من بين المسلسلات المختلفة في رمضان الحالي، نجد 3 أعمال اختارت الانتقال من الأزمنة الحالية إلى أخرى قديمة، أو إلى المستقبل. يشكّل هذا الأمر تحديًا بالنسبة لصناع أي عمل درامي، إذ يعني الكثير من الدراسة والاهتمام بالتفاصيل التي ستظهر في الملابس والديكورات والاكسسوارات، وكلما ابتعدنا عن الزمن الحالي أكثر ازداد الموضوع صعوبة، إذ ليس تفاصيل الشكل وحدها التي تتغير، بل حتى اللغة والمفردات يصيبها الاختلاف.
في السطور التالية سنتعرض لمسلسلات: النهاية، والفتوة، وليالينا 80 التي تدور أحداثها في أزمنة مختلفة تتفاوت في قربها عن وقتنا الحالي، مع التركيز بشكل رئيسي على طريقة ظهور الزمن في الديكورات والملابس.
ليالينا 80
تأليف: أحمد عبد الفتاح، إخراج: أحمد صالح
ستايلست: خالد عبد العزيز ومها بركة، إشراف فني: رمسيس سليم
العمل الأقرب زمنيًا، إذ تدور أحداثه في بداية الثمانينيات أي منذ أربعين عامًا. لا يوفر المسلسل جهدًا في تأكيد الانتماء إلى مرحلة الثمانينيات، إذ تبدأ هذه الإشارة بوضوح من عنوان العمل، ومع التترات نجد الكثير من اللقطات التي تنتمي إلى هذا العصر، مع بعض اللقطات الأرشيفية بوضوح.
تبدأ الأحداث بمشاهد أرشيفية ليوم اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات عام 1981، ويفرض صناع المسلسل حالة بصرية تنتمي إلى عصر الثمانينيات بلا مواربة، إذ رغم أننا تعرفنا على الزمن بالفعل من البداية، فإن المخرج يختار أن يضع الكثير من العلامات البصرية، من ديكورات واكسسوارات، طوال الوقت بشكل مبالغ فيه، ولنقف عند مشهد الابنة جميلة (رنا رئيس) مع صديقاتها الحلقة الأولى لنحصي كم علامة وضعها صناع المسلسل.
في هذا المشهد نجد أنها تتناول الطعام في مطعم وِمبي، أحد أوائل مطاعم الوجبات السريعة التي ظهرت في مصر والتي لم يعد لها وجود حاليًا، ثم نشاهد في يدها مكعب روبك الشهير، الذي يحمل لونًا مختلفًا على كل وجه والمطلوب إعادة الألوان لوضعها الأصلي بعد خلطها، ثم تتحدث عن حفلة منير في كوكي بارك، منير كان قد بدأ نجمه يسطع آنذاك، وكوكي بارك هي واحدة من مدن الملاهي. وعندما تهم جميلة بالخروج تخبر صديقاتها أنها ستشتري شريط منير الجديد. الذي نشاهد ملصقاته معلقة بالخارج، ألبوم "شبابيك".
كل هذه العلامات، بالإضافة للملابس وتصفيف الشعر بالطبع، حُشدت في مشهد واحد، رغم أن بوستر واحد لمنير في الخارج أو أغنية له في الخلفية كانت ستكفي، بينما الحديث عن الحفلة وكوكي بارك لم يكن له أية ضرورة درامية، بل هو مجرد استطراد لتفاصيل هذا الزمن.
لا نبالغ إن قلنا إن الكثير من مشاهد الحلقة الأولى كانت مشابهة لهذا المشهد، أكبر حشد من تفاصيل الزمن دون ضرورة درامية حقيقية، وإن كان تحسن قليلًا في الحلقتين التاليتين، ولكن يبقى سؤال أهم لم تظهر له إجابة حتى الآن، وهو ما أهمية أن تكون الأحداث في الثمانينيات؟ في بعض الأحيان يصبح الاهتمام بإظهار الزمن عبئًا على العمل، أو هدفًا في حد ذاته، فيصبح حديث المشاهد عن الملابس وتصفيفات الشعر، وهي جيدة بالفعل هنا، أكثر مما يهتم بالدراما نفسها، لكن االاهتمام من المشاهد يخبو بعد عدة حلقات، إن لم يكن لدى المسلسل دراما قوية يستند عليها.
