في الشهور الأخيرة تحولت أزمة أغاني المهرجانات إلى حديث وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، معظم النقاشات كانت عن أغنية أو مطرب أو موقف يجمع بين نقابة المهن الموسيقية ومؤدي مهرجانات، الأمر الذي دفع الفنان هاني شاكر إلى طلب المساعدة لأنه أصبح لا يعرف كيف يتعامل مع موسيقى المهرجانات وما الذي يتوجب عليه لإنهاء تلك الأزمة التي تتفاقم يومًا بعد الآخر دون مبرر، لكن من أجل نجد حلول لأي مشكلة يجب أن نشرحها ثم نفهمها ونبدأ التفكير في الحلول المناسبة، وهو ما سوف نفعله سويًا في السطور التالية.
أغاني المهرجانات ظهرت فيما يشبه الأسواق السوداء، صناعة بدأت وانتشرت ووصلت للجمهور دون أن يراها أحد، لذلك التأريخ لبداية أغاني المهرجانات لن يكون دقيق في أي محاولة لتوثيقه، بل أن صناعتها في الوقت الراهن ما تزال غير واضحة للعامة، خاصة أن العديد من صناع تلك المهرجانات هم في الأصل أصدقاء للأشخاص الذين يظهرون للجمهور.
كيف بدأت المهرجانات؟
القصة المعروفة هي أن بداية أغاني المهرجانات كانت قبل حوالي 15 سنة، حيث بدأ بعض الشباب في المناطق الشعبية في أرجاء مصر المختلفة في محاولة إيجاد أسلوب مختلف يناسب الأفراح الشعبية، لتحية المعازيم والأشخاص المهمين في المنطقة، ومن هنا جاء وصف مهرجان للإشارة إلى تجميع الأشخاص في أغنية واحدة، كما كان المهرجان يؤديه مجموعة أفراد، ولم يثبت أن هناك شخص قدم مهرجان بصوته منفردًا منذ بداية ظهور المهرجانات وحتى الآن.
قلة تكلفة إنتاج أغنية المهرجان وانتشار برامج صناعة الموسيقى المجانية عبر الإنترنت، كانا وراء كثرة مقدميه، وكان يمكنك إنتاج مهرجان يحمل اسمك من داخل غرفتك بدون مقابل لو كنت تجيد استخدام تلك البرامج، أو دفع مبلغ لا يتجاوز الثلاثمائة جنيه لأي شخص يمكنه استخدامها سواء في منزله أو مقهى للإنترنت، ثم نسخها والبحث عن سائق تعرفه يقبل بتشغيل أغنيتك التي إن أعجبت زملاءه سينقلونها بدورهم إلى كاسيت سياراتهم.
في ذلك التوقيت لم يكن هناك أفضل من عربات الميكروباص والتوكتوك لكي يعرف سكان المناطق الشعبية بذلك الشكل الموسيقي الجديد، الذي أخذ مكان أغاني المطربين الشعبيين في تلك السيارات، وبعد السيارات تأتي الأفراح الشعبية التي كانت ومازالت هي المكان المفضل لظهور واكتشاف المواهب في عالم المهرجانات.
انتشار أغاني المهرجانات بدأ بنفس نظام التسويق الذي تتبعه شركات الإنتاج الفني الكبرى، أن تسمع الأغنية من خلال كاسيت سيارة تسير في الشارع، ويتكرر الأمر معك فتشعر أنك قد فوتت أغنية متداولة وتبدأ البحث عنها لتسمعها وتشاركها مع أصدقائك، ويتكرر الأمر معهم، فتنجح الأغنية ثم تأتي أغنية آخرى تأخذ نفس دورة الانتشار، واستمر ذلك حتى دخل موقع YouTube ليغير قوانين اللعبة.
أول خيوط الأزمة
الصدام والجدل مع أغاني المهرجانات بدأ وقت ظهور الثنائي "أوكا وأورتيجا" ثم انضم إليهما شحتة كاريكا الذي خفت نجمه ويكاد يكون اختفى بعد إنفصاله عنهما، ووقت أن شكل الثلاثي فريق "8%" كانوا يظهرون في البرامج للحديث عن موسيقاهم وبالتأكيد خاضوا المواجهة المعتادة مع الملحن حلمي بكر، وهي الوسيلة الأفضل لنجاح أي مطرب مثير للجدل، لأن المشاهد سينتصر للمطرب على حساب معايير حلمي بكر التي توقفت عند حبه للأغاني الشعبية التي قدمها الفنان الراحل محمد رشدي.
خرج أوكا وأورتيجا ومعهما كاريكا، رابحين في كل المعارك الجدلية التي خاضوها، بل أنهم قد شاركوا في بطولة فيلم سينمائي ولم يكن هناك أي جدل أو اهتمام أن يخرج أي منهم للحديث عن نشأته وسط الفقر ومحاربته من قبل أعداء خفيين لديهم رغبة في تحطيم نجاحه، وظل الأمر مقتصر لسنوات على مهرجان يظهر كل بضعة أشهر، لتحقق الجدل ثم تختفي قبل أن يتكرر الأمر بعد فترة، ، حيث كان الاختلاف حول ذلك المحتوى قائمًا ومتمركزًا في الجزء الخاص بالتعليقات على كل فيديو أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو فقرة مع وائل الإبراشي في برنامج "العاشرة مساءً".
