شهد خطأ تاريخيا موسيقيا مر على العظيم الراحل عمار الشريعي، وهو استخدام أغنية "يا عشاق النبي" لسيد درويش في زفاف (عطا المراكيبي وهدى هانم)، رغم أن زمن المشهد يعود إلى فترة حكم محمد علي، أي قبل ميلاد سيد درويش بعشرات السنين، ولأن المسلسل عرض عام 2001 أي قبل انتشار السوشيال ميديا، لم يلتفت لهذا الأمر سوى قلة قليلة.
الآن ومع انتشار السوشيال ميديا، وزيادة التركيز من جيل جديد من المشاهدين، تربّت ذائقته على أعمال على أعلى مستوى فني وإنتاجي، ولا يجلس أمام الشاشة وقد أنهكته ساعات العمل الطويلة للتسلية أثناء شرب كوب الشاي بعد العشاء، أصبحنا أمام ظاهرة أعتقد أنها حتى وإن كانت موجودة في السنوات الماضية، فالأكيد أنها وصلت لذروتها هذا العام.
وعندما تجد نفسك يوميا أمام طوفان من التعليقات المدعومة بالصور والفيديوهات تجتاح مواقع التواصل الاجتماعي عقب كل حلقة من حلقات المسلسلات، ترصد أخطاء وتفاصيلا مرّت من فريق العمل، تشعر بالفعل أن كل المشاهدين أصبحوا نقادا، ويصلحوا للعمل مساعدين مخرج لالتقاط هذه التفاصيل الصغيرة.
لدرجة الانتباه لتفاصيل لا تخطر على بال أحد، من نوعية أن زجاجة العطر التي تضعها الفنانة في غرفة نومها من ماركة كذا وإنتاج عام كذا، ولم تكن موجودة في الفترة الزمنية التي يقدمها المسلسل. أو أن "الكانيولا" الطبية، ومجسات جهاز رسم القلب تم وضعها للمريض بشكل خاطئ، أو ظهور إحدى ماركات السيارات الحديثة في مسلسل تدور أحداثه قبل عشر سنوات، أو دخول سيارة للتصليح في الورشة فتخرج بقدرة قادر وقد تغيرت ماركتها، وغيرها وغيرها كثير، في دليل على عدم التركيز والاستهانة بالمشاهد، خاصة إذا عرفنا أن هذه المسلسلات تم الانتهاء من تصويرها قبل نهاية رمضان، ولا وجود لحجة العمل تحت ضغط الوقت.
تركيز مرعب من المشاهدين يستدعي انتباها أكثر ومجهودا أكبر من فريق العمل فيما يأتي، المشاهدون لن يقبلون بعد الآن بحبكة درامية مفككة، لن يقبلون بتفاصيل و"راكورات" غير متطابقة، لن يقبلون بعد الآن بأداء غير مقنع من أحد الممثلين، تركيزا لن يكون عنه بديل لتجنب حفلات سخرية صاخبة تستغرق ليال كاملة على السوشيال ميديا.
فقد أصبح لدينا 100 مليون ناقد فني، لكن هذه المرة لن يمكننا اتهامهم بـ"الفتي" أو "الهبد" أو ترويج الشائعات، لأنهم جميعا مسلحون بصور وفيديوهات.
اقرأ أيضا:
محمد محيي بعد 12 عاما ... الصبر جميل والهوى ميال
نجوم المهرجانات: استنونا احنا جايين