في واحد من المسلسلات المهمة التي دارت في نفس الفترة، بدون ذكر أسماء من تأليف وحيد حامد وإخراج تامر محسن والذي عرض عام 2013، نجد أن المشاهد الأرشيفية التي ظهرت في الحلقات، والإشارات البصرية التي التي تدل على الزمن في الحلقة الأولى، كانت محددة، ومرتبطة بشكل واضح بالشخصيات كذلك. بينما كان هدف المسلسل هو تسليط الضوء على التغيرات المجتمعية الكبيرة التي شهدتها تلك الفترة، الزمن هنا كان مدخلًا لدراسة المجتمع، وبمجرد تعريفنا عليه يتراجع إلى الخلفية.
النهاية
تأليف: عمرو سمير عاطف، إخراج: ياسر سامي
تصميم الملابس: إنجي علاء، Art Director: رامي دراج
في المستقبل تدور أحداث المسلسل، بعد مئة عام في 2120. لسنا معتادين على صناعة أعمال الخيال العلمي في مصر رغم تقديم بعضها بالفعل، أقربها خلصانة بشياكة عام 2017. ليس لدينا أي تأكيد عن الشكل الذي سيصبح عليه المستقبل، وبالتالي فشكل الملابس في أفلام الخيال العلمي التي تدور في المستقبل يختلف من عمل إلى آخر، بينما هناك اتفاق على أن تكون الملابس مناسبة لطبيعة الحالة في ذلك الزمن، وهو أمر ثابت بالتأكيد في أي عمل فني، ولكن ما نعنيه هنا أن تكون الملابس في تصميمها وخاماتها مناسبة لوضع البلد أو الكوكب في زمن الأحداث، هكذا نجد في فيلم "Mad Max: Fury Road" (ماكس المجنون: طريق الغضب) الملابس تبدو كأنها مستهلكة ومهترئة، وهو المناسب لطبيعة الفيلم الذي تدور أحداثه في مستقبل مظلم بلا موارد، عكس الملابس في سلسلة "Star Trek" التي تكون مصنوعة بتصميمات متقدمة وأنيقة ومن خامات ثمينة.
حتى الآن -الحلقة الثالثة- لم تتضح الطبيعة الكاملة للعالم الذي تدور فيه الأحداث، تعرفنا في البداية أن الولايات المتحدة الأمريكية تفككت بينما اتحد العرب وصار قوة كبيرة، والأحداث تدور في القدس مما يعني أن العرب انتصروا في معركتهم ضد الاحتلال الإسرائيلي. كذلك يظهر بوضوح أن هناك شركة تدعىEnergy Co مسيطرة على كل شيء في البلد. يحاول صناع المسلسل من خلال الديكورات وتصميم الإنتاج وضعنا في بيئة فقيرة في المستقبل، خاصة في الأماكن الخارجية وكل ما هو بعيد عن شركة Energy Co. فوسائل المواصلات شبيهة بما نستعمله حاليًا، والمحلات تُقفل بالقفل والرزة دون أية وسيلة حديثة. قد يكون ما شاهدناه مناسبًا لبيان حالة الفقر التي يحيا فيها كثيرون، لكن المشكلة أننا شعرنا بتفاصيل من الحاضر أكثر مما شعرنا بالمستقبل، بل حتى بعض التفاصيل التي كان من المفترض أن تدل على المستقبل، مثل شاشات الهولوجرام والبطاقات التي يستخدمونها كتعريف شخصية لم تقدم لنا تصورًا مغايرًا عما شاهدناه في الكثير من الأعمال بالفعل، بل أن بعضها كان تنفيذه هزيلًا، مثل ثلاجة الطعام في المحل الذي يستخدمه زين (يوسف الشريف) كمعبر للملجأ، إذ نجد على واجهتها أسماء الأطعمة التي تحتويها باللغة الإنجليزية، وكأن كتابة محتويات الثلاجة أمر من سمات المستقبل، لتكون المحصلة النهائية مزيجًا غير واضح المعالم بين تفاصيل معاصرة وأخرى تكنولوجية، بما لا يعطي للشكل النهائي فرادته.
