نقلا عن مجلة "صباح الخير"
لا أتفق مع البعض الذي يقول أن الفنانة إيناس عبد الدايم وزير الثقافة تخصص الجانب الأكبر من وقتها للنشاط الموسيقى كونها بالأساس من نجمات دار الأوبرا المصرية، فدورها واضح في مجالات عدة، ولولا تدخل قوي منها ما أفتتح متحف نجيب محفوظ أخيرا بعد نحو 10 سنوات من التسويف الروتيني المصري الشهير، كذلك أرى عبد الدايم موجودة وداعمة في كل المهرجانات التابعة للوزارة، وكان لها دور واضح في خروج الدورة الخمسين لمعرض الكتاب مطلع هذا العام بصورة توقع البعض أن تكون مهتزة بسبب نقل مقر المعرض لكن الدورة مرت بسلام وحققت أفضل ما يمكن الوصول إليه في ظل الإمكانات المتوافرة، غير أن أزمة وزارة الثقافة الأعظم هو تعدد الملفات الملقاة أمام كل وزير، وكل ملف مرتبط بقطاع يتعامل البعض معه على أنه وزارة مستقلة كما أن كل القطاعات تحتاج لعدل وتوازن في الإهتمام بها فنحن في بلد الفنون ، البلد التي حققت بقوتها الناعمة مكاسب وانتصارات لم تنجزها أعتى الجيوش، بالتالي فقد تكون الوزيرة قد أبلت بلاءا حسنا في تطوير الإنتاج الموسيقى وتحديث دار الأوبرا ومهرجانات الموسيقى الصيفية بالقاهرة والإسكندرية وغيرها من المواقع، قد تكون ذلك أولت اهتماما كبيرا بقطاع المتاحف وإهتماما أكبر بنشاط المعارض، وتابعت التطور المستمر في مستوى مهرجان القاهرة تحديدا ولازالنا نطلب منها المزيد تجاه باقي المهرجانات، رغم الإشادة بكل ما سبق لكنني أطالبها عبر هذه السطور بأن تدعو أكبر عدد ممكن من السينمائيين خصوصا أبناء الجيل الجديد الذين تخرجوا من معهد السينما في السنوات العشر الأخيرة، للإستماع للواقع المر الذي يعانون منه لأسباب عدة أكتفى بسبب واحد ومعقد منها في هذا المقال .
ربما ليست الدكتورة إيناس عبد الدايم هي المسئولة عن ظاهرة " رجل واحد + مناصب متعددة" فهو تقليد قديم ومتبع في وزارة الثقافة منذ عقود، وفي الوقت الذي تسعى فيه الدولة المصرية للقضاء على التراخي الإداري وسد ثغرات الفساد الحكومي وتحديث الأداء في كل القطاعات، لازال داخل وزارة الثقافة شخص واحد له مني كل التقدير والإحترام، يتولى عدة مناصب لا يمكن لأي إنسان أيا كانت قدراته أن يحملها على عاتقه، فهو يتولى رئاسة قسم السيناريو في معهد السينما التابع لأكاديمية الفنون ثم ينتدب رئيسا للمركز القومي للسينما، وبعدها رئيسا للشركة القابضة لدور العرض والإستديوهات، ثم رئيسا للرقابة و بالتوازي مع كل ذلك مستشار للوزير لشئون السينما، بأي منطق يجمع شخص واحد لعدة سنوات بين كل هذه المهام وكأن مصر بكل مكانتها، وقطاع الثقافة بكل تاريخه لا يملك البدلاء الأكفاء .
عندما تجتمع وزيرة الثقافة مع السينمائيين – إذا تقبلت الفكرة- سيسألونها لعلهم يجدون ردا، في أي مقر من مقرات تلك الوظائف يجلس المدير الخارق ، أم يذهب لكل مقر يوما في الإسبوع، سيطالبونها بمساعدتهم لإنهاء الحيرة حول الخفوت الذي أصاب المركز القومي للسينما، الجهة الحكومية التي تأسست لتدعم الأفلام بكل أنواعها خصوصا التسجيلية والقصيرة والمنوط بها دعم السينمائيين الشباب ومساعدتهم لإنتاج أفلام تمثل مصر في المهرجانات العالمية وتوثق الحالة المصرية بعيدا عن تجارية أفلام شباك التذاكر، هل طالبت الوزيرة رئيس المركز بكشف حساب حول عدد الأفلام التي من المفترض أن يدعمها سنويا وهل يحقق "التارجت" أم لا؟ ، هل تعلم أن بعض الأفلام التي تنسب للمركز يكون الدعم فيها مجرد السماح بالتصوير داخل المركز وكأنه تحول فقط للوكيشن سينمائي وليس جهة مطلوب منها النهوض بالصناعة وحماية الذوق العام وسمعة السينما المصرية، يمكن أيضا في هذا الإجتماع – إن تم- أن تستمع الدكتورة إيناس عبد الدايم لعلامات استفهام حول عدم وجود مكاتب مجهزة للعاملين بالمركز في مجالات انتاج الأفلام التسجيلية والقصيرة والتحريك، قرابة 150 موظف لا يجدون مكانا يجلسون فيه، وغرف تابعة للمركز في ستديوهات نحاس والأهرام مغلقة بدون سبب واضح .
الملف كبير والكتابة فيه لن تتوقف، وتعدد المناصب حتى لو داخل دائرة واحدة ينتج عنه تضارب مصالح شئنا أم أبينا، ومصر الآن في هذه المرحلة تعطى الفرصة لشبابها ليتولوا المسئولية دون الابعاد التام للخبرات بشرط أن يكون صاحب الخبرة مفيدا للتجربة وليس مجرد اسم فشلت المناصب في اعطاءه اللمعان الذي يجب أن يتمتع به الناشط في صناعة الفن، كل شئ في المبنى الملاصق لمدينة السينما والمواجه لأكاديمية الفنون يحتاج للمراجعة، والهدف البحث عن إجابة لسؤالين ، أولهما هل نجحت تجربة الجمع بين عدة مناصب ؟، و الثاني لماذا يجري كل شئ في هذا المكان في سرية وبقصد عدم النجاح وكأن الهدف هو تستيف الأوراق فيما الشعب المالك الأساسي لكل ما سبق لا يشعر بأي نتيجة أو إنجاز ملموس وكأنه المركز القومي للسينما الصامتة .