قبل ساعات أُعلنت جوائز مهرجان فينسيا السينمائي في دورته السادسة والسبعين، ليتوج بالأسد الذهبي فيلم Joker للمخرج تود فيليبس في مفاجأة ضخمة، يمثل هذا الفوز بالجائزة الأرفع لواحد من أكبر المهرجانات السينمائية في العالم علامة فارقة في مسيرة أفلام الأبطال الخارقين، ويجعلنا نعيد النظر في تاريخها مع الجوائز.
الجوكر ينتصر مرة أخرى
منذ شهور قليلة أعلن المهرجان العريق عن أفلام مسابقته الرسمية، لنجد فيلم Joker ضمنها. من المعروف أن فينسيا يضم عادة أبرز الأفلام الأمريكية التي تحتل لاحقًا مكانها في في حفلات توزيع جوائز الأوسكار وغيرها، مثل Roma وShape of Water، وكلاهما حصل على الأسد الذهبي، ومن قبلهما La La Land الذي حصل على كأس فولبي لأفضل ممثلة من المهرجان لصالح إيما ستون.
في العام الحالي قدم المهرجان 4 أفلام أمريكية، وفيلم آخر إيطالي أمريكي ضمن مسابقته الرسمية، Joker كان أبرزها، فهو واحد من أكثر الأفلام المنتظرة خلال العام منذ الإعلان عنه، لكن لا يجب إغفال أن الفيلم ينتمي إلى شخصيات DC للكوميكس والتي خرجت أغلب أفلامه مؤخرًا بشكل هزيل، وكان هناك قلق من أن يصبح الفيلم إضافة جديدة لانكسارات DC، وفي الوقت نفسه ينتمي إلى نوع أفلام الأبطال الخارقين -الأشرار الخارقين هذه المرة- التي تهتم في كثير من الأحيان بتقديم التسلية للمشاهد على حساب اهتمامها بالتفاصيل الفنية المحكمة إلا في استثناءات قليلة، وهكذا شكل وجوده في المسابقة الرسمية للمهرجان كأول فيلم من هذا النوع يصل إلى هذه المكانة علامة استفهام.
مهرجان بحجم فينسيا لا يحتاج إلى فيلم ليزداد شهرة، وكان بإمكان الإدارة أن تكتفي بعرضه في القسم الرسمي خارج المسابقة، وكان سيحظى بتغطية كبيرة أيضًا، هكذا انتظر الجمهور والنقاد العرض الأول للوقوف على أسباب اختياره في المسابقة.
بمجرد عرض الفيلم ظهرت الكثير من الآراء الإيجابية التي تشيد بالعمل ككل، وليس بأداء واكين فينكس وحده كما كان متوقعًا، ولكن في النهاية الكثير من الأفلام تحصد آراءً إيجابية، والتي تعني أن الفيلم جيد، ولكن إلى أي حد؟ كانت التوقعات تذهب إلى حصول واكين فينكس على كأس فولبي لأفضل ممثل، لكن الجائزة ذهبت إلى لوكا مارينللي عند دوره في فيلم Martin Eden، في حين حمل الحفل مفاجأة أكبر بفوز فيلم "جوكر" بالأسد الذهبي، أرفع جوائز المهرجان.
يبدو أن شخصية الجوكر ترغب في أن تترك بصماتها على السينما كما تركتها على القصص المصورة.
تاريخ من الجوكر
في عام 1989 ظهر فيلم Batman من إخراج تيم برتون كثاني المحاولات لتجسيد شخصية البطل المتشح بالسواد على شاشة السينما بعد محاولة هزيلة عام 1966 وعدة حلقات تليفزيونية قبلها. اللافت كان اختيار الجوكر مرة أخرى ليصبح الشخصية الشريرة الرئيسية في فيلم فيلم برتون، بعد أن سبق تقديمه في نسخة عام 66، وإن كان ليس بالأمر الغريب إذ أنه أحد أبرز الشخصيات الشريرة التي قدمها مبدعو شخصية باتمان. في نسخة 89 وقع الاختيار على واحد من أبرز الممثلين ليلعب دور زعيم الجريمة، وهو جاك نيكلسون، والذي كانت أهميته وقيمته كممثل تتفوق على مايكل كيتون الذي لعب دور باتمان نفسه.