ماذا حدث؟
كل شيء تغير حين تحول YouTube إلى المنصة الأولى لإفراز صناع المحتوى المختلف في الوطن العربي بكافة الأشكال الترفيهية؛ مقدمي فيديوهات ساخرة، مقدمي فيديوهات معلوماتية، مقدمي فيديوهات عن الحياة اليومية، ومقدمي أغاني مهرجانات، ثم بدأ الناس ينتبهون إلى تحقيق تلك الفيديوهات لملايين المشاهدات في وقت قصير للغاية وتحقيق أصحاب تلك الفيديوهات إلى مكاسب مادية كبيرة مقابل تكلفة شبه منعدمة، وهو أمرلا يحدث مع أي من أغاني كبار الفنانين ويبدو مختلفًا بشكل قطعي عن النجاح المألوف لدى الجمهور وصناع الموسيقى، فكان السؤال القائم حتى الآن هو "ماذا حدث؟".
ولأن الإجابة لم تأت حتى الآن، لن ينتقل النقاش في وسائل الإعلام إلى أسئلة مهمة آخرى، مثل "كيف حدث؟" و"لماذا حدث؟" والسؤال الأهم "كيف نتعامل مع ما حدث؟"، لكن كلها أسئلة ستظل مؤجلة في الوقت الحالي.
اهتمام الإعلام بالقضية كان غير موفق، خاصة أن البرامج الحوارية لا تهتم بجوهر أزمة المهرجانات بقدر الاهتمام بردود الفعل التي تأتي حولها، وانتقل الحديث عن كلمات الأغاني وألفاظ المؤدي، إلى الحديث عن قصة حياة كل مؤدي مهرجانات يتم استضافته، ومحاولة إيقاعه في فخ الحديث العفوي الساذج الذي يحقق مشاهدات عالية عبر YouTube وFacebook، ثم تطور الأمر إلى الأخذ برأي كبار العائلة لدى مؤدي المهرجان لكي نستمع إلى نصائحهم، من حقًا يهتم برأي والدة أو خالة أي منهم؟ ولماذا لم تتناول البرامج الجانب الخاص بكتابة تلك الكلمات أو تناقشهم في كيفية صناعتهم لتلك الأغاني ونجاحهم في تسويقها للملايين من المشاهدين في غضون ساعات.
الطريق للخروج من الأزمة
موقف الفنان هاني شاكر منذ بضعة أيام وإعلانه عجزه عن إيجاد طريقة لكي تستوعب نقابة المهن الموسيقية، وجود أغاني المهرجانات، من الممكن تفسيره في أغنيته الشهيرة قبل 20 سنة؛ "انسحابي" من كلمات منصور الشادي، ألحان وتوزيع محمد ضياء الدين، وفي تلك الأغنية يقول "انسحابي جه في وقته.. كل فجر وله آذان"، والآن فقط أدرك هاني شاكر أننا في أزمة لا قيمة فيها لكلمات مثل الطرب الأصيل والفن الشعبي وقصص نجاح محمد رشدي وأحمد عدوية.
الجدل حول أغاني المهرجانات يجب حسمه عن طريق وضع المعايير لتقييمها بشكل يتناسب معها، والتعامل معها كوحدتين؛ الكلمات ثم الصوت وهو يشمل المطرب والموسيقى المصاحبة له، وهي الخطوة الأولى لوضع أغاني المهرجانات في إطار قانوني إلى جانب الحصول على التراخيص من المصنفات الفنية والتصاريح اللازمة للمؤديين، وهو أمر لن يرفضه أي منهم، خاصة هؤلاء الذين حققوا النجاح.
بعد التقييم والتقنين يأتي التقويم وهو أمر يجب أن يبدأ فيه صناع أغاني المهرجانات نفسهم، لأن أغلب الأغاني التي حققت نجاح مع الجمهور –إن لم يكن كلها- تدور في إطار التحرش الجنسي والبلطجة، فالأغنية إما أن تتحدث عن مفاتن الفتاة أو عن تاثيرها الذي لا يقاوم أو عن عنف أبناء منطقة صاحب المهرجان وقوتهم وصلابتهم في أي مشاجرة مع ابناء المناطق المحيطة.
كل ما تحتاجه أزمة أغاني المهرجانات هو وضع الضوابط، دون النظر إلى شخص مؤدي المهرجانات، مجرد قواعد يتبعها الجميع بلا تفرقة وبدون الاحتكام إلى وجهة نظر وتقييم الموسيقار حلمي بكر الذي مازال لديه بعض التحفظات على المطرب الشاب عمرو دياب، وبعد تطبيق الضوابط، تنتهي الأزمة، ويصبح الاختيار للجمهور، فيبقى على الساحة من يستطيع التطور والانضباط، ويختفي من يعتمد على الإيحاءات الجنسية والعنف.