على مستوى الملابس ربما كان الأمر أفضل، إذ نجد أن مصممة الملابس تعتمد أيضًا على تصميمات أقرب للعصر الحالي، وإن كنا نجد توحيدًا لبالتة الألوان المستخدمة، فأغلبها من الألوان القاتمة، وتتراوح بين البنيات والأسود، مع الاهتمام بالمعاطف كقطعة أساسية لأغلب الشخصيات، بينما يختلف مستواها وحالتها.
الفتوة
تأليف: هاني سرحان، إخراج: حسين المنباوي
تصميم الملابس: منية فتح الباب، الإشراف الفني والديكور: عباس صابر وأحمد عباس صابر
نرجع إلى القاهرة في الماضي مرة أخرى في عام 1850، حيث الفتوات لا زالوا يتحكمون في الأحياء الصغيرة، من خلال إجبار أصحاب التجارة والحرف على دفع الإتاوات بحجة تأمينهم ضد الفتوات الآخرين.
ربما لا نزور هذا الزمن كثيرًا في المسلسلات وإن كنا شاهدناه عدة مرات في السينما، خاصة في الأعمال المأخوذة عن ملحمة الحرافيش لنجيب محفوظ. يقدم لنا صناع المسلسل الكثير من تفاصيل القاهرة القديمة بشكل جميل بالذات في المشاهد الخارجية، حيث العمارة الإسلامية والشوارع القديمة والحوانيت الصغيرة التي يعرض أصحابها بضاعتهم بشكل جذاب للعين، مع الاهتمام بنوع البضائع الموجودة، أن تكون مناسبة للزمن. كذلك نجد تصميم المساحات جاء بشكل جيد فهناك مساحة منطقية لمرور المشاة ومساحات أخرى لهذه المحلات الصغيرة، مع الأخذ في الاعتبار أن تبدو المحلات في اللقطات العامة للمكان وهي عشوائية بعض الشيء وليست منسقة بشكل تام، وهو الأقرب للواقع.
بينما نلاحظ التباين في المشاهد الداخلية بين بيت الفتوة صابر (أحمد خليل) وبيت حسن (ياسر جلال)، فالأول متسع ويضم الكثير من الغرف والمشربيات، الموظفة بشكل جيد في الإضاءة، بينما الآخر أقل اتساعًا وأكثر فقرًا بما يتناسب مع حالة حسن.
لكن الجودة التي أصابها المسلسل في تصميم الديكورات والإنتاج، لم يُصبها في الملابس، التي جاء التباين بينها كبير، لكن جميعها تتفق في أنها تبدو جديدة ومصنوعة للمسلسل وخالية من أية تجاعيد، وهو ما لا يتفق بالتأكيد مع حال شخصيات تقضي أغلب يومها في الشارع، وجزء من يومها تقضيه في المعارك أيضًا.
نعود للتباين في الملابس، فنجد أن أغطية الرأس متنوعة بشكل كبير، وهو لا يملك كاتب السطور دليلًا على دقته التاريخية، كذلك نجد تصميم وطريقة ارتداء عزمي (أحمد صلاح حسني) لجلبابه دائمًا مختلفة عن بقية المحيطين به، وكأنه يشتري ملابسه من محلات أخرى غير التي يشتري بقية أفراد المنقطة ملابسهم. ربما كان الغرض من ذلك تقديم اختلاف بصري لدى المشاهد، لكن الأمر جاء على حساب التناسق بين الشخصيات وبضعها، ومع الزمن أيضًا.
مسلسل السيرة العاشورية: الحرافيش في جزئه الأول، قدم عصرًا مشابهًا، ولكننا يمكن أن نجد فيه اهتمامًا أكبر بالملابس، حتى أن الجلباب الذي ارتداه عاشور، الشخصية الرئيسية، كان دائمًا مجعّدًا في النصف الأول من الأحداث بحكم عمله على عربة يجرها حمار وبقاؤه طوال اليوم خارج البيت.
اقرأ أيضا
إلى متى يودع محمد رمضان والده في أول أيام الشهر الفضيل؟
5 ملاحظات تجعل أمينة خليل الأكثر اختلافا بين ضحايا رامز جلال