نال نيكلسون كما هو متوقع إشادات كبيرة على أدائه، وحجز مكانه في قوائم أفضل الشخصيات الشريرة في السينما، مع ترشيح لجائزة أفضل ممثل مساعد في كل من جوائز البافتا والجولدن جلوب، لم يحصل على أي منهما، بينما تجاهل الأوسكار ترشيحه تمامًا.
لكننا نتحدث عن نهاية الثمانينيات، حين لم تكن أفلام الأبطال الخارقين إلا تجارب متباعدة لبعض شركات الإنتاج، وليست لاعبًا أساسيًا في كل عام سينمائي، الأمر الذي بدأ يختلف مع بداية الألفية الثالثة.
بعد فيلم كارثي عام 1997، قررت شركة "Warner Bros." المالكة لحقوق باتمان، إعادة تقديمه في سلسلة جديدة عام 2005 بالتزامن مع التصاعد المستمر في عدد وجماهيرية أفلام الأبطال الخارقين، وفي ثاني أفلام السلسلة "The Dark Knight" (فارس الظلام) قرر كريستوفر نولان مخرج الفيلم والمشارك في كتابته، تقديم شخصية الجوكر مرة جديدة على أن يقوم بالدور هيث ليدجر، الذي قدم أداءً أيقونيًا لا زال يحظى بالإشادة إلى الآن بعد مرور أكثر من 10 سنوات على الفيلم.
في هذه المرة لم يكن بإمكان الأوسكار تجاهل ترشيح ليدجر كما فعلت مع نيكلسون، خاصة مع الرحيل الصادم للأول قبل عرض الفيلم، ليحصد الممثل الراحل أول جائزة أوسكار في فئات التمثيل -أوسكار أفضل ممثل مساعد- في أحد أفلام الأبطال الخارقين، والوحيدة حتى الآن، وليصبح هذا الفيلم فتحًا مهمًا في ترشيحات أفلام الأبطال الخارقين للأوسكار كما سنذكر لاحقًا.
حاولت Warner Bros إعادة إحياء الجوكر مرة أخرى في فيلم Suicide Squad مع ممثل مميز آخر هو جاريد ليتو، لكن الفيلم خرج بشكل هزيل بينما تعرض دوره للكثير من الحذف كما ذكر لاحقًا، ليصبح بمثابة كبش فداء للخروج من دائرة جوكر هيث ليدجر، تمهيدًا لعودة الشخصية مرة أخرى للشاشة الكبيرة.
منذ عدة أشهر، أُعلن عن موافقة واكين فينكس للعب شخصية الجوكر، ولكن التفاصيل مختلفة هذه المرة. لن يكون الجوكر هو الشخصية الشريرة في أحد أفلام باتمان، أو حتى أحد أبطال الفرقة الانتحارية كما في الفيلم سابق الذكر، لكن الفيلم سيدور بالكامل عن الشخصية، ما الذي جعل الجوكر "الجوكر"؟ فينكس هو بلا شك أحد أفضل ممثلي جيله، يصعب تجاوز أداؤه في أي دور يقدمه، مثلما يصعب تجاوز تجاهل الأكاديمية لمنحه جائزة الأوسكار رغم تفوقه الواضح في العديد من المرات على منافسيه. لكن بقية تفاصيل الفيلم لم تكن مطمئنة إلى حد كبير.
كما ذكرنا فإن أغلب الأفلام التي تنتمي إلى عالم DC للأبطال الخارقين ظهرت بصورة هزيلة، وأفضلها لا يتعدى أن يكون فيلم جيد. كما أن مخرج الفيلم تود فيليبس يشتهر بصناعة الأفلام الكوميدية مثل سلسلة The Hangover، ولكن بحصوله على الأسد الذهبي اختلفت الصورة تمامًا ليصبح الفيلم علامة فارقة ليس لأفلام هذه الشركة فقط بل لكل أفلام الأبطال الخارقين التي نجحت بهذه الصورة في الحصول على اعتراف رسمي بأنها يمكن أن تكون أفلامًا فنية مميزة بجانب احتوائها على العناصر الجماهيرية.
