المتابع لمواقع التواصل الاجتماعي خلال الساعات الأخيرة من ليلة أمس، وحتى صباح اليوم، لا شك أنه تابع الجدل المثار حول ظهور الفنان القدير يوسف فوزي في لقاء مصوّر لأحد المواقع الإخبارية المعروفة، وكم الانتقادات التي نالت الصحافة عموما، وليس الموقع صاحب الحوار فقط، بشأن عدم المهنية في إظهار شخص مريض بهذا الشكل.
رغم إصابته بالمرض منذ سنوات، إلا أن بداية القصة تعود لشهر فبراير عام 2018 عندما ظهر يوسف فوزي في حوار مصوّر لأول مرة بعد إصابته بمرض الشلل الرعاش، في أحد المواقع الإلكترونية، ولأنني كنت أعمل في هذا الموقع وقتها، فقد تابعت ردود الفعل على هذا الظهور، وكان هناك تعاطفا جارفا معه، بل وأيضا تأييدا واختلافا معه في وجهات نظره السياسية، لأن الفيديو الذي تم تصويره كان عن حديثه في السياسة فقط، أما حديثه عن المرض والمحنة التي يمر بها فقد نُشر في حوار مكتوب، وأيضا حصد الآخر تعاطفا كبيرا معه.
لكن هذه المرة وعندما نشر حوار جديد له لصالح موقع آخر، انقلبت الدنيا رأسا على عقب، وتحوّل التعاطف الجارف لهجوم عنيف، واتهامات للصحافة ككل بعدم المهنية واللاإنسانية وغيرها من الأوصاف، لكن ما الذي تغير في كلا الموقفين، فالفنان هو ذاته لم يتغير، والتصريحات كما هي، وحتى مرضه لم يشف منه، بل وللأسف الشديد زاد حتى أصبحت رعشة يديه قوية جدا.
بالتأكيد زاوية التصوير كان لها دور كبير في حفظ كرامة المرض، وأؤكد هنا أنه "المرض" وليس الشخص، لأن المرض لم ولن يكون إهانة على الإطلاق، وكل مرض له خصوصيته وطريقة التعامل اللائقة به، لذلك أن يكون أحد المشاهير مثلا في العناية المركزة ويتم تصويره ونشر صوره في هذه الحالة بدون إذنه، فهذا مهين للحالة التي يمر بها وليس له كشخص في حد ذاته.
في الحقيقة يوسف فوزي رغم مرضه الشديد إلا إنه كعادته يتحدث بلباقة ومثقف وواعي، يتابع السينما العالمية ويتحدث عن الفن ومتابعة الأخبار، ويدلي برأيه في التعامل مع الفنانين بعد تدهور أحوالهم الصحية، وعن خلاصة تجاربه في الحياة بعدما وصل لسن الرابعة والسبعين، وغيره من التصريحات التي تؤكد أنه فقد ثبات يديه لكنه لم يفقد أبدا رجاحة عقله وثقافته، بل اتسعت رؤيته للحياة، فأصبح وكأنه يحدثنا من الجانب الآخر لشاطئ الحياة، بينما نحن نكابد العناء للوصول إليه حاليا.. ولعلنا ندركه.
بالتأكيد "الفن ممتع لكنه يسرق العمر" مثلما قال الفنان القدير في حواره، لكنه سرق العمر ومنح بدلا منه تقديرا واحتراما وحبا جارفا من الجمهور، ولم يحدث من قبل أن تراجع حب الجماهير لفنان بعد مرضه واعتزاله، بل عاطفة المصريين الطاغية تجعل مكانته تزيد لديهم أضعافا مضاعفة، وهو ما أدركه يوسف فوزي بحكمته بقوله أن الشعب المصري طيب، مطالبا إياهم بقراءة الفاتحة للنجوم الراحلين عندما يرونهم على الشاشة، بينما اكتفى لنفسه بأن يدعوا له بحسن الختام، وكأنه ينتظر الآن النهاية الجميلة لقصته.
في النهاية، يوسف فوزي لم يفقد عقله لكي نتهم الصحافة باستغلاله، فالرجل وافق على الحوار وتحدث بكل لباقة عن مرضه وحياته حاليا، وزاد من شعبيته وحب الجمهور له، لأنه يدرك جيدا أن مرض أي فنان بقدره ما يؤلمه جسديا، بقدر ما يثبت له بشكل عملي مدى الحب الذي يحظى به، لذلك لم يخسر في ظهوره بهذا الشكل، بل حصد حبا وتقديرا ودعوات بالشفاء لا حصر لها، بينما على الجانب الآخر ربما خسرت الصحافة جولة ما كانت لتحسب ضدها لو أنها رفعت زاوية تصوير الكاميرا للأعلى قليلا...
اقرأ أيضا:
لا تكونوا مثل سمية الألفي
إلى الراقصات الشرقيات... مفتاح الفضيلة مع تامر أمين