تبقى جوائز الأوسكار والكرة الذهبية Golden Globe هي الأكثر شهرة حول العالم، بينما جوائز المهرجانات الكبرى لها قيمة أرفع إذ أنها تمنح وسط منافسة قوية بين عدة أفلام مميزة من دول مختلفة وتمنحها لجنة تحكيم مكونة من أشخاص ذوي خلفيات وخبرات مختلفة. وهكذا فإن منح أسد فينسيا لفيلم "جوكر" هو حدث فاصل، وحتى ندرك هذا يجب أن نمر على تاريخ أفلام الأبطال الخارقين مع الجوائز.
تاريخ من التجاهل
مع بداية الألفية الثالثة، تدريجيًا بدأت أفلام الأبطال الخارقين تحتل مكانًا ثابتًا في خريطة الأفلام، وتحقق أعلى الإيرادات. لكن في ما يخص الجوائز والتقديرات، كانت هذه الأفلام لا تزال بعيدة.
كانت أفلام الأبطال الخارقين ضيفًا دائمًا في ترشيحات الأوسكار للجوائز التقنية مثل المؤثرات البصرية وجوائز الصوت، وحصلت بعض الأفلام على هذه الجوائز بالفعل مثل Spider-Man 2 الذي حصل على أوسكار أفضل مؤثرات بصرية، لكن الخروج من هذه الفئات إلى فئات التمثيل والإخراج والسيناريو كان أمرًا محرمًا ، إلى أن عرض The Dark Knight عام 2008. حصل الفيلم على الكثير من الإشادات النقدية كونه واحد من أكثر أفلام العام تميزًا على عدة مستويات، مع حصوله على المركز الأول في الإيرادات في سنة عرضه سواء داخل أمريكا أو على مستوى العالم، لكن هذا لم يشفع لدى الأوسكار التي منحت الفيلم تشريحًا تحول إلى فوز لهيث ليدجر كما ذكرنا، مع عدة ترشيحات في الفئات المعتادة مثل المؤثرات البصرية، لم يحصل منها إلا على جائزة مونتاج الصوت.
أثار هذا حفيظة الكثيرين بالطبع، ومما يقال إن تغيير الأوسكار للوائحها في العام التالي مباشرة ورفع عدد الأفلام المرشحة لجائزة أفضل فيلم من 5 إلى 10 كان بسبب خروج أفلام مهمة دون ترشيحات في ذلك العام، أبرزها بالطبع The Dark Knight وWALL.E. لكن الصورة لم تتغير إلا في العامين الماضيين.
في عام 2018 حصل فيلم Logan على ترشيح في فئة أفضل سيناريو مقتبس، ليصبح أول أفلام هذا النوع التي ترشح لواحدة من جوائز السيناريو، وكان الفيلم قد سبق عرضه للمرة الأولى عالميًا في مهرجان برلين في القسم الرسمي خارج المسابقة في سابقة هي الأولى من نوعها أيضًا. بينما في العام التالي ظهر ولأول مرة أحد أفلام الأبطال الخارقين في ترشيحات أفضل فيلم وهو Black Panther وإن لم تكن هذه هي البداية المثلى لظهور هذا النوع من الأفلام في ترشيحات أوسكار أفضل فيلم، إذ ليس هو الفيلم الأفضل بالتأكيد -مقارنة بالكثير من الأعمال التي سبقته- ليحتل هذه المكانة.
قرابة الشهر تفصلنا عن العرض التجاري لفيلم Joker والذي من المتوقع أن يحقق إيرادات ضخمة حول العالم، لكن على صعيد الجوائز كيف سيكون أداؤه بعد أسد فينسيا الذهبي؟ هل تفعلها الأكاديمية وترشح أحد أفلام الأبطال الخارقين لجائزة أفضل فيلم لعامين متتالين؟ سواء فعلت أم لم تفعل، الأسد الذهبي يكفي بالتأكيد.
اقرأ أيضا
جوائز مهرجان فينسيا السينمائي.. فيلم Joker يحصد الأسد الذهبي ومشاركة عربية مميزة
النقاد يصفون فيلم Joker: مخيف ومأساوي ومثير للقلق .. هل تفوق واكين فينيكس على هيث ليدجر؟